أ.م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية
جامعة كربلاء/ العراق
يعاني العراق من جملة من المشكلات، بعضها خطير وآخر طفيف، ومنها ذو جذر داخلي أو خارجي. بالنتيجة هناك مشكلات تتراكم وحلول تتأخر وتتباطأ، مما يزيد الأمر سوءًا.
وما المواطنة الفاعلة إلا وسيلة لتوسيع مدى فرص الحياة الكريمة المتاحة للإنسان، لتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة بين الجنسين، وهي ترتكز على المساواة بين المواطنين، وعلى تحفيز العمل الجماعي كوسيلة لضمان تلك المساواة.
والعراق بحاجة إلى كلٍّ من المواطنة الفاعلة والتنمية، للنهوض بطاقاته المجتمعية والاقتصادية والبشرية، واللحاق بركب التطور والتقدم العالمي للدول الأخرى.
وللمواطنة الفاعلة أهمية قصوى للمجتمع العراقي، إذ يجب أن يكون كل مواطن مسؤولًا عن معالجة الأخطاء وتقدم بلده، فسبيل التنمية لا يمكن أن يسلكه غير الانسان، وليس أي انسان، إنَّه الانسان الواعي لما يريد، والذي يريد لمجتمعه ووطنه الرفعة والازدهار.
وللمواطنة أهمية عظمى، وليس أي مواطنة، إنَّها المواطنة الفاعلة، التي فيها، كما للمواطن، حقوق ثابتة وواجبات ضرورية لرقي الأمة وتحقيق أهدافها. وهنا لابد للمواطن العراقي أن يكون له موقف إيجابي، ويتدخل بصورة حضارية في بناء دولته، وتعديل نهجها خدمة للمصلحة العامة. فالتنمية التي يسعى إليها الجميع لن تتحقق دون تحقق هذا الشرط المهم.
إنَّ المواطن هو الورقة الرابحة لأي دولة، وفي المجتمعات كافة، فإذا أردت الاصلاح أو التطور والتقدم وحتى التفوق، فبوابتك نحو ذلك (المواطن). فهو الأداة التي تنهض بها الأمم، ويسطع نجمها، ويعم رخاؤها ونموها، ودون ذلك مجرد محاولات ومحاورات جوفاء.
ولما لم يـُخلق البشر متساويين بالأشكال والألوان واللغات، لم تتشابه لديهم القدرات والثروات والصفات الشخصية ايضا، لذا نرى أنَّ بعض المجتمعات استطاعت أن تحقق تقدمًا وارتقاءً، وأخرى على عكس ذلك، رابضة في غياهب التخلف والجهل وما يستتبعها من هدر الطاقات واحتراب داخلي ودمار. ولا يشفع لهذه الدولة أو تلك أنَّها كانت مهدًا للحضارة أو لها تاريخ جليل، فكم من دويلة حديثة الوجود تفوقت سياسيا واجتماعيا وحضاريا، على أخرى لها جذور مطنبة في القدم .
جمهورية العراق اليوم، وبعد كل ما جرى عليها من أحداث جسام، تعاني من جملة من المشكلات والصعوبات، ويعود بعضها إلى افتقار المواطنة والمواطنة الفاعلة، هذا الافتقار جعل المجتمع يتخبط وتكثر أمراضه الداخلية، وحتى وهو يمارس أرقى ما توصلت إليه النظم السياسية من أدوات، وأعني الديمقراطية والانتخابات الشفافة والتداول السلمي للسلطة، إلّا أنّه ما زال لا يستخدم ما بين يديه من ثروة كما يجب، حالها حال الثروات المعدنية التي تهدر بطريقة أو أخرى. لذا يحتاج العراق إلى تفعيل المواطنة عبر جعل مواطنته فاعلة، وأيضا يحتاج إلى تنمية، وإلى تنمية التنمية، ليس فقط مواطنة، تطالب بحقوقها الجماهير، بل إلى مواطنة فاعلة، تقدم ما عليها من واجبات، وبكل وطنية وحرص، وبعدها تنتظر أن تجني الحقوق كاملة غير منقوصة، كما يفعل الفلاح، حين يهيئ الأرض ويحرثها ويزرعها ويسقيها ويسهر عليها من الهوام، ثم بعد هذا الصبر والعناء، يحصد ثمرة تعبه، أي انه أعطى ثم أُعطي، وعلى ذلك تسير جميع قوانين الكون، فلا مكافأة من دون مشقة، ولا نجاح بلا معاناة، فالتنمية مرتبطة بالمواطن الذي يجب أن يسعى إلى تحقيقها أولا ثم ستعطيه هي ثمارها، من تقدم ورخاء وتطور واستقرار.
العراق مهد الحضارات ومنبع الأفكار والديانات والسكن الأول للإنسان، وعلى أرضه الغنّاء كانت التجمعات البشرية، وبدايات المدن والدول والامبراطوريات العظيمة، وعلى مسلاته الحجرية خطت القوانين التي تنظم العلاقات بين المواطنين، وتمنحهم الحقوق وتلزمهم بالواجبات، فكانت المواطنة في لبنتها الأولى.
لقد اختبر البشر فكرة المواطنة، فكانت، مع تقدم الحضارة، دون المستوى المطلوب، ولا تواكب التقدم في حقوق الانسان ورقي الأمم، فكانت الإضافة لها الفعالة، لتكن المواطنة الفعالة صيغة جديدة من المواطنة يكون فيها الشعب مؤثرا في كل تفاصيل حياة مجتمعه ودولته.
وفي العراق، الذي اختبر ديمقراطية غربية مفاجئة، جاءت على يد احتلال بعد حقبة من الدكتاتورية والتسلط، كان الوضع مختلفا ويحمل في ثناياه الكثير من التعقيد والتشوه في البناء الفكري، فالمواطنة ليست هبة من أحد لكنَّها حق يحمل في داخله التزامًا انسانيًا تجاه الوطن والمجتمع بصورة عامة.
ولكون المواطنة الفعالة الوصفة الأكثر نجاحًا حول العالم، وآخر تقليعات العالم المتمدن، فهي تحمل في ثناياها، المسار والاتجاه الصحيح لتحقيق التنمية في العراق، بوصف المواطنة عهد شرف بين الشعب بعضهم مع بعض، وبينهم وبين المؤسسات الحكومية، التي من دون انخراط الأفراد في العمل المثمر، والسعي الحقيقي إلى النجاح والتطور، لن تتحقق تنمية مهما كانت الجهات التي تقف وراءها وتدعمها.
وأخيرًا نوصي باعتماد المواطنة الفاعلة، وتفعيل دورها والتثقيف لها، بعدَّها الأداة الناجعة لتحقيق التنمية والاصلاح والتطور في العراق، فهي تعني حب الوطن والدفاع عنه، ليس فقط في ساحات القتال، بل بالحرص عليه وعلى سبل صعوده، وتذليل الصعوبات التي قد تعترضه في يوم من الأيام. وهذا ما يجب أن يتعرف عليه الأطفال في المدارس، والشباب في الجامعات، والرجال والنساء المنخرطون في القطاع الحكومي والاهلي والمختلط، فلا تطور وتقدم وتنمية دون وجود مواطن ايجابي، يعمل بجد وصدق وأمانة، ويلتزم بالواجبات الملقاة على عاتقه، ويتصرف بوعي وحكمة بالحقوق التي سينالها بعد ذاك.