م.د. أحمد فاضل حسون / قسم الدراسات السياسية
حزيران/ 2022
لكل مجتمع عاداته وتقاليده وأعرافه ودياناته، وهذه القوالب تدخل إلى المجموعات الكبيرة ثم إلى المجموعات الصغيرة حتى تصل إلى الاسرة ثم الفرد، غير أن العامل المشترك بين كل هذه التفصيلات هو الاطار الفكري لكل مجتمع، وتأثيره في خلق التوازن السلوكي للأفراد داخل الدولة، وقلنا الدولة؛ لأن لكل حكومة محددات وقوانين عن طريقها تحافظ على ذلك التوازن، من أجل أمنها وسلامة مجتمعها وتقدمها، وقد يطلق على هذا الأمر (الأمن الفكري)، وهو من أهم أنواع الأمن؛ كون الجانب الفكري هو المحدد الأساس في سلوك الفرد، إن استقر كان السلوك مستقرا، وإن تبعثر كان الفرد مبعثرا.
لقد تختلف محددات الحصانة الفكرية من زمن لآخر،وفق التطور الفكري الذي يحصل في العالم، ففي سبعينيات القرن الماضي كانت الأمة مستهدفة من قبل فكر معين، والآن تستهدف أكثر من فكر آخر، مع اختلافالآليات التي تحددها كل حقبة، وهذا يتطلب تحديث المعالجات، كما في المعارك، فكل معركة لها ظروفها واجراءاتها من أجل تحقيق الانتصار.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أوجه الحصانة الفكرية تشمل كل جوانب الحياة؛ كونها مؤثرة في جميع أفراد المجتمع،بمختلف توجهاتهم ومستوياتهم وطبقاتهم، وهذا الامر يتطلب وعيًا وانتباهًا شديدا ودقيقًا من الجميع سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات حكومية وغير حكومية.
ولا ننكر بأن بيئة الحصانة موجودة وبقوة إذا ما أراد المجتمع حماية نفسه، وأول تلك التحصينات هي ديانة المجتمع، فالدين وفّر سبل حماية المجتمع من الانزلاقات والانهيار وفق آليات ناجحة، ولدينا الكثير من الأمثلة في التاريخ في حفظ الأمم من الوقوع في المهالك، عن طريق مصلحيها الذين تصدوا لتبليغ الرسالات والسير بها وفق الحكمة الإلهية التي اعدت لكل ديانة، وتلك الحكمة ذات الأهداف موحدة غايتها حفظ مجتمع كل ديانة من الانهيار، فبضع الأمم لم تأبه لدياناتها مما تسبب في أن تصل مجتمعاتها إلى انهيار أخلاقي مفرط؛ مما اضطرها إلى اللجوء إلى القوانين الوضعية لإصلاح حالها لكن لم تستطع؛ وسارت مجتمعاتها إلى ما هو عليه الآن منتبعثر اجتماعي مرعب، ولتقليل ذلك الزخم عنها بدأت بوضع قناعات فكرية مغلوطة باسم التحضّر والحرية، فضلا عن محاولاتها لجر المجتمعات الأخرى لذلك التبعثر بهدف التأثير والسيطرة عليها؛ إذ نرى اليوم الكثير من الأفراد منبهرين بالغرب مثلاً، متناسين السلبيات التي لا يقبلون العيش وفقها.
إنَّ أول تلك المجتمعات المستهدفة هو المجتمع الإسلامي، ومن يعيش في ظل الدول الإسلامية من ديانات أخرى،في ظل التطور التكنلوجي الكبير وسهولة الوصول الذي أثر تأثيرًا كبيرًا في فكر الكثير من الافراد، وسبب لهم انزياحًا لا إراديا عن قيمهم وديانتهم واعرافهم. وبدأ ذلك الانزياح بصراع مرير مع الدين والأعراف والقيم التي عليها المجتمع؛ فتسبب بإرباك وهزات وانتقالات لا يسلم منها المجتمع، إلا إذا حصن نفسه وفق آليات مدروسة وشعور بالمسؤولية من قبل الجميع، أفراد أو مؤسسات، وأول تلك الآليات هو التمسك بالدين الحنيف، وما افاضه علينا من توجيهات كافية ووافية بهذا الشأن، وثاني الآليات هو التمسك بالأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تحفظ كيان الفرد وتتوافق مع الدين، أما ثالث تلك الآليات والتي لا تقل أهمية: هو عمل الحكومات بمختلف أركانها واهتمامها بإصلاح المجتمع، فبيدها التشريعات والقوانين والسلطة العليا التي عن طريقها تستطيع إيقاف هذا الغزو وأدواته، وعدم ترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها في خارج البلد وداخله لتنفذ اراداتها التي أوقعت المجتمع بمشكلات كثيرة هو في غنى عنها، وهو جزء كبير من الأمن القومي للدولة تعمل عليه الكثير من الدول الحريصة على مجتمعاتها الآن