د. فراس حسين الصفار
باحث في قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
28 حزيران 2022
حذرت مجموعة الاقتصاديات السبعة الكبرى (G7)،الممثلين لكل من دول: كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا،واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية،والممثل السامي للاتحاد الأوروبي، من أنّ الحرب فيأوكرانيا، تؤجج أزمة غذاء وطاقة عالمية تهدد البلدان الفقيرة،وأنّ هناك حاجة لاتخاذ تدابير عاجلة لتحرير مخزوناتالحبوب، التي تحول روسيا دون مغادرتها أوكرانيا. وقالتوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي استضافتاجتماعاً لوزراء خارجية مجموعة السبع، إنّ الحرب أصبحت“أزمة عالمية“. وحذرت من أنّ “نحو (50) مليون شخص،لاسيما في بلدان أفريقيا والشرق الأوسط، سيموتون فيالأشهر القليلة المقبلة“، ما لم يتم إيجاد سبل للإفراج عنالحبوب الأوكرانية، التي تمثل حصة كبيرة من الإمداداتالعالمية.
هذا وكانت أجندة القمة تركز في الأساس على الحفاظعلى البيئة ومكافحة التغير المناخي، إلا أنَّ حرب أوكرانياقلبت الموازين الجيوسياسية والاقتصادية وحتى البيئية،فتغيرت أجندة القمة وأولوياتها، وتراجعت مسألة الحفاظعلى البيئة، تحت ضغط أزمة الطاقة والتضخم وملامح الأزمةالاقتصادية التي تلوح في الأفق؛ والخوف من انتشار الفقرأكثر، ما قد يهدد أنظمة ودولا لم تتعاف بعد من جائحةكورونا.
ويختتم قادة مجموعة السبع اليوم الثلاثاء 28 حزيران،اجتماعاتهم التي استمرت (3) أيام، في بافاريا بألمانيا منذ يوم الأحد الماضي، على خلفية تحذير من الأمم المتحدة منأنّ العالم يواجه “أزمة جوع عالمية غير مسبوقة“، مع ارتفاعأسعار السلع الأساسية. وقال مارتن فريك، مدير برنامجالأغذية العالمي الألماني، إنّ “الجوع يمكن أن يزعزعاستقرار الدول ومن ثم فهو قضية سلام وأمن رئيسة“،مشيراً إلى أنّ “تضخّم أسعار المواد الغذائية الحالي الذييتجاوز (25%) في (36) دولة يمثل قنبلة موقوتة“. وأكّدفريك أيضاً أنّ “من المرجّح ألّا يحصل برنامج الأغذيةالعالمي على أكثر من نصف المبلغ الذي يحتاجه هذا العام،وهو (21.5) مليار دولار، ولذلك فهناك حاجة إلى مزيد منالمساعدات“. وكان أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريشقال يوم الجمعة الماضي، في اجتماع حول الأمن الغذائيفي برلين: “نواجه أزمة جوع عالمية غير مسبوقة… أدّتالحرب في أوكرانيا إلى تفاقم المشكلات التي تراكمت علىمدى سنوات، مثل اضطرابات المناخ، وجائحة كوفيد-19،والخلل الكبير في وتيرة التعافي“.
وتشير المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي إلى أنَّأسعار القمح ارتفعت بنحو (60%) منذ شباط الماضي، فيحين ارتفعت أسعار الزيوت النباتية بنسبة (40%)، وارتفعتأسعار المواد الغذائية إلى معدلات قياسية، ثم جاءت أحداثأوكرانيا فارتفعت الأسعار مرة أخرى بنسبة (12%)، ممايجعل الأزمة الغذائية الحالية أقوى من الأزمتين الغذائيتينفي 2008 و2011. وأضافت الوكالة الأممية أنَّ نقصالأسمدة قد يضر بتعافي الإنتاج الزراعي في عام 2022.وتستهدف الوكالة مساعدة (7) ملايين و(150) ألف شخصبين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول المقبلين، وتسعى إلى تغطية حاجات مزيد من الأسر واللاجئين والنازحين الذينيعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
مما لا شك فيه أن أزمات الغذاء أمر سيء للجميع،لكنها مدمرة للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، ويُعزى هذاالأمر إلى سببين هما:
أولاً- عادة ما تكون أشد بلدان العالم فقراً مستوردة للموادالغذائية.
ثانياً- تمثل المواد الغذائية ما لا يقل عن نصف إجمالينفقات الأسر في البلدان منخفضة الدخل.
