الكاتب: ديزموند لاكمان، زميل أول ، دكتوراه في الاقتصاد من جامعة كامبريدج.
الناشر: معهد أمريكان إنتربرايز، 27 كانون الثاني 2022
ترجمة: أ.م. مؤيد جبار حسن / مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
مراجعة وتحليل : د. فراس حسين الصفار / قسم ادارة الازمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
ما أمضى من العام الماضي يؤكد لنا أن التضخم لم يكن سوى ظاهرة عابرة لا علاقة لها بالسياسة النقدية المتساهلة للاحتياطي الفيدرالي ، اذ يبدو في الوقت الحالي أن رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي (جيروم باول) قد غير موقفه بشكل مفاجئ. اذ يجب على المرء أن يرحب بإدراكه المتأخر بأن البلد يعاني بالفعل من مشكلة التضخم، ومع ذلك ، كما يجب عليه أن يتساءل عما إذا كان البنك الفيدرالي يقوم بالقليل بعد فوات الأوان لتجنب تعرض البلاد لهبوط اقتصادي صعب في وقت لاحق من هذا العام.
سيكون من قبيل المبالغة أن نقول إن ارتفاع مستوى التضخم في العام الماضي إلى أعلى مستوى له في أربعين عامًا قد أصاب البنك الاحتياطي الفيدرالي بخطوات ثابتة تمامًا. وبينما توقع البنك الاحتياطي الفيدرالي في بداية العام بلوغ مستوى التضخم إلى 1.8 % ، الا انه ارتفع بحلول نهاية العام يصل مستوى التضخم إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف هذا المعدل حتى، كما تم قياسه بواسطة مؤشر التضخم المفضل لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي. في غضون ذلك ، تسارع معدل التضخم لأسعار المواد الاستهلاكية إلى أكثر من 7 % أو إلى مستوى الذي شوهد آخر مرة خلال رئاسة ريغان.
من جانب اخر طوال العام الماضي ، فشل البنك الاحتياطي الفيدرالي في استيعاب الخطر التضخمي المتمثل في اتباع أسهل السياسات النقدية في وقت كانت فيه الدولة تتلقى أكبر حافز لميزانية في وقت السلم على الإطلاق ، وأبقى الاحتياطي الفيدرالي على نفس سياسته النقدية تجاه الذهب.
ولم يقتصر الأمر على إبقاء أسعار الفائدة عند حدود الصفر في وقت ارتفاع مستوى التضخم وانتعاش الاقتصاد الامريكي بقوة ، بل واصلت شراء 120 مليار دولار شهريًا من سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري في وقت كانت فيه أسواق الأسهم والإسكان الأمريكية مرتفعة. نتيجة لذلك ، لدينا الآن موقف حيث تكون تقييمات الأسهم عند مستويات استنزاف لم نشهدها إلا مرة واحدة من قبل على مدى المائة عام الماضية وحيث تكون أسعار المساكن أعلى مما كانت عليه في عام 2006 حتى من حيث معدلات التضخم.
ويُحسب للسيد باول انه بدء الآن يدرك أخطاء السياسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي ويدرك أن الاحتياطي الفيدرالي يقف وراء منحنى التضخم. ففي مؤتمر صحفي ، بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ، أقر باول أن التضخم كان أعلى بكثير من هدف التضخم للاحتياطي الفيدرالي ، وكان ضغط الأجور قويًا ، وكان سوق العمل قويًا بما يكفي لتحمل ارتفاعات متعددة في أسعار الفائدة. على هذا الأساس ، أشار إلى أن البنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يوقف برنامج شراء السندات في اذار ، وفي ذلك الوقت ألمح إلى أنه من المحتمل أن يبدأ دورة رفع أسعار الفائدة.
ومع ذلك ، عندما يتم قول وفعل كل شيء ، سيبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة أقل بكثير من معدل التضخم لبعض الوقت المناسب في المستقبل. وهذا يجب أن يثير تساؤلات حول ما إذا كان البنك الاحتياطي الفيدرالي سيقترب من تحقيق هدف التضخم البالغ 2 % هذا العام حتى وان استطعنا تخفيف بعض مستويات التضخم عبر خفض مشاكل سلسلة التوريد الحادة التي يعاني منها الاقتصاد الامريكي الآن.
