أ.د عدنان حسـين الخياط / باحث مشارك في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
أيار/ 2022
لقد واجهت عملية إعداد موازنة 2021 تحدياتٍ كبيرة، على أثر انخفاض أسعار النفط والايرادات النفطية بعد جائحة كورونا، ممّا شـكّل أزمةً مالية بلغت حدّاً لم تستطع خلالها ايرادات النفط من تمويل المستحقات من الرواتب والأجور، لبعض أشـهر الأزمة المالية، وقبل أن تتحســّن أسعار النفط مرةً أخرى. وقد ولّد هذا المستوى من الأزمة، الذي حصل نتيجة نقص الايرادات، مقابل عدم مرونة تخفيض النفقات ولاسيّما النفقات التشغيلية الحاكمة, حاجة ً ماسـة إلى تضمين موازنة 2021، حزمة من القروض الداخلية والخارجية من أجل تمويل عجز الموازنة المخطط، الذي تجاوز (28,6) تريليون دينار, فضلا عن تقديم الحكومة خطة للاصلاح المالي والاقتصادي، عرفت بـ(الورقة البيضاء) في تشرين الأول 2020. إذ تضمّنت هذه الورقة مجموعةً من المقترحات, كان نصيب الموازنة العامة جزءاً مهماً منها، من أجل المباشرة باصلاحاتٍ مالية تنعكس نتائجها خلال سـنوات قليلة قادمة. وكان ضمن الأهداف العامة التي جاءت في ورقة الاصلاح, ضرورة اعادة توصيف دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع، وفقًا للمبادئ التي تضمنها الدسـتور، وادخال الاصلاحات الجذرية على إدارة الدولة لنظام المالية العامة، من أجل تهيئة الظروف لبناء اقتصاد سـوق منتج، يستند إلى دورٍ فاعل للقطاع الخاص في الأنشطة الانتاجية، وتعزيز ثقافة الشركات التنافسـية وريادة الأعمال الداعمة لمسارات النمو الاقتصادي والتنمية المسـتدامة، بما يسهم في تحقيق التنوّع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على موارد الدولة المالية والتوظيف الحكومي. وفي سياق هذا الاتجاه كان هناك تأكيد على تأسيس نظام تقاعدي موحّد للعاملين في القطاع العام والخاص والتعاوني والمختلط, بوصفه يُمثّل أحد الحوافز المهمة لتشجيع العمل خارج نطاق القطاع الحكومي، وتخفيف الأعباء المالية عن الموازنة العامة للدولة. وكان ضمن الأهداف الاستراتيجية لورقة الاصلاح, هدفان رئيسان:الهدف الأول: الشروع في تنفيذ برنامج لمعالجة عجز الموازنة، والتحوّل نحو استخدام أساليب وآليات في إعداد الموازنات السنوية، تسهم في تحقيق علاقة أفضل بين الايرادات المخططة والنفقات المخططة، للحد من العجز المخطط، وتوفير مساحة من الوقت تُمكّن من تطبيق اصلاحات اقتصادية على المدى المتوسط. الهدف الثاني: تطبيق اصلاحات لمعالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي، ووضع الاقتصاد والموازنة على مسار مسـتدام، لتفعيل دور الموازنة في التنمية المستدامة، وتوليد الدفعة القوية لقطاع الاستثمارات العامة والخاصة، في ضوء الدور الاقتصادي المطلوب للدولة، في التشريع والتنظيم وادارة الموازنة، بما يحقق الأهداف الأخرى في الأجلين: القصير والمتوسط. وعلى صعيد تعزيز جانب الايرادات العامة, كان هنالك عددٌ من المقترحات التي تضمنتها ورقة الاصلاح, نذكر منها[1]:
- إصلاح الإدارة الضريبية وتفعيل دور الضرائب في زيادة مصادر الايرادات غير النفطية, ولاسـيّما ما يتعلق بزيادة الحصيلة من الضريبة الكمركية الداخلة الى الموازنة العامة، في اطار اجراءات ضبط المنافذ الحدودية، وتسهيل عمليات ادخال البضائع وجباية الايرادات، وفق الأساليب الإلكترونية الحديثة.
