قانون تجريم التطبيع مع الكيان الغاصب

      التعليقات على قانون تجريم التطبيع مع الكيان الغاصب مغلقة

م. حسين باسم

رئيس قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية

22/5/2022

لم يمتلك العراق أي علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة الكيان الغاصب، إذ كان العراق وما زال لا يعترف بهذه الأخيرة، منذ لحظة القائها في منطقة الشرق الأوسط، كأحد مخرجات الحرب العالمية الثانية. فقد أعلن العراق حالة الحرب على الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948، وأسهم الجيش العراقي لاحقا في الحروب ضد إسرائيل في الأعوام 1967 و1973. وشنت إسرائيل قصفا جويا عام 1981، استهدفت به مفاعل تموز النووي العراقي، في عملية عسكرية سماها الكيان الصهيوني في وقتها بـ “عملية بابل”، من دون أن ينتقم العراق. وفيما بعد، وأثناء حرب الخليج الثانية، أطلق العراق على إسرائيل عددا من صواريخ سكود (أرض أرض) تراوح بين (39) إلى (43) صاروخا، سقطت على مناطق متنوعة في إسرائيل، بضمنها منطقة ديمونة، التي تضم مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي. ولم تشهد العلاقات بينهما تحسنا مذكورا بعد العام 2003، وتوج ذلك بدعوة مجلس النواب العراقي، إلى تشريع قانون يحظر التطبيع مع الكيان الغاصب. وبقيت العلاقات بينهما، كما كانت في السابق، عدائية في أحسن الأحوال.

وفي يوم الخميس الموافق 19 أيار 2022، أنهى مجلس النواب العراقي القراءة الثانية لمشروع قانون حظر التطبيع، وإقامة العلاقات مع “الكيان الصهيوني”، وذلك بعد أن تمت القراءة الأولى للمشروع بوقت سابق من الشهر نفسه، بعد أن تقدم به تحالف “انقاذ وطن”، لأجل مناقشته واقراره تحت قبة البرلمان العراقي.

ويُذكر أنَّ مشاريع القوانين تخضع لثلاثة قراءات (نقاشات) داخل مجلس النواب قبل التصويت على بنودها، لتصبح قوانين باتة ومُلزمة. ومن بين أبرز ما ورد من بنود في قانون تجريم التطبيع، كان:

  • “تجريم أي نوع من التعاون أو التعامل السياسي والأمني والاقتصادي والفني والثقافي والرياضي والعلمي، وتحت أي نشاط أو عنوان كان، مع الكيان الصهيوني”.
  • “إنَّ العراق بحالة حرب مع دولة الاحتلال، وكل ما يصدر من أفراد، أو مؤسسات، أو جماعات، أو حركات، أو أحزاب يخل بهذا المفهوم، بما يصب في دعم وجود الاحتلال مادياً أو معنوياً، يدخل ضمن جرائم الخيانة العظمى، التي توجب أحكام بين الإعدام والسجن المؤبد، وفقاً لقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل”.

 

  • “حظر التعامل مع الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع هذا الكيان، أو تعدّ داعمة له أو ترتبط به”، كما أنَّ القانون “يتضمن فقرات مهمة حول العقوبات المفروضة بحال مخالفته”.

 

وتناقلت عدة مصادر صحفية ما ذكره مستشار لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية محمد سلمان، فقد ذكر “أنَّ القانون سيعيد إضافة العبارة التاريخية على جواز السفر العراقي، المتضمنة (يُسمح لحامل هذا الجواز، السفر إلى كافة دول العالم ما عدا الأراضي الفلسطينية المحتلة)، مع تأصيل الخطاب الإعلامي الرسمي ضد الاحتلال”. وكذلك، شدد سلمان على “أهمية تضمين فقرة خاصة بالعقوبات في قانون تجريم التطبيع، تكون رادعة وتصل إلى الإعدام، لمن يثبت بالدليل تعاونه مع الكيان الصهيوني، كون الدستور العراقي أساساً منع التعامل مع دولة الاحتلال، إلا أنَّ هناك حاجة لقانون يفصل ذلك بشكل أكبر”.

 

ومن الانعكاسات الخارجية لقانون تجريم التطبيع، فقد رحبت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، بقراءة مجلس النواب العراقي لقانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، ووصفوه بالإجراء “المشرّف”، ودعت حركة حماس البرلمانات العربية والإسلامية، إلى اتخاذ موقف مماثل ضد إسرائيل، الذي وصفته “بعدو أمّتنا المشترك، الذي يهدّد أمنها واستقرارها ومقدّراتها”.

وأعربت حماس في تصريح صحفي تداولته وسائل إعلام فلسطينية، إنَّ “إقرار البرلمان العراقي قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بعد قراءته الأولى، يعبّر عن أصالة الشعب العراقي ومواقفه التاريخية المعهودة في دعم الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته الوطنية”.

 

ومما يجدر ذكره على الصعيد المحلي، هو أن القانون يحظى بدعم أغلب القوى السياسية العراقية، وهو ما يرجح تشريعه كقانون ملزم وبات في الاغلب، ولكن هذا لا ينفي وجود خلافات متعلقة بالقانون، إذ إنَّ بعض الأطراف السياسية طالبت بإضافة فقرات أخرى، سوف يكون لها تداعياتها الخارجية، فقد دعت بعض الأطراف النيابية التي تغيبت أثناء القراءتين: الأولى والثانية لمشروع القانون، إلى مقاطعة التعامل مع الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني.

ويبدو أنَّ مثل هذه المطالب لا يوجد حاجة فعلية لها، وتدخل في باب المناكفات، إذ يكفي للحكومات العربية المطبعة مع دولة الاحتلال احراجا امام شعوبهم، موقف العراق الرسمي في تشريع قانون يجرّم التطبيع مع العدو الصهيوني. ويضاف لذلك، فإنَّ مثل هذه المطالب تصرف النظر عن جوهر المسألة المتمثلة في “اتخاذ موقف واضح تجاه الكيان الغاصب المعتدي”، إلى “الولوج في مهاترات مع بعض الدول العربية، وإيجاد مقدمات للعداء معهم، وفتح جبهات نزاع ثانوية تُعزز موقف الكيان الإسرائيلي”. ومن ثَمَّ قد يسهم موقف العراق الرسمي والواضح، تجاه الكيان الغاصب، بأسلوب غير معادٍ للبيئة المجاورة، بطريقة أفضل في تنبيه الدول العربية شعوبا وحكومات -بشكل ودي- بضرورة وأهمية الالتفات إلى قضايا الأمة الكبرى والمصيرية، وتجنب وضع هذه القضايا الحساسة كمادة للخلافات الجانبية.