م. حسين باسم رئيس قسم الدراسات السياسية
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
9 نيسان 2022
19 عامًا مضت.. والملحوظ هو تراجع المشاعر الفئوية إلى زوايا ضيقة، أمام تدفق المشاعر الوطنية العابرة للفئوية.. في عملية ارتفعت وتيرتها بالتدريج!
لقد كانت حرب العام 2003 حربًا هجينة.
فمع “الحرب الهجينة” التي شنتها الولايات المتحدة عام 2003 على العراق، كانت قد مارست حربًا تقليدية من جهة (وهي أحد أركان الحرب الهجينة التي لا تحدث إلّا عن طريق القوات المسلحة للدولة الخصم على الأرض بالفعل)،ومن جهة أخرى كانت قد أطلقت العنان للهويات الفرعية،في التنافس المحموم على حساب الهوية الوطنية العامة.
إنَّ الغاية من الحروب المتقدمة في سُلّم أجيال الحروب،ولاسيما الحروب الهجينة، كما هو معلوم، هو دفع الخصم للانهيار من الداخل، بدلا من استخدام القوة المسلحة في تدميره علنًا. غير أنَّ مثل هذه الحروب -الهجينة- لا يمكن شنها، إلّا عن طريق الدول التي تتمكن في نهاية المطاف، من شن حرب تقليدية على الخصم، وتوظيف البوت العسكري على الأرض، بعد الانهيار أو الشلل التام. على اعتبار (أنَّ استخدام القوات المسلحة للدولة الخصم على الارض بالفعل، يعدّ أحد أركان الحرب الهجينة)، أمّا الركن الآخر فيتم بالاستناد إلى (القوة الناعمة والصلبة التي تستخدمها الجماعات المحلية، عبر صراع الهويات الفرعيةداخل الدول المستهدفة، المؤدي إلى تفككها وتفتيتها).
رُبَّ سائل يسأل: كيف يمكن إدراج الحرب التي جرت في العام ٢٠٠٣، تحت مظلة الحروب الهجينة، وقد استخدمت فيها الولايات المتحدة قوتها العسكرية استخدامًا سافرًاومعلنًا، ولم تسعَ إلى اسقاط صدام حسين في الخفاء، أوتفكيك نظامه السياسي السابق من الداخل، كما هي شروط الحرب الهجينة؟!
ج/ أتصور أنَّ الهدف الاستراتيجي الأكبر للحرب التي شنتها الولايات المتحدة عام 2003، لم يكن صدام حسين أو نظامه السياسي، فالعلاقة التخادمية بين صدام وأمريكا، كانت ملحوظة لدى أوساط عديدة، وهو ما يجعل منه ليس الهدف الاستراتيجي الأكبر للحرب.
ومن ثَمَّ، أفترض أنَّ “الدولة الحديثة في العراق” هي الهدف الاستراتيجي الأكبر، الذي دفعتها الولايات المتحدة باتجاه التداعي والانهيار بشكل صامت وغير مُعلن، عن طريق حربها الهجينة التي انطوت على ركنين أساسيين، كان الركن الأول يتمثل بالاحتلال العسكري للعراق وتغيير نظامه السياسي، عبر القوة العسكرية وأساليب الحرب الحديثة، بين الدول والجيوش النظامية المتعارف عليها، التي شنتها الولايات المتحدة عام 2003. أمّا الركن الثاني فقد كان عن طريق أساليب حروب ما بعد الحداثة، التي تنطوي على تشغيل القوة الناعمة، التي يمثلها صراع الهويات الفرعية، التي اطلقت الولايات المتحدة لها العنان للتنافس المحموم في العراق، من أجل سعي هذه الهويات إلى فك اندماجها، وتكسير أواصر ارتباطها بالدولة الحديثة في العراق، ليكون تفتتالعراق وانهيار الدولة الحديثة فيه، نتيجة رغبات هوياته المحلية، وليس نتيجة هزيمته العسكرية عام 2003.
صفوة القول، كانت “الدولة الحديثة في العراق” وهويتها العامة، هدفًا جوهريًا ومركزيًا لسهام الحرب الهجينة، التي اطلقتها الولايات المتحدة على العراق منذ العام 2003. وقد كانت الولايات المتحدة تنتظر بصبر خلال السنوات الـ(19) الماضية، انهيار الدولة الحديثة في العراق وتفتتها، بسبب تنافس الهويات الفرعية المحلية فيهإلى حد الصراع أحيانا. وترنحت خلال هذه الفترة الدولة الحديثة في العراق، وتأرجحت على حافة الهاوية، جرّاء الأزمات الأمنية والسياسية، التي نجمت في كثير من الأحيان عن المشاعر الفئوية.
غير أنَّه من الملاحظ اليوم في 9 نيسان 2022، أنَّهوبعد 19 عامًا على إطلاق هذه الحرب الهجينة، وتنامي المشاعر الفئوية في كل مكان في العراق، ومحاولة جماعات متطرفة ضمن الهويات الفرعية المحلية وسعيها، إلى فك اندماجها بالدولة الحديثة، وتكسير أواصر الارتباط بها، ومواجهة العراق عدة محطات كانت مدعاة للانهيار، ولكن وبالرغم من ذلك، يُلاحظ تراجع المشاعر الفئوية إلى زوايا ضيقة، أمام تدفق المشاعر الوطنية العابرة للفئوية. فيعملية ارتفعت وتيرتها بالتدريج! وتمكن الدولة الحديثة في العراق، من تجاوز تلك المحطات والبقاء على قيد الحياة.
وكان الفضل في ذلك للقوى الوطنية عمومًا، ولاسيما الرموز الدينية الكبرى، التي استشهدت حتى قبل انطلاق الحرب الأمريكية الهجينة على العراق.