- تعزيز اجراءات استحصال المستحقات من الايرادات الحكومية من منافذ الجباية المختلفة.
- تفعيل اجراءات اسـترداد الأموال العامة المهربة.
كما شـملت ورقة الاصلاح ترشيد النفقات العامة، والعمل على تحقيق الأهداف الآتية:
1- التقليص التدريجي لعجز الموازنة المخطط من (20%) من الناتج المحلي الاجمالي، وصولا إلى (3%) خلال ثلاث سـنوات قادمة.
2- تخفيض فقرة الرواتب والأجور في الموازنة العامة من (25%) من الناتج المحلي الاجمالي إلى (12,5%) خلال ثلاث سـنواتٍ قادمة.
3- اصلاح صندوق التقاعد ومراجعة عملية تمويلهِ تدريجيا، وتمكينه من الاعتماد على مواردهِ الذاتية.
- مراجعة سياسة الدعم الحكومي وتخفيضه تدريجيا من (13%) من الناتج المحلي الاجمالي، ليصل إلى (5%) خلال ثلاث سـنوات قادمة.
وفي نطاق إصلاح أنظمة الادارة المالية، ورفع كفاءة الجانب التنفيذي للموازنة, كان هناك تأكيد على ضرورة التحوّل من (موازنة الرقابة والبنود) المعمول بها حالياً، إلى (موازنة البرامج والأداء) في اطار مدى متوسـط ( 3 ــ 5 ) سـنوات، يتم خلالها بناء القدرات وتوفير البيئة التقنية اللازمة لتطبيق هذا النوع من الموازنات، الذي تم تطبيقهُ في دولٍ عديدة في العالم والمنطقة منذ زمنٍ ليس بالقصير, وذلك نظراً للمزايا التي تتضمنها موازنة البرامج والأداء، من حيث قدرتها على تحقيق علاقة أفضل بين المدخلات من التخصيصات المالية في الموازنة، والمخرجات من المشاريع والمنجزات التنموية الفعلية، التي تتناسب مع حجم الأموال المصروفة. إلاّ أنّ التراكمات من غياب البرامج التنموية في الموازنات، وضعف الحوكمة المالية لأعمال التنفيذ للمشاريع والمشتريات الحكومية, قد أسهم في اضعاف عملية الأداء لدى الجهات التنفيذية، في ظل واقع العقود الحكومية, ممّا أفرز العديد من المشاريع المتلكئة غير المسـتندة إلى دراساتٍ رصينة للجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وفق معايير المنافع والتكاليف. ومن ثَمَّ فإنّ التحوّل من موازنة تقليدية تهتم في المقام الأول بالتخصيصات المالية والانفاق, إلى موازنة برامج وأداء تهتم بالمشاريع والمنجزات النوعية، يتطلب إدارة مالية وبيئة تنفيذية ترتقي وتسـتجيب لتطبيق هذا النوع من الموازنات, كما أنّ عملية التحوّل ينبغي أن تكون تدريجية، عن طريق التطبيق على بعض الأنشطة الحكومية، في اطار تفعيل عملية إعداد برامج تنموية كفوءة، وتحسـين مستوى الأداء والانتاجية في الأجهزة الحكومية ومؤسساتها التنفيذية.
