م.د. نبراس حسين مهاوش
جامعة بغداد/ كلية الإعلام
نيسان/ 2022
كلام الله لموسى (عليه السلام):
قال تعالى: ] وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [ كلام الله لموسى كلاماً حقيقياً ليس مجازاً، فلو كان مجازاً لما أتى بلفظة التكليم. والله سبحانه وتعالى لم يؤكد هذه الصفة لأحد من الانبياء؛ لأن تكليمهم قد تم عن طريق نوع من أنواع الوحي.
أمّا تكليمه تعالى لموسى – عليه السلام – فهو تكليم مختلف اختلف فيه العلماء والمفسرون، فمنهم من قال: انه كلمه مشافهة. ومنهم من قال: انه كلمه بالألسن كلها (لما كلم الله موسى يوم الطور، كلمه بغير الكلام الذي كلمه به يوم ناداه، قال له موسى: يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به يوم ناديتني؟ قال: يا موسى لا انما كلمتك بقوة عشرة الاف لسان، ولي قوة الالسنة كلها، وأنا أقوى من ذلك، فلما رجع موسى إلى بني اسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، قال: سبحان الله، ومن يطيق؟ قالوا: فشبه لنا. قال: الم تروا إلى اصوات الصواعق حين تقبل في احلى حلاوة سمعتموه فانه قريب منه وليس به(.
يتبين أنَّ الله سبحانه وتعالى كلم عبده موسى أكثر من مرة، وهذا يؤكد أنَّ الله تعالى كلمه مباشرة من دون وساطة بقوة الالسنة كلها.
وقوله تعالى: ]وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ[
فهذه الآية الكريمة تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى قد كلم عبده موسى – عليه السلام – بلا وساطة، وقوله تعالى: ]قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ[. هذه الآية الكريمة دليل آخر على اختيار الله سبحانه وتعالى عبده موسى عليه السلام من بين الناس لكلامه.
إنَّ معجزة موسى عليه السلام انه كليم الله ذلك ان للفراعنة فلسفة متطورة ونظرة قدسية للكلمة والكلام قامت عليها حضارة مصر القديمة، فكان كبير الهتهم قد خلق الدنيا بقوة التلفظ، حيث خلق اسمائه بتسمية الأعضاء في جسمه، وهكذا نشأت الالهة التي تتبعه ثم خلق الدنيا بشفتيه وللاسم فردية وقوة وتلفظ باسم جديد هو فعل خلاق.
وقد كلم الله تعالى موسى (عليه السلام) وبعثه اليهم،ليفند مزاعمهم وكفرهم واشراكهم والله اعلم.
نداء الله لموسى (عليه السلام):
قال تعالى: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً[.
نادى الله تعالى عبده موسى نداء من مكان قريب والدليل على ذلك كلمة نجياً.
وقوله تعالى: ]فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[
فهذه الآية تؤكد لنا نداء الباري عز وجل لعبده موسى (عليه السلام).
يذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: ( إن الشجرة التي نودي منها موسى – عليه السلام – عوسج، وأنه نودي من جوف العوسج، وأنَّ عصاه كانت من آس الجنة، وأنَّها كانت من العود الذي في وسط الورقة، وكان طولها طول موسى – عليه السلام – قال: من العليق)
فالله سبحانه وتعالى كلم عبده موسى – عليه السلام – من جانب الطور الأيمن من شاطئ الوادي من الشجرة. اذن كلام الله لموسى كلام مخلوق غير قديم بل محدث.
هذا الرأي رأي المعتزلة إذ يرون ان الله عز وجل قد كلم موسى – عليه السلام – من محل وهذا المحل هو الشجرة.
سماع موسى – عليه السلام – كلام الله تعالى:
سمع الملائكة والرسل والأنبياء والناس أجمعين كلام الله تعالى، إلا أنَّ هناك فرقاً في السماع، هو:
اما الناس فقد سمعوا كلام الله تعالى بوساطة الرسل والأنبياء.
ويؤكد قولنا هذا ابن حزم الظاهري (المتوفي سنة 456 هـ): (قال بعضهم: فاذا سمعنا نحن كلام الله تعالى وسمعه موسى (عليه السلام) فأي فرق بينه وبيننا. قلنا: أعظم الفرق وهو ان موسى والملائكة – عليهم السلام – سمعوا الله تعالى يكلمهم، ونحن سمعنا كلام الله تعالى من غيره).