على سبيل المثال، سببت أزمة الغذاء في عام 2008 زيادةكبيرة في حالات سوء التغذية، لاسيما بين الأطفال، واضطرالعديد من الأسر إلى رهن ممتلكاتهم الثمينة حتى يتمكنوامن شراء الطعام. وأظهرت بعض الدراسات أنَّ معدلاتالتسرب من التعليم تبلغ (50%) بين أطفال أشد الأسرفقراً، ولا يمكن بسهولة عكس اتجاه هذا النوع من الضررالاجتماعي والاقتصادي.
ويشير تقرير اصدرته الشبكة العالمية لمكافحة الأزماتالغذائية – وهي تحالف دولي يضمّ الأمم المتحدة والاتحادالأوروبي والجهات الحكومية وغير الحكومية التي تعمل علىمعالجة الأزمات الغذائية معا- إلى دوافع ارتفاع مستوىانعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2021، وكما يأتي:
في حين أن التحليل يسبق الغزو الروسي لأوكرانيا، وجدالتقرير أن الحرب كشفت بالفعل عن الطبيعة المترابطة بينأنظمة الغذاء العالمية وهشاشتها، والعواقب الوخيمة علىالأمن الغذائي العالمي.
أهم نتائج قمة دول السبع الكبرى:
اولاً- كشف زعماء مجموعة السبع خلال قمتهم الحالية فيألمانيا، عن خطة عالمية هدفها تعزيز الاقتصاد العالمي،ومساعدة الدول النامية ومواجهة تنامي نفوذ الصين. ولمتُدرج قضية إلغاء الديون المستحقة على البلدان النامية، فيجدول أعمال قمة مجموعة السبع، لكن أعلن زعماء المجموعةفي اليوم الأول من قمتهم، عن إطلاق مبادرة “الشراكة منأجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” في الدول الناميةبقيمة (600) مليار دولار، من أجل تمويل البنية التحتيةاللازمة في البلدان النامية على مدى السنوات الخمسالمقبلة. ومعلنا عن إطلاق المبادرة، قال الرئيس الأمريكي جوبايدن “أريد أن أكون واضحاً، هذه ليست معونة أو عملخيري، إنَّه استثمار سيحقق عوائد للجميع“، مشيراً إلى أنَّذلك سيسمح للبلدان “برؤية الفوائد الملموسة للشراكة معالدول الديمقراطية“، وترمي المبادرة إلى مواجهة الصينلاسيما مشروعها “الحزام والطريق” الضخم، والذي تبلغتكلفته عدة تريليونات من الدولارات، ويشمل دولا عديدة فيآسيا وإفريقيا. الجدير بالذكر أن دول مجموعة السبع – بحسب تقديرات البنك الدولي – تمثل إجمالا حوالي (45%)من الناتج الإجمالي العالمي، فيما يتمثل القاسم المشتركلهذه المجموعة في تعزيز الديمقراطية وسيادة القانونومفهوم الأسواق الحرة. وفي ضوء ذلك، فإن دول مجموعةالسبع تتمتع بتأثير اقتصادي كبير وسط اتهامات بممارسةنفوذ كبير للغاية على القضايا الدولية.
ثانياً: اتفق المجتمعون في قمة مجموعة الدول السبع الكبرىعلى ضرورة العمل المشترك للإسراع من جهود مكافحة تغيرالمناخ، وتسريع عملية الانتقال نحو الحياد المناخي بطريقةنظيفة وعادلة، مع ضمان أمن الطاقة. وتسعى هذه الدولإلى دفع التحول نحو الحياد المناخي قدماً، وهي الحالةالمعني بها ألا تصدر هذه الدول انبعاثات من غازاتالاحتباس الحراري، بأكثر من المقدار الذي يمكن أن تتقيدبه. وأكدت الدول على دعمها للهدف المتفق عليه في مؤتمرباريس للمناخ عام 2015، والخاص بالحد من ارتفاع درجةحرارة الأرض بمقدار يقل عن درجتين مقارنة بفترة ما قبلالثورة الصناعية، والوصول بهذا المقدار إلى (1.5) درجة إنأمكن. وأضاف البيان أن الجانبين ناقشا خلال اجتماعلمجموعة السبع في ألمانيا – بمشاركة قادة الأرجنتين والهندوإندونيسيا والسنغال وجنوب إفريقيا الذين تمت دعوتهمللاجتماع – سبل التخلص التدريجي من استخدام الفحموزيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة بطريقة “عادلةاجتماعياً“. وتسعى دول مجموعة السبع، التي توترتعلاقتها مع روسيا بعد غزو أوكرانيا، إلى إيجاد سبل لسدالنقص في إمدادات الطاقة، ومعالجة مشكلة ارتفاعالأسعار مع التقيد بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ.