لقد تضمّنت ورقة الاصلاح البيضاء العديد من الأهداف الاصلاحية الطموحة، التي يتطلب تحقيقها توفّر بيئة ملائمة للإصلاح، وبرامج تنفيذ فعلية لتحقيق الأهداف الاصلاحية. فرغمَّ كوّن موازنة 2021 تمثّل الموازنة الأولى المعنيّة بتحقيق هذه الأهداف, إلاّ أنّ ايراداتها ونفقاتها المخططة والفعلية، ظلّت متوافقة مع المسار الذي اعتادت عليه الموازنات السابقة, ويمكن ملاحظة ذلك عن طريق اســتعراض بيانات الايرادات والنفقات المخططة في هذه الموازنة، ومقارنتها بمثيلاتها الفعلية المتحققة في نهاية السنة المالية بعد التنفيذ:
جدول (1) (( الايرادات والنفقات المخططة في الموازنة الاتحادية 2021 ))
الايرادات المخططة ( تريليون دينار ) | النفقات المخططة ( تريليون دينار ) | ||
الايرادات النفطية | 81,171,113 | النفقات الجارية | 100,856,139 |
الايرادات غير النفطية | 20,149,029 | النفقات الرأسمالية | 29,136,870 |
اجمالي الايرادات | 101,320,142 | اجمالي النفقات | 129,993,009 |
العجز المخطط | 28,672,867 | ||
المصدر : بيانات الموازنة الاتحادية لسنة 2021 | الوقائع العراقية ــ العدد (4625 ) , نيسان 2021 . |
لقد جاء إعداد موازنة 2021 في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية، بعد الانتهاء من موازنة 2020 التي لم يتم اقرارها في خضّم شـدة الأزمة, ومع ذلك فقد كان الاتجاه نحو الاسـتمرار في اعتماد موازنة توسـعية في تخصيصاتها المالية، بعجزٍ مخطط بلغ (28,672,867) تريليون دينار، يتم تمويلهُ من زيادة الاقتراض الداخلي, وهو ما يشكّل نحو (15%) من الناتج المحلي الاجمالي. وبالاستناد إلى الجدول (1) يمكن التعرف على أبرز البيانات الافتراضية التي تضمنتها موازنة 2021، عن طريق النقاط الآتية:
1- بلغ اجمالي الايرادات المخططة (101,320,142) تريليون دينار, وفق ايرادات نفطية مقدّرة بلغت (81,171,113) تريليون دينار، وبنسبة (80,1%) من اجمالي الايرادات, وقد حاولت تقديرات الموازنة تخفيض نسبة العجز المخطط , وذلك بافتراض امكانية الحصول على ايرادات غير نفطية تبلغ (20,149,029) تريليون دينار.
2- بلغ اجمالي النفقات المخططة (129,993,009) تريليون دينار، وفق نفقات جارية (100,856,139) تريليون دينار = (تشغيلية 90,559,139 + مديونية 9,036,000 + برامج خاصة 1,261,000), ونفقات رأسمالية (29,136,870) تريليون دينار = (نفقات استثمارية 25,713,295 + موجودات ثابتة 3,423,575).
نلحظ عن طريق هذه المعطيات اسـتمرار هيمنة النفقات التشغيلية, والنفقات الجارية عموماً على اجمالي التخصيصات المالية، دون مراعاة لما يمكن ترشيدهُ وتقليصهُ من التخصيصات المالية لبعض النفقات غير الضرورية، وعدم التوسع في الاقتراض الذي أصبح سـلوكاً يكادُ يكون ثابتاً في اعداد الموازنات السـنوية، بغض النظر عن نتائج الحسابات الختامية، وما تفرزهُ من فوائض مالية شـهدتها العديد من السـنوات السابقة.
