أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
7 نيسان 2022
بعد الثورة التكنولوجية والتطور العلمي في مختلف أجزاء المعمورة، واختلاف التطور بين دولة وأخرى، والحاجة إلى التكامل بين الدول في الجوانب العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، جعلت العالم عبارة عن قرية صغيرة، ولجأت دوله إلى إقامة علاقات تعاون بينهم، ومنع أي تدهور أمني أو توتر في العلاقات بين الدول، وإنَّ وجود أي اضطرابات أو حرب في أي جزء من الكرة الأرضية، تؤثر بشكل أو بآخر في الأجزاء الأخرى، سواء كانت في جوارها أو ترتبط بها في علاقات اقتصادية وأمنية مهمة، وعلى الرغم من بعد الحرب الأوكرانية الروسية عن المنطقة العربية بمسافة آلاف الكيلو مترات، إلّا أنَّها ذات تأثير في الأوضاع الأمنية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، ومن عدة زوايا، منها:
- اقتصاديا: تعتمد أغلب الدول العربية في تأمين احتياجاتها الغذائية ولاسيما القمح والزيوت النباتية، كذلك المواد الصناعية، مثل: الحديد والفحم الحجري على الاستيراد من الخارج، فهي تعتمد على القمح والزيت والحديد المستورد من روسيا وأوكرانيا، فهي حسب الاحصائيات تستورد (60%) من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، نظرا لسعرها المنخفض، وإنَّ حدوث الحرب أوقف معظم هذه الواردات ولاسيما الأوكرانية، وظهور شروط أخرى، مثل: اشتراط روسيا أن يتم الدفع بالروبل الروسي أو عملات تلك الدول مقومة بالروبل، كل هذه وضعت الأمن الغذائي العربي في خطر من ناحية سرعة تداعيات الحرب، وعدم وجود بدائل سريعة، وارتفاع الأسعار ارتفاعًا كبيرًا جدا، أثَّر في معيشة المواطن، وقد تقود إلى حدوث حركات احتجاجية، مثلما حصل في ثورات الربع العربي إن طالت مدة الحرب.
- سياسيا: إنَّ الحرب، وإن كانت بين دولتين جارتين: روسيا وأوكرانيا، إلّا أنَّ تداعياتها السياسية شملت معظم دول العالم، بين مؤيد لهذا الظرف أو ذاك، فقد وقفت الولايات المتحدة وأوروبا والدول التي تسير في فلكهم إلى جانب أوكرانيا، وقدمت المساعدات الأمنية والاقتصادية والإعلامية لها، في حين هنالك أطراف أخرى وقفت إلى جانب روسيا، أو في الأقل بقيت محايدة وبعيدة عن الأحداث، وإنَّ موقف دول الشرق الأوسط من الحرب، لم يكن واضحًا إذ إنَّ أغلب دول المنطقة مرتبطة مع الولايات المتحدة والدول الاوربية، باتفاقيات أمنية واقتصادية وثيقة، بل بعضها يدور في فلك سياسات هذه الدول، ولاسيما دول الخليج العربية ومصر، ودول أخرى وقفت إلى جانب روسيا، ليس تأييدًا للحرب بل لعدائها للولايات المتحدة والغرب، مثل: سوريا واليمن، كما أنَّ هناك ضغوطًا أمريكية على دول الخليج العربية النفطية، لزيادة انتاج النفط والغاز، من أجل تعويض النفط والغاز الروسي المتجه إلى أوروبا، وضع هذه الدول في وضع محرج، فهي من جهة لا تريد اغضاب الولايات المتحدة عليها في حال رفضها الطلب، وفي الوقت نفسه تخشى من ردة فعل موسكو ضدَّها، إن هي استجابت للمطالب الأمريكية، لهذا فإنَّ موقفها السياسي غير واضح ويشوبه الغموض، بل قد تصبح طرفًا في هذه الحرب، إن اتخذت أي قرار مع طرف من الأطراف أو ضدَّه، كما أنَّ الأزمة الأوكرانية قادت إلى حرب باردة جديدة، وقسَّمت العالم إلى قطبين متصارعين، سيجعل من الدول العربية ساحة لتصفية الحسابات مستقبلا.
- أمنيا: إنَّ اشتعال الحرب في قارة أوروبا بعيدة عن المنطقة العربية، لا يعفيها من التداعيات الأمنية لهذه الحرب، إذ تضم المنطقة العربية قواعد عسكرية عديدة للولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لهذا فإنَّ استخدام هذه القواعد من الدول الغربية، سيضع الدول العربية إلى جانبهم، وقد يجعل من الدول العربية التي تستضيف هذه القواعد ساحة حرب عالمية، يضاف إليه وجود انتشار عسكري أمريكي روسي في سوريا، وانقسام الدول العربية حول هذه الأزمة بين مؤيد ومعارض للنظام، وهنا فقد تطلق موسكو وواشنطن حلفاءهما مرة أخرى في سوريا مما يعيد الوضع الأمني في سوريا إلى المربع الأول، وهو ما قد يتوسع إلى دول أخرى، مثل: لبنان والعراق والأردن ودول الخليج العربية، كما أنَّ قضايا الصراع في المنطقة العربية، مثل: القضية الفلسطينية وأحداث اليمن والسودان وليبيا، قد يطويها النسيان وتصبح قضايا جانبية، وهو ما يفاقم الوضع الانساني في هذه الدول.
خلاصة القول، إنَّ مجريات الصراع الروسي الأمريكي في أوكرانيا، وما سببه من دمار لهذه الدولة، وتداعيات اقليمية ودولية قد شملت أضراره المنطقة العربية، ولاسيما في موضوع الأمن الغذائي، فضلا عن احتمال امتداده إلى المنطقة العربية غير بعيدة، إن رأت موسكو أنَّ هناك تحركًا خليجيًا لتعويض النفط والغاز الروسي إلى أوروبا، أو أنَّ القواعد العسكرية في هذه الدول قد تستخدم ضدها.