وقد اختلفت الفرق الإسلامية في سماع موسى كلام الله تعالى: فقال بعضهم: إنه سمع صوتا، وبعضهم قال: انه سمع كلاما ليس بصوت. وعلى هذا تقول الأشعرية، وعلى رأسهم الاشعري (المتوفي سنة 303 هـ): (إنَّ كلام الله تعالى القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تالٍ، وقراءة كل قارئ، ان المسموع اولاً وبالذات عند التلاوة، وانما هو الكلام اللفظي الذي حروفه عارضه لصوت القارئ بلا شك،لكن الكلمات اللفظية صور الكلمات الغيبية القائمة بذات الحق. فالكلام النفسي مسموع بعين سماع الكلام اللفظي،لأنه صورته لا من حيث الكلمات الغيبية فانها تسمع الا على طريق خرق العادة)
فالأشعري (المتوفى سنة 303 هـ) يؤكد أنَّ الكلام النفسي مسموع وهذا ما كلَّم الله سبحانه وتعالى عبده موسى به وهذا أمر خارق للعادة.
كلام السيد المسيح عليه السلام في المهد:
قال تعالى: ]إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ[
أي يكلم الناس طفلاً صغيراً في المهد، كما يكلم البالغ الناس، فكان كلامه معجزة برأ بها امه مريم (عليها السلام)بأمر من الله.
وقد اختلف المفسرون في مدة كلامه فبعضهم قال: تكلم مدة قصيرة تبلغ من الوقت ساعة واحدة، ثم انقطع عن الكلام إلى حينه، وبعضهم قال: انه استمر في الكلام ولم ينقطع عنه.
(وزعمت النصارى انه لم يتكلم في المهد، ولم ينطق ببراءة امه صغيراً، بل اقام ثلاثين سنة واليهود تقذف أمه بيوسف النجار)، فكيف ينكر النصارى كلامه (عليه السلام) وقد ذكر الله في كتابه العزيز.
كلام الدابة:
قال تعالى: ]وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ[
اختلف المفسرون في كلام الدابة، فبعضهم قال: الكلام بمعنى الجرح. وبعضهم قال: انها بمعنى التكلم أي الكلام الخارج من الفم.
ونحن نرجح القول الثاني، فليس من الغريب أن يخرج الله تعالى إلى الذين لا يفهمون آيات الله تعالى معجزة من معجزاته ألا وهي دابة تخرج من الأرض تكلم الناس.
قول النملة:
قال تعالى: ]قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ[
قيل: (كانت معرفة النملة لسليمان (عليه السلام) على سبيل المعجزة الخارقة للعادة له – عليه السلام – على غيره، لأنّه لا يمتنع ان تعرف البهيمة هذا الضرب، كما تعرف كثيراً مما فيه نفعها وضرها، فمن معرفة النملة انها تكسر الحبة بقطعتي لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنها تكسر بأربع قطع،لأنها تنبت اذا كسرت بقطعتين فمن هداها هو الذي يهديها إلى ما يحطمها). وقيل: إن سليمان (عليه السلام) قد سمع صوتاً من بعد ثلاثة أميال. وبعضهم قال: إن سليمان (عليه السلام) لم يسمع صوتها، وانما فهم ما ارادت أن تخبر عنه النملة الهاما من الله سبحانه وتعالى.
منطق الطير:
والمنطق مشتق من الفعل نطق ويراد به: (الكلام).فالكلام يتصف به الإنسان وبعض الأنواع من الحيوانات مثل الطير. كما في قوله تعالى: ]وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [
فعلم سليمان (عليه السلام) بمنطق الطير هو معجزة من المعجزات التي وهبها الله سبحانه وتعالى له. فكان يفهم ما يؤديه الطير من المعاني والأغراض، فبعض الحيوانات تنطق مثل الانسان بأصوات مركبة ذات مقاطع تخرجها من جهاز نطقها، مثل: الببغاء، فيفهمها الانسان، وبعضها تخرج اصواتاً غير مفهومة لديه، إلا ان الله سبحانه وتعالى قد وهب معجزته إلى نبيه الكريم سليمان (عليه السلام)فعرف معنى وغرض هذه الاصوات