السؤال الأكبر الذي يعتمد عليه الاقتصاد هو: ما إذا كان البنك الاحتياطي الفيدرالي يمكنه تطبيع سياسته النقدية دون تفجير فقاعات سوق الائتمان والأصول التي خلقتها سنوات من السياسة النقدية المتساهلة. هذا هو الحال بشكل خاص مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الفقاعات كانت تستند إلى بقاء أسعار الفائدة عند معدلات منخفضة للغاية حاليا ومستقبلا .
إذا كان هناك سبب واحد للتفاؤل ، فهو تأكيد السيد باول الجديد الى الحاجة للتواضع والرشاقة في استجابة سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي للتوقعات الاقتصادية غير المؤكدة. إذا احتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى تلك الصفات ، فيجب أن يكون اليوم في أعقاب ذلك ، فقد سمح لمارد التضخم بالخروج من قمقمه، وإنشاء فقاعات سوق الائتمان والأصول. ومما يؤسف له أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يظهر تلك الصفات في العام الماضي ،بينما كان لا يزال من الممكن له أن يتدارك ذلك عبر هبوط اقتصادي ناعم.
التحليل:
يركز الكاتب حول موضوع اساسي هو ان السياسات النقدية المتساهلة للبنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الاعوام السابقة (بعد جائحة كورونا) ستكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الامريكي لاسيما في مستوى التضخم المرتفع عن المتوقع الذي سجل هذا العام اذ بلغ ثلاثة اضعاف ما كان مخطط له بسبب خفض اسعار الفائدة الاسمية لمستويات صفرية وان اسعار الفائدة الحقيقية قد تصل الى دون الصفر ، الا انه يشير لاستيعاب البنك الفيدرالي لخطورة الموقف ومن ثم التحرك باتجاه السيطرة على التضخم وايقاف عمليات شراء السندات الحكومية وسندات الرهن العقاري من خلال عمليات التيسير الكمي لاسيما للسندات مرتفعة الخطورة من اجل انعاش الاقتصاد، مع الابقاء على مستويات المعدن النفيس (الذهب) عند وضعها السابق. كما ان الكاتب يخشى ان اجراءات مكافحة التضخم من خلال رفع اسعار الفائدة قد تودي الى انهيار الاسواق المالية الأمريكية نتيجة زيادة الشراء على السندات خلال الاعوام السابقة قد ادى الى رفع قيم الاصول والسندات لمستويات اعلى من القيمة الحقيقية وهو ما يعرف باقتصاد الفقاعة وهي ظاهرة تبدأ بتوسّع سريع في السوق، يليها انكماش حاد فيه. فعندما تتسبب المضاربة على سلعة ما، في ارتفاع سعرها لحد مستويات خيالية مع استمرار المضاربة عليها، ويُتبع عادة بانهيار وهبوط حاد ومفاجئ لسعرها، بما يشبه انفجار الفقاعة. ولأن الارتفاع الجنوني يكون أشبه بانتفاخ البالون الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل لأقصى حده من تحمل ضغط الهواء فينفجر، وقد يحدث في السوق المالية اذ يودي ارتفاع اسعار بعض الاصول او السندات لمستويات قياسية اكثر من القيمية الحقيقية او الجوهرية بفارق كبير حتى تصل إلى نقطة السقوط الحر ويتبعها انفجار الفقاعة. وبرغم تخوف الكاتب من حدوث هذا الامر الا انه مستبعد الحدوث نتيجة ادراك البنك الاحتياطي الفيدرالي لهذا الامر وان السياسات النقدية المتساهلة قد يتم تخفيضها بالتزامن مع رفع اسعار الفائدة الاسمية والابتعاد عن فخ الكساد التضخمي الذي يسعى البنك الفيدرالي تجنب حدوثه وهو اساس عمليات التيسير الكمي السابقة، كما ان مستويات التضخم المرتفعة عن 2% لا تعد مستويات خطرة اذ يمكن الاستفادة منها في زيادة الاستخدام الشامل للاقتصاد والاستفادة من عناصر الانتاج المعطلة وتخفيض مستوى البطالة في الاقتصاد الامريكي.