الكاتبة: زكيه یزدان شناس
الناشر: مركز الأبحاث العلمية والدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط
ترجمة: أ.م خالد حفظي التميمي
عرض وتحليل : م.علي مراد كاظم
https://www.cmess.ir/Page/View/2022-05-24/5093
في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا في أواخر شهر شباط الماضي، وتقدم القوات الروسية بالقرب من كييف، يتجه المجتمع الدولي بشكل متزايد إلى الصين. يتهم الكثيرون في الولايات المتحدة الصين بتحدي النظام الدولي القائم، ودعم الإجراءات الروسية، في حين ينفي المسؤولون الصينيون بشدة هذه المزاعم، ويحاولون اتخاذ موقف أكثر توازنا ضد موسكو. حددت الصين وروسيا علاقاتهما الثنائية على أعلى مستوى في الدبلوماسية في الشراكة، أي شراكة إستراتيجية شاملة من أجل التنسيق. قبل أسابيع قليلة من هجوم موسكو لأوكرانيا، صرح (بوتين) و(شي جين بينغ) في اجتماع بأنَّ البلدين لن يفرضا أي قيود على التعاون الثنائي، لإعادة تعريف معايير الديمقراطية وضمان مصالحهما الأساسية.
إلى جانب التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الصينيون بالنسبة للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، فإنَّ السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هو ما تأثير الصراع بين موسكو وكييف في توزيع القوة في النظام الدولي، وماذا سيكون موقف النظام الدولي من عواقب هذه الحرب على الصين. فضلا عن ذلك، تعدّ كل من روسيا والصين قوتين عالميتين، تحاول إيران تكوين علاقات إستراتيجية معها، عن طريق تبني إستراتيجية التطلع إلى الشرق في سياستها الخارجية. السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا، هو ما الفرص والتحديات السياسية والاقتصادية لهذه الحرب بالنسبة لإيران؟
ناقشت مجموعة مراجعة الاعتبارات الإستراتيجية الصينية، الأسئلة المذكورة أعلاه في اجتماع عقد في 10 تموز، بحضور الدكتور محمد باقر فروغ[1] ، الباحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية.
ومن بين أهم القضايا التي تم ذكرها في الاجتماع:
- لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية، هناك انقسام بين القوة الجيواقتصادية والجيوسياسية، مع القوة الجغرافية الاقتصادية – بمعنى الاستخدام الأمثل للموارد الجغرافية لتوسيع النفوذ الاقتصادي- في الشرق وفي أيدي الصين والقوة الجيوسياسية في الغرب، والتي يد الولايات المتحدة متمركزة فيها.
- بعدَّها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حاولت الصين بشكل أساسي تقديم نفسها كقوة عالمية في مجال الاقتصاد والاقتصاد الجغرافي، ولكن في مجال الأمن فهي راضية عن المستوى الإقليمي. ومع ذلك، يشير بيان روسي صيني مشترك قبل هجوم موسكو إلى دخول الصين ساحة الأمن العالمي. في البيان المشترك شككت بيكين في جهود بناء التحالفات الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ – اللجنة الرباعية – وقارنتها بحلف شمال الأطلسي، حيث أيدت التعددية وشككت إلى جانب روسيا، في أفعال و إجراءات الهيمنة الأمريكية.
- على الرغم من اعتبار روسيا والصين شريكين استراتيجيين، لا يمكن إنكار أنَّ حرب في أوكرانيا قد أثرت في مصالح الصين، وفرضت فرصًا وتحديات جديدة عليها، إذ أثرت هذه الحرب بشكل خاص في فوائد مبادرة الحزام والطريق. يبدأ الممر البري الأوروبي الآسيوي الجديد، وهو أحد الممرات البرية الستة لمبادرة الحزام والطريق في الصين، ويمتد عبر آسيا الوسطى وروسيا إلى أوكرانيا وأوروبا الشرقية، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منع تحقيق الممر الحالي، وهذا يجبر الصين على استخدام ممرات بديلة للوصول إلى أوروبا. يعد ممر الصين – آسيا الوسطى – غرب آسيا، الذي يمر أيضًا عبر إيران، والممر بين الشرق والغرب والوسط، المعروف باسم الممر المركزي الذي تم تقديمه بمبادرة من تركيا، من بين الطرق التي يمكن أن تحل محل الممر الأوراسي الجديد.
- على الرغم من أنَّ الحرب الحالية تقيد استخدام الصين للممر الأوراسي الجديد، والوصول إلى جغرافيا أوروبا الشرقية، فإنها توفر أيضًا فرصًا للصين. اكتسبت الصين،على سبيل المثال، فرصًا رائعة في التجارة المتبادلة مع موسكو، ويمكن أن تكسب حصة أكبر في السوق الروسية. شراء موارد الطاقة الروسية والاستفادة من الخصومات على إمدادات النفط من الفرص الأخرى التي تتمتع بها الصين.