وإذا ما انتقلنا إلى المعطيات الفعلية للايرادات والنفقات في موازنة 2021، يمكن التعرف على مدى مقاربتها للأهداف والمضامين، التي وردت في ورقة الاصلاح البيضاء، بعد تنفيذ الموازنة على مدى عام, والجدول (2) يوضّحُ بعض المؤشرات في هذا المجال:
جدول (2) (( الايرادات والنفقات الفعلية في الموازنة الاتحادية 2021 ))
الايرادات الفعليــة | النفقات الفعليــة | ||
الفقرات | تريليون دينار ونسب مئوية | الفقرات | تريليون دينار ونسب مئوية |
الايرادات النفطيــة | 96,622,397 | تعويضات الموظفين | 42,446,670 |
الايرادات غير النفطية | 12,459,067 | مجموع النفقات الجارية | 89,526,687 |
نسبة الايرادات النفطية من اجمالي الايرادات | 88,6 % | نسبة تعويضات الموظفين من مجموع النفقات الجارية | 47,4 %
|
نسبة الايرادات غير النفطية من اجمالي الايرادات | 11,4 % | المديونية (خدمة الدين ) | 5,790,603 |
الضرائب على الدخول والثروات | 3,252,566 | الرعاية الاجتماعيـة | 18,979,326 |
الضرائب على السلع ورسوم الانتاج | 1,283,676 | المنح والاعانات | 13,391,573 |
مجموع الضرائب | 4,536,242 | نسبة تعويضات الموظفين من اجمالي النفقات | 41,3 % |
النفقات الجارية الأخرى | 8,918,515 | ||
نسبة مجموع الضرائب من اجمالي الايرادات | 4,2 % | نسبة النفقات الجارية من اجمالي النفقات | 87 % |
الرســوم | 1,137,883 | مجموع النفقات الرأسمالية | 13,322,974 |
ايرادات أخرى | 6,784,942 | نسبة النفقات الرأسمالية من اجمالي النفقات | 13 % |
اجمالي الايرادات الفعليــة | 109,081,464 | اجمالي النفقات الفعلية | 102,849,661 |
الفائض المالي الفعلي | 6,231,803 | ||
المصدر : الجدول من اعداد الباحث بالاستناد الى بيانات وزارة المالية | دائرة المحاسبة ( تقارير نظام توحيد حسابات الدولة لغاية كانون الأول لسنة 2021 ) . |
في سـياق البيانات الواردة في الجدول (2), يمكن اسـتخلاص بعض النتائج:
أولا- في جانب الايرادات: بلغ اجمالي الايرادات الفعلية في موازنة 2021 (109,081,464) تريليون دينار, منها ايرادات نفطية (96,622,397) تريليون دينار، وبنسبة (88,6%) من اجمالي الايرادات الفعلية، مقابل (11,4%) للايرادات غير النفطية. وكان المخطط حصول الموازنة على ايرادات غير نفطية تصل إلى (20,149,029) تريليون دينار, إلاّ أنّ ما تحقق فعلاً من هذا المصدر قد بلغ (12,459,067) تريليون دينار، على الرغم من ما تضمّنتهُ ورقة الاصلاح من تأكيد على زيادة مساهمة الايرادات غير النفطية, ولاسيّما زيادة الحصيلة من الضرائب، بما يتناسب مع حجم الأوعية الضريبية المتاحة، عن طريق تنفيذ اصلاحات على مستوى الادارة الضريبية, سواء ما يتعلق بالضرائب المباشرة (الضرائب على الدخول والثروات) أو الضرائب غير المباشرة (الضرائب على السلع ورسوم الانتاج), إلاّ أنّ الحصيلة من الضرائب لم تشـهد تطوراً ملحوظاً, حيث لم تشـكّل نسبة مجموع الضرائب سوى (4,2%) من اجمالي الايرادات الفعلية للموازنة, كما أنّها لا تتجاوز (1,5%) من قيمة الناتج المحلي الاجمالي, ممّا يعني استمرار الحصيلة المتدنية للضرائب، وانخفاض أهميتها النسبية من اجمالي الايرادات، مقارنةً بالعديد من