من جانب آخر يؤكد السيد شو دونيو، المدير العاملمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة)، خمسخطوات ملحة من شأنها أن توقف الأزمة الغذائية العالمية،وأن تحوّل النظم الزراعية والغذائية، وذلك في معرض الكلمةالتي ألقاها أمام مؤتمر وزراء بلدان مجموعة السبعة“متحدون من أجل الأمن الغذائي العالمي“.
ومن بين التهديدات الرئيسة المحدقة بالأمن الغذائيالعالمي وأداء النظم الزراعية والغذائية، تطرّق السيد شودونيو إلى جائحة كوفيد-19؛ والاختلالات العالمية في سلسلةالإمداد وارتفاع تكاليف السلع الأساسية الرئيسة؛ والحربفي أوكرانيا وعشرة نزاعات رئيسة وأزمات إنسانية أخرىفي مختلف أنحاء العالم وتداعياتها السلبية، وأشار إلى أنّالأوضاع قد تفاقمت بفعل التراجع الطويل الأمد فيالاستثمارات في النظم الزراعية والغذائية، تحت تأثيرالضغوطات الناجمة عن تغير المناخ والنمو السكاني،واستعرض الخطوات الملحة الآتية لمعالجة هذه الأوضاع:
أولاً– يكتسب الاستثمار في البلدان الأشد تأثرًا بارتفاعأسعار الأغذية أهمية حيوية، إذ لا يقلّ دعم الإنتاج المحليللأغذية المغذية أهمية عن المعونة الغذائية. وتُخصص حاليًانسبة (8%) فقط من مجمل التمويل للأمن الغذائي فيحالات الطوارئ، والمعونة في حالات الأزمات لدعم الإنتاجالزراعي.
ثانيًا– دعا السيد شو دونيو إلى تقديم مزيد من الدعم لمبادرةالنظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائي المتعددالشركاء، من أجل تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذيةوصنع القرارات بهذا الصدد بما يضمن تغطية قطرية أوسع.ويوفر هذا النظام معلومات عن حجم حالة انعدام الأمنالغذائي والمجاعة وشدّتهما. وفي عام 2021، أقرّت مجموعةالسبعة بهذا النظام باعتباره “المعيار العالمي” لتحليل الأمنالغذائي، مشددة على دوره بعدَّه ركيزة حاسمة الأهمية فيالاستجابة العالمية للجوع. وقال السيد شو دونيو “ينبغيزيادة تغطية النظام المتكامل لتصنيف مراحل الأمن الغذائيمن (46) إلى ما لا يقلّ عن (84) بلدًا تعاني من أوضاعشائكة“.
ثالثًا- يتعين على البلدان تشجيع السياسات التي تسهمفي زيادة إنتاجية النظم الزراعية والغذائية وكفاءتها وقدرتهاعلى الصمود وشمولها. وأشار المدير العام إلى أنّ ذلك سوفيتطلّب توافر استثمارات مالية كبرى تقدّر بنسبة (8%) منحجم سوق المنتجات الزراعية والغذائية، مضيفًا أنّه منالضروري أن تشمل الاستثمارات البنى التحتية الثابتة،والبنى التحتية الخاصة بسلاسل الإمداد والابتكار، والأنواعالجديدة من التكنولوجيا والبنى التحتية الرقمية الشاملة.
رابعًا– من شأن الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية أنيحسّن الأمن الغذائي والتغذية. إنّ كمية الأغذية التي يتمهدرها أو فقدانها في الوقت الراهن تكفي لإطعام (1.26)مليار شخص تقريبًا سنويًا. وشدد المدير العام على أنه “فيما لو حاولنا خفض الفاقد والمهدر من الأغذية بنسبة(50%)، سيكون هناك ما يكفي من فواكه وخضرواتللجميع“. وقد أعدت المنظمة خطط عمل شاملة في (52) بلدًامن بلدان مبادرة العمل يدًا بيد تحقيقًا لهذا الهدف.
خامسًا– يكتسي ضمان الاستخدام الأفضل والأكثر كفاءةللأسمدة المتاحة أهمية كبرى. واعتبر السيد شو دونيو أنهمن الأهمية بمكان أن يعمل جميع الشركاء الرئيسيين بصورةمتسقة للحصول على جميع الأسمدة اللازمة للمزارعين فيالوقت المطلوب، داعيًا البلدان إلى تحسين كفاءة الأسمدةبحيث تناسب النظم الزراعية المحلية. فعلى سبيل المثال، منشأن التنفيذ السريع لخرائط مفصلة للتربة أن يدعم البلدانالأضعف من أجل زيادة كفاءة استخدام أسمدتها.
الهوامش