لقد تأثرت إيران، كقوة وسطى في الشرق الأوسط، أيضًا بحرب أوكرانيا ويمكنها تعظيم فرصها وتقليل تحدياتها عن طريق التخطيط الاستراتيجي.
إذا تم رفع العقوبات الأمريكية أحادية الجانب على طهران، يمكن للأخيرة أن توسع بجدية تعاونها مع الصين، لتفعيل ممر الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا. وتتضاعف أهمية القضية عندما يتم إيلاء اهتمام خاص لدبلوماسية أنقرة النشطة، لدفع الممر الأوسط والالتفاف على جغرافية إيران.
خطوة أخرى يمكن أن تتخذها إيران في البيئة الحالية وتعظيم مصالحها، هي محاولة الانضمام إلى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، كأهم ممر بري في مبادرة الحزام والطريق. وتزيد الحرب الروسية الأوكرانية أيضًا من أهمية الممر بين الشمال والجنوب بالنسبة لروسيا. الدبلوماسية النشطة وتوفير الشروط المسبقة اللازمة لتوسيع التعاون مع الهند، وهو رفع العقوبات، يمكن أن يكون خطوة مهمة في تأمين المصالح الوطنية لإيران في السياق الحالي للسياسة الدولية.
المناخ الحالي للسياسة الدولية والقرب الاستراتيجي المتزايد بين بكين وموسكو، يمكن أن يسلط الضوء أيضًا على دور منظمة شنغهاي للتعاون، كمؤسسة أمنية متعددة الأطراف. في العام الماضي ، تمكنت إيران أخيرًا من الحصول على تصريح عضوية دائمة. يمكن أن يساعد اجتياز عملية العضوية في أسرع وقت ممكن في زيادة دور إيران الإيجابي في المنطقة.
ومع ذلك، هناك عقبات مثل العقوبات وغياب برنامج واضح ومقنن لتطوير البنية التحتية، يمكن أن يحدد المصالح الوطنية الإيرانية على المدى الطويل، وهيمنة العقلية الموالية للغرب والمناهضة للصين على مستوى المجتمع وبعض النخب، ووسائل الإعلام الدولية. من المعوقات التي لا تسمح لإيران بالاستفادة بشكل جيد من الوضع الجديد، كذلك عدم الرضا الداخلي وعدم الاستقرار في دول الجوار.
ومن ثم، فإنَّ المطلوب أكثر من أي وقت مضى في الوضع الحالي، هو صياغة رؤية لتطوير البنية التحتية للاستفادة من الموقع الجغرافي لإيران، من أجل تعزيز المصالح الوطنية، وتعزيز الدبلوماسية المتوازنة في المنطقة والعالم، ومحاولة رفع العقوبات، والعمل أكثر فأكثر لإصلاح النهج المناهض للصين في البلاد.
التحليل:
أكثر ما يشغل العالم اليوم هو الحرب الدائرة ما بين روسيا وأوكرانيا، والتي أدخلت العالم بأسره تحت التأثير، لاسيما أزمة ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية، وإعادة موضوع الاصطفافات الدولية وأخلت بتوازن القوى، حتى بدأ يتبادر للمتابع موضوع الثنائية القطبية أو صعود متغير جديد بعد أن هيمنت الأحادية القطبية لوهلة كبيرة من الزمن. فروسيا اليوم تبحث عن نصر تاريخي وإعادة وجود عالمي، أمّا الصين فتلعب على عدة أوتار بذات الوقت لا يمكنها أن تضحي بحجم التبادل الاقتصادي مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن أنّها تمتلك علاقة قوية مع روسيا، وتقارب في كثير من الأمور السياسية والعسكرية، وأيضاً تعمل على دعمها في هذه الحرب رغم التحذيرات الأمريكية، في الوقت ذاته إيران تحاول جاهدة للتوصل لاتفاق مع الغرب بشأن برنامجها النووي رغم أن المفاوضات قطعت مسارا كبيرا إلا أنَّ العقوبات وبعض الملفات لا تزال تمثل حجر عثرة في التوصل لأي اتفاق، لذلك فان إيران تعدّ الوضع العالمي الحالي يمثل فرصة لها، لدفع عجلة التفاوض بما يصب ومصالحها، ويبدو أنَّ الأمر من الصعب حسمه قريباً.
[1] الدكتور محمد باقر فروغ والذي هو باحث في المعهد الألماني للدراسات الإقليمية والعالمية في هامبورغ وايضا فان د. فروغ باحثا في معهد كلينكينديل هو المعهد الهولندي للعلاقات الدولية في لاهاي و الدكتور فروغ حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كرونينكن في هولندا وهو أستاذ مساعد سابق في العلاقات الدولية بجامعة ليدن في هولندا. يركز مجال أبحاثه بشكل خاص على الاقتصاد الجغرافي والعلاقة بين الأمن وتطوير البنية التحتية والعلاقات بين الصين والشرق الأوسط ، والسياسة الخارجية لإيران.