الدول الريعية الأخرى في المنطقة، والتي أصبحت فيها حصيلة الضرائب تشـكّل مصدراً مهما من مصادر الايرادات، وتراجع الأهمية النسبية للايرادات النفطية. وتثير مسـألة اصلاح الحصيلة الضريبية في الاقتصاد العراقي، اشــكالية واضحة ذات أبعاد عديدة, منها ما يتعلق بحجم القطاع الخاص ودوره في التنمية، ومدى كفاءة الإدارة الضريبية على ضبط الأوعية الخاضعة للضريبة، والحد من حالات التهرب الضريبي, إلى جانب اتجاه السياسة العامة نحو التخفيف من الضرائب، وعدّها المسؤول عن تضخم الأسعار, لا سيّما ما يتعلق بالضريبة الكمركية ذات الوعاء الواسع، المتمثّل بقيمة السلع والمواد التي يستوردها العراق، والتي تزيد قيمتها عن (50) تريليون دينار سنوياً، نتيجةً لكثرة الاعفاءات الكمركية للعديد من السلع, وكذلك تخفيض نسبة التعريفات حتى ضمن الحدود العليا، على الكثير من السلع الكمالية والترفيهية، التي ليس لها علاقة بذوي الدخول المحدودة, ممّا أسهم في الحد من قدرة الضريبة الكمركية، على تحقيق أهدافها المالية والاقتصادية, ومن ثم فقد بلغت حصيلة الضرائب على السلع ورسوم الانتاج في موازنة 2021، نحو (1,283,676) تريليون دينار، وفق معدل تعرفة كمركية في حدود (2%) من اجمالي قيمة الاستيرادات, في حين تصل هذه النسبة إلى نحو ما يزيد عن (10%) من قيمة الاستيرادات في العديد من دول المنطقة. وتبدو حالة من المفارقة عند المقارنة بين حصيلة الضرائب على السلع المستوردة، وبين ايرادات الموازنة من الرسوم المفروضة، على انجاز المعاملات في مؤسسات الدولة ودوائرها لقاء الخدمات الحكومية, والتي بلغت (1,137,883) تريليون دينار, وهو مبلغ مقارب للحصيلة الكمركية، بالرغم من كون الايرادات من الرسوم تُعدُّ أقلَّ أهميةً مقارنةً بالايرادات الكمركية، ولاسيّما في البلدان التي تعتمدُ بشـكلٍ أساسي، على الاستيرادات في تلبية احتياجاتها, مع امكانية الضريبة الكمركية التمييز في فرض التعريفات الكمركية، وفقا لأنواع السلع واعفاء الضروري منها, ممّا يعني القدرة على زيادة الحصيلة الضريبية الداخلة الى الموازنة، دون المساس بالاحتياجات الأساسية لأصحاب الدخول المحدودة.
ثانيا- في جانب النفقات: مثلما يعاني جانب الايرادات في الموازنة من الاختلال الهيكلي في مصادرهِ، والهيمنة المطلقة للايرادات النفطية، وانخفاض حصيلة الايرادات غير النفطية, فإنّ جانب النفقات يعاني أيضاً من أنواعٍ أخرى من الاختلال, ويمكن التعرف على بعض النتائج المتعلقة بالنفقات الفعلية في موازنة 2021، عن طريق النقاط الآتية:
1- بلغ اجمالي النفقات الفعلية (102,849,661) تريليون دينار, منها نفقات جارية (89,526,687) تريليون دينار, وبنسبة (87%) من اجمالي النفقات الفعلية, وهي الأعلى مقارنة بعامي: 2019 و2020, واللّتين بلغت فيهما النفقات الجارية الفعلية نحو (87,4) و(72,9) تريليون دينار على التوالي، في حين لم ينفق سوى (13%) من اجمالي النفقات للمجالات الاستثمارية, كما احتلّت تعويضات الموظفين المتمثّلة بالرواتب والأجور، والتي تشـكّل جزءاً من النفقات الجارية، نسبة (41,3%) من اجمالي النفقات الفعلية في موازنة 2021, أي ما يزيد عن (20%) من قيمة الناتج المحلي الاجمالي.
