في رحاب الشعر مع ميمية الفرزدق في مدح الإمام السجاد (عليه السلام)

      التعليقات على في رحاب الشعر مع ميمية الفرزدق في مدح الإمام السجاد (عليه السلام) مغلقة

م.د. بلسم عباس حمودي

جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية.

أيار/ 2022

الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي،  شاعر عربي من شعراء العصر الأموي من أهل البصرة، وكنيته أبو فراس، اشتهر بشعر المدح والفخرُ وَشعرُ الهجاء. كان الفرزدق من كبار شعراء العصر الأموي وأشهرهم، في شعره جودة وفخامة، وعليه فهو المقدم على أقرانه من الشعراء، وقيل: لولا شعره لذهب ثلث لغة العرب، ونصف أخبار الناس.

اشتهر الفرزدق بعدائه مع الجرير، حيث تبادلا قصائد الهجاء المعروفة حتى يومنا هذا، إلا أن جرير رثاه بعد وفاته.

تعد ميمية الفرزدق من عيون الشعر العربي، نظمها قائلها فأجاد في صياغتها، واشتهرت لروعتها وصدق عاطفتها، وقد مدح فيها الشاعر الفرزدق الإمام السجاد (عليه السلام). ومن العجيب أن هذه القصيدة الرائعة جاءت ارتجالية، مما يدل على المقدرة الشعرية والموهبة الأدبية التي يتمتع بها، وتوظيفها في خدمة أهل البيت (عليهم السلام).

وقد قالها الفرزدق حين حج بعمر السبعين عامًا، وكان هشام بن عبد الملك قد حج في ذلك العام، ونتيجة لزحام الحجيج، منعت هشام بن عبد الملك من الطواف، فانتظر حتى يخف الزحام، ليرى انزياح الناس لشاب وهو علي بن الحسين (زين العابدين).

فسأل هشام ممتعضاً من هذا الشاب؟ فقال الفرزدق قصيدته الشهيرة التي مطلعها:

يَا سَـائِلِي‌: أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ                  عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا
هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ                  وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْــرِ عِبَـــــادِ اللَهِ كُلِّهِــــمُ                  هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِـــــرُ العَلَــمُ
هَذَا الذي‌ أحْمَـــدُ المُخْتَارُ وَالــــِدُهُ                   صَلَّى عَلَیـــهِ إلَهِي‌ مَـا جَرَى القَلَمُ
لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَــــدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ                      لَخَرَّ يَلْثِــمُ مِنْـــهُ مَا وَطَى القَدَمُ
هَذَا عليٌ رَسُـــولُ اللَهِ وَالـــــِدُهُ                    أَمْسَــتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ
هَذَا الَّذِي‌ عَمُّـــهُ الطَّيَّارُ جَعْفَــر                    وَالمَقْتُـــولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ
هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْــوَانِ فَاطِمَةٍ                     وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ
إذَا رَأتْـــهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَــــا                     إلَی‌ مَكَارِمِ هَــــذَا يَنْتَهِي‌ الكَــرَمُ
يَكَادُ يُمْسِــكُهُ عِرْفَانَ راحتــــه                     رُكْنُ الحَطِيــمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ                   العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ
يُنْمَى إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ                عَنْ نَيْلِهَــا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ
يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ                   فَمَــا يُكَلَّـــمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِـــــــمُ
يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَى عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ              كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ
بِكَفِّــــهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُـهُ عَبِقٌ                        مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِرْنِينِهِ شَمَمُ
مَا قَالَ لاَ قَطُّ إلاَّ فِي‌ تَشَــــهُّدِهِ                         لَوْلاَ التَّشَـــهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ
مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ                          طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ
حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا                        حُلْــــوُ الشَّمَــائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ
إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَى جَمِيعُهُمُ                     وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْمــاً زَانَـــــهُ الكَلِـــمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ                         بِجَدِّهِ أنبِيَـــاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُــــوا
اللهُ فَضَّلَــهُ قِدْماً وَشَرَّفَـــــهُ                           جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي‌ لَوْحِــهِ القَلَمُ
مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُ                       وَفَضْلُ أُمَّتِــــهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْ                      عَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ
كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا                            يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ                       يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ
لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُوناً نَقِيبَتُهُ                       رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ                       كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجىً وَمُعْتَصَمُ
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَى بِحُبِّهِمُ                        وَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ                          فِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ
إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَى كَانُوا أئمَّتَهُمْ           أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ
لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ                         وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ                وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ
يَأبَى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ                     خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَى هُضُمُ
لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ               سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي‌ رَقَابِهِمُ                               لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا                   فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ
بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا             فِي‌ النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا
فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَتِهَا                            مُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ
بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ                والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا
وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ                        وَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ
مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نائِبَةٍ              علی‌ الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا