هل أثَّر مفهوم الجهاد الإسلامي في فكرة الحرب المقدسة عند المسيحيين؟

      التعليقات على هل أثَّر مفهوم الجهاد الإسلامي في فكرة الحرب المقدسة عند المسيحيين؟ مغلقة

أ.م. د. حيدر خضير مراد اليساري

باحث مشارك في قسم الدراسات السياسية

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعةكربلاء

حزيران 2022م

    لقد كان للصراع الطويل الأمد الذي نشب بين المسلمين والنصارى، في شبه جزيرة ايبيريا، من القرن العاشر الميلادي حتى سنة 1492م، والذي عرف عند المسيحيين بحروب الاسترداد، أثر كبير في تبلور فكرة الحرب المقدسة عند المسيحية.

    ويرى المستشرق نورمان كانتور أنه ربما يكون المسيحيون الإسبان قد قلدوا، وربما بطريقة غير واعية، مبدأ الجهاد الإسلامي بعقيدته القائلة إنَّ أفضل نهاية للإنسان أن يموت مجاهداً في سبيل الله(1)، ومن المحتمل أن يكون هذا التقليد قد تم دون وعي بفضل التفاعل بين القوتين المتحاربتين على التراب الإسباني آنذاك(2).

   ويذهب المؤرخ الاسباني أميركو كاسترو (Ameritco Castro في مؤلفه:  حقيقة إسبانيا التاريخية” إلى أنَّ فكرة الحرب المقدسة المسيحية كانت مستوحاة من مفهوم الجهاد الإسلامي، إذ يقول: “الحقيقة عندي هي أنَّ الحياة الأوربية عامة، والحياة الإسبانية خاصة، كانت نوعاً من التصادم والتعايش بين المسلمين والمسيحيين.. إنَّ الحرب ضد المسلمين في فلسطين وإسبانيا، استُلهِمت من فكرة الجهاد لدى المسلمين، ولا يهمنا في هذا المقامشكل هذا الاستيحاء، وإنما يهمنا أن نؤكد علىوجوده بصفة قاطعة.. وفي رأيي أنه لا يمكنتصور ان البابا ليو الرابع في سنة 848م، أو البابا أوربان الثاني في سنة 1095م، كانا يجهلان أنَّ القادة المسلمين كثيراً ما كانوا يذكّرون جنودهم، وهم يحثونهم على قتال الكفار، بأنَّ اللهقد وعد الذين يقاتلون في سبيله بجنات تتوفرفيها شتى صنوف المتع، وكان هذا هو ما يدفعالمسلمين المؤمنين تماماً بهذه الوعود، إلى النضالبكل قوة وبسالة. ولابد أنَّ تأثير هذه الآيات (التي تتحدث عن فضل الشهداء) هو الذي مكَّن المسلمينمن السيطرة على رقعة هائلة الاتساع من أرض العالم، ولسنا نظن أنَّ قادة العالم المسيحي في العصور الوسطى، كانوا بحاجة إلى أن يصيروا مستشرقين، أو حتى إلى معرفة اللغة العربية، لكييدركوا قيمة الجهاد عند المسلمين، كما أنَّنا لا نتصور أيضاً، أنَّ الجهاد في الاندلس كان يستهدف الحصول على الأسلاب والمغانم(3).

  ويمضي المؤرخ الاسباني ليوضح كيف أنَّ هذا التأثير قد تجلى واضحاً في الرهبنات العسكرية التي تولت أمر الحرب ضد المسلمين، ويعتقد باحث آخر أنَّ الرباط الإسلامي (الذي كان يقام على الحدود ويرابط فيه المجاهدون بقصد الانقطاع للعبادة وصد الهجمات على حدود دار الإسلام) قد ترك بصماته الواضحة على الرهبنات العسكرية في إسبانيا(4)، حيث ظهرت مؤسسات رهبانية عسكرية،مثل: فرسان القنطرة وفرسان القديس يوحنا وفرسان المعبد، وكانت هذه الرهبنات العسكرية تمزج بين الحماسة الدينية والقتال ضد المسلمين، وهو ما يؤشر وجود التأثير الإسلامي عن طريقالرباط، الذي كان المزج بين الحماسة الدينية والجهاد في سبيل الله من أهم سماته(5).