2- إنّ الاستمرار في زيادة النفقات في موازنة 2021، بسبب القيود التي تفرضها النفقات الحاكمة، وعدم ترشيد عناصر النفقات الأخرى, قد أسهم في التقليل من الفائض المالي الفعلي المتحقق، على الرغم من تظافر أثرين باتجاه تجاوز العجز المخطط، وزيادة حصيلة الفائض الفعلي, وقد تمثّل الأثر الأول في معدل الزيادات المهمة التي حصلت في أسعار النفط، والتي تجاوزت حاجز (75) دولار للبرميل في نهاية 2021, أي بزيادة كبيرة عن سعر البرميل الافتراضي، الذي حُسـبت بموجبهِ الايرادات النفطية المخططة والبالغ (45) دولار للبرميل, كما كان هناك أثر آخر تمثّل بتخفيض سعر صرف الدينار العراقي، مقابل الدولار في موازنة 2021، من (1190) دينارا للدولار الواحد إلى (1450) دينارا للدولار الواحد, ومن ثم فقد تحوّل العجز المخطط والبالغ (28,672,867) تريليون دينار، إلى فائض فعلي بلغ (6,231,803) تريليون دينار, في حين بلغ رصيد الدين العام الداخلي، في نهاية النصف الأول من عام 2021 نحو (65) تريليون دينار، بالمقارنة مع عامي: 2020 و 2019، والذي بلغ فيهما (64) و (38) تريليون دينار على التوالي[2].
واسـتنادا إلى ما تقدم نلحظ أنّ موازنة 2021, سواء في تخصيصاتها المخططة أو مخرجاتها المالية الفعلية, قد ابتعدت في معظم معطياتها عن أهداف ورقة الاصلاح ومضامينها، في ظل الواقع الاقتصادي للعراق:
أولا – في ظل واقع الموازنة الشديد الاعتماد على ايرادات النفط بنحو (93%) من اجمالي الايرادات, فإنّ هدف تخفيض عجز الموازنة المخطط من (20%) إلى (3%) من الناتج المحلي الاجمالي خلال ثلاث سنوات, يُعدُّ أمراً صعباً، وذلك بسبب الصدمات المحتملة التي يمكن أن تنجم عن انخفاض أسعار النفط, ومن ثَمّ فإنّ عملية تقدير الايرادات النفطية، غالباً ما تجري وفق سعرٍ متحفظ لبرميل النفط، ممّا يفرض حالة من العجز المخطط، قد لا تنسجم مع حصيلة الايرادات النفطية الفعلية المتحققة في نهاية السنة المالية, وهذا ما حصل في معظم الموازنات السنوية للعراق، ومنها موازنة 2021, إذ يتم التركيز والاهتمام بعجز الموازنة المخطط، وما يرتبط بهِ من قروضٍ عامة داخلية وخارجية، وما يتطلبهُ ذلك من تخصيصات مالية في الموازنات السنوية لخدمة الدين العام, دون التركيز والاهتمام بما ينجم من فوائض مالية فعلية بعد تنفيذ الموازنات، والكيفية التي يتم عن طريقها التصرف بهذه الفوائض، التي اسـتُخدمت في دولٍ ريعية عديدة، في انشاء صناديق ثروة سيادية للاستثمارات، من أجل تنويع مصادر الايرادات، وتأمين الدعم المالي المتبادل بين هذه الصناديق والموازنة العامة.
وفي سياق المقارنة بين العجز المخطط والفائض الفعلي, فقد بلغ اجمالي العجز المخطط في الموازنات السنوية من 2004 ــ 2021, نحو (288) تريليون دينار، عدا موازنتي 2014 و 2020 لعدم اقرارهما, في حين لم يتحقق العجز الفعلي إلاّ في سنواتٍ قليلة, وأظهرت تقارير تنفيذ الموازنات لوزارة المالية، تحقيق فوائض فعلية في معظم سنوات المدة المذكورة, إذ بلغ اجمالي صافي هذه الفوائض بعد خصم العجوزات الفعلية نحو (47,5) تريليون دينار[3]، ممّا يشير إلى أنّ سـمة الفائض المالي الفعلي هي السـمة الغالبة في الموازنات، وسـمة العجز المالي الفعلي هي الاسـتثناء على الرغم من اتساع حجم النفقات, كما أنّ ارتفاع أسعار النفط وزيادة الايرادات النفطية، يُعدّ العامل الحاسم في تحقيق الفوائض, ومنها الفائض المالي المتحقق في موازنة 2021.
