د. نبراس حسين مهاوش
كلية الإعلام/ جامعة بغداد
أيار/ 2022
إنَّ للحروف والأعداد أسراراً، وهي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فأسرار الحروف في الأعداد، وتجليات الأعداد في الحروف، فالأعداد العلويات للروحانيات، والحروف للدوائر الجسمانية والملكوتية، بمعنى آخر: إنَّ الأعداد لها قوة عقلية تشير إلى العالم الروحاني، والحروف تشير إلى العالم الجسماني.
الأعداد سرّ الأقوال والحروف سرّ الأفعال، فعالم العرش أعداد، وعالم الكرسي حروف، فنسبة الحروف للأعداد كنسبة الكرسي للعرش، فبسر الأعداد فهمت قدرة الخالق؛ وذلك لأنَّ البارئ عزّ وجلّ مدح نفسه بسر الأعداد، في قوله عزّ وجلّ: ﴿وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾، وجعل نفسه بسر الأعداد عائدا عليه، كما في قولهِ عزّ وجلّ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، فبسر الأعداد فهم سرّ العقل، وبسرّ الحروف فُهم سرّ الروح، فآخر مرتبة العقل أو مرتبة النفس العلوية، وهو الفيض الأول.
التسبيحُ نوعٌ من الذكر لايخلو من اللفظ باللسان؛ لأنَّ ذكر القلب متعلقة المسمى المدلول عليه بالاسم دون ما سواه، والذكر باللسان متعلقة مع مدلوله؛ لأن اللفظ لايراد لنفسه فلا يتوهم أحدٌ إن اللفظ المسبح دون مايدل عليه المعنى.
فالتسبيحُ من الأعمال القلبية التي يكون محلها القلب، وترتبط به ارتباطا وثيقا، وأعظمها الإيمان بالخالق عزّ وجلّ الذي يكون في القلب، ومنه: التصديق الإنقيادي والإقرار، وهذا بإضافة مايقع في قلب العبد من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والخشوع و ما إلى ذلك.
فكل الموجودات لها درجة من الحس بحسب استعدادها من ضعفٍ أو قوة، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ﴾، فالأشياء تسبح بالمعنى الحقيقي للتسبيح؛ وهو طاعة الخالق عزّ وجلّ، فكل الأشياء بما لها من الوجود تشعر بوجودها، وبعظمة خالقها بالشعور البسيط، والحركة الجوهرية: تعني خطا من الحركة، والحياة لكل شيء.
إنَّ ثأثير الكلمات الربانية في المخلوق يكون واضحا، فتارة نجده يحزن، وتارة يفرح، وتارة أخرى يبكي ويغضب، فهذه صلة بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق تتأثر حالته النفسية بقراءة كل لفظ وكل آية وسورة في آي الذكر الحكيم، فنجده يقرأ الآية فيفرح، وتارة أخرى يخشع، فهذا هو التأثير الروحي الرباني، فلكل لفظ في القرآن الكريم دلالة روحية تؤثر تأثيرا كبيرا في الشخص المتلقي، وهذا ما التمسناه في التسبيح للخالق.
والتسبيح يختلف عن الحمد، فالتسبيح هو: تنزيه الخالق عزّ وجلّ عن كل عجزٍ ونقصٍ وجهلٍ وحجة وشح وظلم، وهو من جلال الخالق عزّ وجلّ. والحمدُ هو: وصف الخالق بصفات الجمال من علمٍ وجودة وقدرة وحياة، وحملة العرش يذكرون الخالق بالجلال والجمال معا، كما في قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾، والتسبيح غير الحمد، فالتسبيح يكون بصفات الجلال، والحمد بصفات الجمال، والتسبيح تنزيه، والحمد ثناء، وهو: أفضل أنواع الحمد وأفضل أنواع التسبيح؛ لأنه تسبيح وحمد في وقت واحد، وتنزيه وثناء معا. والحمد نقيض الذم وهو أعم من الشكر، وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾، أي افزع إليه بالتسبيح والتحميد كلما ضاق صدرك .