م.د. أحمد فاضل حسون
قسم الدراسات السياسية / 14 / آذار / 2022
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
التكاملية، من أهم الأهداف التي عمل عليها الإمام علي )عليه السلام( والأئمة )عليهم السلام) من بعده، تناظراً وتماشياً مع أهداف الدين الإسلامي، الذي جاء لبناء مجتمع صالح تقوده المثل النموذجية العليا، بعد أن كان يعيش جهلاً متقعاً متجهاً نحو الانحدار، لاسيما في محيط البيئة التي نشأ وترعرع فيها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في كثير من الآيات المباركة في وصف الجهل والجاهلية، ووصف تلك البيئة الملبدة بالمصاعب، وواجهها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوته، وعلمه، وحكمته، ورسالته المباركة، على الرغم من أنَّ المناوئين لا يبغون إلا الجهل، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(المائدة: 50). والكثير من الآيات المباركة أشارت إلى هذا الحال، ودور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في إصلاح حال الأمة، على مختلف الصعد: الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وما هو إلا تحقيق للرسالة السماوية المنزلة.
إنَّ السلوكيات المنحرفة لها أبعادها المؤثرة في مستقبل الدعوة الإسلامية، وحفظ المجتمع الإسلامي من المنحدرات التي تحدث بين الفينة والأخرى، يعي مسؤوليتها قادة الإسلام وفي مقدمتهم الامام علي (عليه السلام)، فبناء مجتمع صالح يعني نجاته من المؤثرات التي تعصف به، إذا ما علمنا أنَّ الطرف المعادي عتيد وعنيد ومصرّ على ضرب الدعوة الإصلاحية، بأي فرصة تسنح له سواء كان في عصر النبوة أو بعدها.
فكان الامام علي (عليه السلام) يدرك تماماً هذا الواقع، فواجههم في اتجاهين: الصراع الداخلي والخارجي، وكلاهما أخطر من الثاني، فتارة في التوجيه والإرشاد والتحذير الآني في عصره، وما سيحدث في مستقبل الأمة، وتارة بالسيف، فتلك المشكلات بدأت بالتزايد، ونتائجها متعددة مرتبطة في عدة جوانب: أهمها وأخطرها محاولات ضرب العقيدة الإسلامية بالعقيدة نفسها، الذي انعكس على واقع المجتمع، وسبَّب له فتنًا كثيرة.
إنَّ التكاملية الإصلاحية تأتي من عدة جوانب، فما أن تلتزم بها الأمة تكون أكثر رقيا وثباتا وقربا من الرسالة المنزلة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي مقدمتها تمييز الصالح من قادتها، واتباعهم قولا وفعلا.
رُئي على الإمام علي (عليه السلام) إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ورئي عليه إزار مرقوع، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): “يقتدي به المؤمنون ويخشع له القلب وتذل به النفس ويقصد به المبالغ أشبه بشعار الصالحين، وأجدر أن يقتدي به المسلم“.
وقوله (عليه السلام): ” اعلموا أنَّ ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوى، وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم”.
يلاحظ من السلوك الارشادي عند الامام علي (عليه السلام) أنَّه يسير في اتجاهين: سلوك (فعلي)، وسلوك (قولي)، فما يصدر من قائد للأمة وبهذا المستوى من الارشاد العالي، هو تربية للنفس، وقدوة وأسوة للمجتمع، وتأكيد منه (عليه السلام) على أنَّ الأجدر أن يقتدي به جميع المسلمين بمختلف طبقاتهم، هنا يتجسد العمق المعنوي والروحي المرتبط بالذات الإلهية سواء كان من القائد أو المجتمع.
لننقل صورة أخرى مغايرة، ونرى أين وقف المجتمع من الحالتين، عن عمرو بن الأسود، قال:” خطبنا معاوية، فقال: ستٌّ نهاكم عنها رسول الله وأنا أبلغكم ذلك عنه: التبرج، والتصاوير، والذهب، والحرير، والنياحة، والمغنية. قال: فلما كان الغد خرج جواري معاوية ملطخات بالذهب والحرير، قال قلت: يا معاوية تنهانا عن الذهب والحرير؟ قال: إنها والله مالت بنا فملنا)!
ونقلت كتب التاريخ عن الاحنف بن قيس، بأنَّ معاوية كان يأكل ما لذّ وطاب له: “مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر”، ويعيش عيشا مترفا بعيدا عن الحياة العامة للمجتمع.
هاتان صورتان لقائدين لهما سلوكان مختلفان، الأول يبحث عن تكامل المجتمع الصالح، والثاني يبحث عن تكامل غرائزه، فأين وقف المجتمع من هاتين الشخصيتين؟