ثانيا – إنّ الاتساع الكبير الذي حصل في الجهاز الاداري الحكومي بعد عام 2003، وزيادة أعداد الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية, أسهم في تحقيق زيادة كبيرة في الأهمية النسبية لفقرة الرواتب والأجور من اجمالي النفقات العامة، والتي بلغت في موازنة 2021 الفعلية نحو (41,3%), كما أنّها تُشـكّل ما يزيد عن (20%) من الناتج المحلي الاجمالي, وانّ الهبوط بهذه النسبة إلى النصف لا يُمكن أن يتحقق ضمنًّ مدةٍ وجيزة مثلما جاء في ورقة الاصلاح, فهناك العديد من التحديات التي تواجّه مساعي الاصلاحات المالية والاقتصادية, في مقدمتها اصلاح النظام السياسي لكونه يمثّل الشرط اللازم لاصلاح النظام الاقتصادي، ووضع الاقتصاد العراقي على عتبة مرحلة جديدة، من شأنها أن تسهم في اصلاح البيئة الاستثمارية، والبنية التحتية التي تعمل عن طريقها الموازنة العامة، في اطار دور الدولة الاقتصادي وفقاً لمضامين الدستور، والتي تستوجب تحقيق اصلاحات هيكلية في الاقتصاد العراقي، وتشجيع القطاع الخاص وتمكينه من النهوض بعمليات الاستثمار، وبناء اقتصاد سوق يعتمد على تطوير القطاعات الانتاجية والخدمية، وتوفير فرص العمل خارج نطاق القطاع الحكومي، من أجل التمكّن من اصلاح حالة الترهّل السائدة في مؤسسات الدولة ودوائرها. كما يتطلب تنفيذ الموازنة وفقاً لمتطلبات التنمية والمنافع الاجتماعية, التخلص من ممارسات الفساد، وتعزيز قيم المهنية ومعايير الجدوى الاقتصادية والاجتماعية في اختيار المشاريع وتنفيذها, فضلا عن التحدّي الكبير الذي يتمثّل في اصلاح العلاقة بين النفقات التشغيلية الجارية والنفقات الاستثمارية، والاستفادة من الفوائض المالية التي تتحقق في الموازنات السنوية، في انشاء صناديق ثروة سيادية تُسهم في موازنة التدفقات المالية بين مؤسسات الدولة ذات العلاقة، والحد من تأثير الصدمات التي تنجم عن انخفاض أسعار النفط, فضلا عن مساهمتها في دعم قطاع الاستثمارات الحكومي، ليس بديلاً أو منافساً للاستثمارات الخاصة، بل داعماً ومكملاً لها, كما أنّ اعادة انشاء مجلس الاعمار كمؤسسة مهنية مستقلة، يُعدّ مطلباّ مهماً لدعم الأنشطة الاستثمارية، واصلاح جوانب الخلل في تنفيذ المشاريع الحكومية.
[1] ( الورقة البيضاء للاصلاح المالي ) , وزارة المالية | تشرين الأول 2020 , ص ص 48 ــ 53 .
[2] الجهاز المركزي للاحصاء : ( المجموعة الاحصائية السنوية 2020 ــ 2021 )
[3] بيانات الموازنات السنوية المنشورة في الوقائع العراقية , وكذلك تقارير تنفيذ الموازنات لوزارة المالية لسنوات متفرقة للمدة 2004 ــ 2021