  ويرى الدكتور قاسم عبده قاسم: “أنَّ استيحاء فكرة الجهاد الإسلامية وصياغتها في قالب مسيحي، هو فكرة الحرب المقدسة، كان لمواجهة القوى الإسلامية نفسها، حيث كانت المسيحية الغربية في حاجة إلى ما نسميه اليوم بعقيدة القتال، لكي تواجه عدوها الذي يحارب على أساس من عقيدة قوية. وفي تصورنا أنَّ اقتباس الغرب لفكرة الجهاد الإسلامية وتطويرها ليس أمراً مستبعداً… ونعتقد أنَّ فكرة الغفران الصليبي قد استوحيت من مفهوم الثواب الذي يناله الشهداء من المجاهدين بشكل أو بآخر، فقد أكرم الإسلام من يستشهدون في سبيل الله من المجاهدين ومنحهم حياة خالدة في جنات النعيم… وقد استعار رجال الكنيسة الغربية هذا المفهوم وطوره فلاسفتهم وبابواتهم في ثوب مسيحي، اتخذ شكله النهائي على النحو الذي ورد في خطبة البابا اوربان الثاني في كليرمونت سنة 1095م(6)، ذلك الخطاب الذي أجج الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي، حتى أنَّ المؤرخ الامريكي توماس مادن يرى أنَّ الحملات الصليبية كانت رد فعل متأخر نوعاً ما، على الغزوات الإسلامية في إسبانيا وجنوب إيطاليا وفرنسا(7).

    يمكن القول إنَّ فكرة الحرب المقدسة، وإن كانت قد تأثرت بفكرة الجهاد الإسلامي الى حد ما، نتيجة الاحتكاك الإسلامي النصراني في إسبانيا وجنوب فرنسا وسواحل ايطاليا خلال العصور الوسطى، إلا أنَّها تمثل اقتباساً مشوهاً عن مفهوم الجهاد، ذلك المبدأ الإسلامي السامي، تماماً مثل ما تقوم به الجماعات الإرهابية المتطرفة في عصرنا الراهن، كتنظيم القاعدة وداعش من تبني مبدأ الجهاد واعادة انتاج مفاهيمه بصورة خاطئة ومغلوطة، تنافي محتواه النبيل المتمثل في الدفاع عن النفس والأرض.

الهوامش:

(1) كانتور، نورمان ف. التاريخ الوسيط، تر: قاسمعبده قاسم، ط5 (القاهرة: عين للدراسات والبحوثالانسانية والاجتماعية، 1997م)، ج2، ص404.
(2) قاسم ، قاسم عبده. الخلفية الإيديولوجية للحروبالصليبية دراسة عن الحملة الأولى 1095 – 1099م، ط1 (المريوطية: عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية،1999م)، ص49.
(3) Ameritco Castro, Earealidad historica de Espana,pp.407-420.

نقلاً عن: قاسم، الخلفية الإيديولوجية، ص49 50.

(4) Angus MacKay, Spain in the Middle Ages                                  

From Frontier to Empire, 1000–1500,(London,1979),p31-32.

        نقلاً عن : قاسم ، الخلفية الإيديولوجية ، ص50 .

 (5) قاسم. الخلفية الإيديولوجية، ص50.

(6) المرجع نفسه، ص52 – 53؛ كانتور، التاريخ الوسيط، ج2 ، ص408- 409.

(7) الدغيم ، طالب عبد الجبار. الحملات الصليبية: الأسطورة، والدين، والمال، مقال منشور بتاريخ 12/4 / 2018 على الرابط الالكتروني:

https://manshoor.com/world/crusades-war-socially-economical