الحرب الروسية – الأوكرانية والربيع الأوربي القادم

      التعليقات على الحرب الروسية – الأوكرانية والربيع الأوربي القادم مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء

أيلول 2022

      مع انطلاق الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط 2022، وما رافق ذلك من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية على أوروبا والعالم، وبالرغم من كل الأسباب التي طرحتها روسيا كمسوغات لهذه الحرب، من القضاء على التطرف والعداء ضد روسيا، ومنع إقامة قواعد لحلف الناتو فيها، ومطالبها بإعلان الحياد الأوكراني ومنع انضمامها لأي أحلاف عسكرية, هذه العملية التي اسمتها روسيا بالخاصة، فإنَّ الحرب مازالت مستمرة، وهناك كر وفر بين الطرفين رغم تقدم الجيش الروسي وقوات الانفصاليين في شرق أوكرانيا وجنوبها.

أهم قضية في هذا الصراع هي قضية الطاقة ولاسيما الغاز الروسي، الذي يزود أوروبا بالطاقة المنزلية والصناعية المختلفة، إذ تعتمد أوروبا على الغاز المستورد من الخراج بنسبة (89.66%)، إذ يغطي الغاز الروسي ما نسبته (44.48%) من احتياجات الدول الاوربية، ويصدر الغاز إلى الدولالأوروبية عبر(3) خطوط أنابيب رئيسة، بطاقــــة(16) مليار قدم مــكعب يوميا، أول خط هونوردستريم1″ والذي يمر عبر بحر البلطيق إلى ألمانياوهولندا وفرنسا والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، ويمر الخط الثاني عبر بيلاروسيا إلى بولندا وألمانيا،والخط الثالث عبر أوكرانيا إلى التشيك والنمسا الذيينقل الغاز الطبيعي إلى بلدان في شمال أوروباوجنوبها، علما أنَّ نسبة اعتماد الدول الاوربية على الغاز والنفط الروسي تختلف من دولة إلى أخرى، في الوقت الذي تعتمد فيه دول، مثل: البوسنة والهرسك والمجر ومولدافيا بنسبة (100%) على الغاز الروسي، فإنَّ دول، مثل: فلندا ودول البلطيق تعتمد بنسبة (94%)، أما المانيا وايطاليا فهي تعتمد بنسبة (50%) على الغاز الروسي، هذا يبين أهمية الغاز الروسي للدول الاوربية.

إنَّ تخلي الدول الاوربية عن الغاز الروسي يصطدم بعدة عقبات منها:

1- صعوبات إيجاد البدائل للغاز الروسي من دول أخرى منتجة للغاز، مثل: قطر أو الجزائر أو النروج بسهولة، إذ إنَّ هناك سقف انتاج لهذه الدول، لا يمكن أن تتجاوزه لأسباب تقنية أو تعهدات دولية، أو عدم امكانية التخلي عن عملائها الدائمين والتوجه صوب أوروبا، لإدراك هذه الدول أنَّ الحرب قد تتوقف بأي لحظة ثم يعود تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا،وهو ما قد يضيع على هذه الدول عملاءها الدائمين، لاسيما بعد رفض أغلب الدول الاوربية عقد صفقات غاز طويلة الاجل مع هذه الدول تمتد إلى (15 أو20) عاما.
2- إنَّ تصدير الغاز إلى أوروبا لا يتوقف على الكميات فقط، بل إلى سرعة الوصول، إذ إنَّ قرب أنابيب تصدير الغاز من روسيا إلى أوروبا، وسرعة وصول الطلب، جعل من الغاز الروسي مهما جدا للدول.
3- تحول بعض دول الاتحاد الاوربي من الغاز إلىالفحم لارتفاع أسعار الغاز عالميا، إذ تمتلك بعضدول الاتحاد الاوربي محطات الفحم لإمداداتالطاقة الاحتياطية، إلا إنَّ انتاج الطاقة في هذهالمحطات لا يكفي لإمداد السكان والصناعاتالمختلفة بالطاقة.
4- العديد من الشركات الاوربية وبسبب نقص امدادات الغاز وارتفاع أسعاره اصبحت امام وضع اقتصادي صعب وارتفاع تكلفة الانتاج مما يقود إلى رفع أسعار منتجاتها، مما جعلها تتراجع عن المنافسة في السوق العالمية أمام الشركات الروسية والصينية.

إنَّ عدم تمكن الدول الأوربية من توفير البدائل للغاز الروسي، وارتفاع أسعاره ولاسيما على المواطن الاوربي، واحتمال إغلاق العديد من المصانع، وقرب حلول فصل الشتاء في أوروبا، قاد إلى انطلاق عدد من المظاهرات والاحتجاجات في عدد من الدول الاوربية ولا سيما المانيا وفرنسا وايطاليا والمجر والنمسا، والمطالبة بوقف الدعم لأوكرانيا ومنع مرور الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا, كما أنَّ أغلب شعوب دول الاتحاد الاوربي، ترى أنَّ دعم دولهم لأوكرانيا قد أضرَّ بهم أكثر، وأنَّ المستفيد الوحيد هي الولايات المتحدة الامريكية، وقد تتسع رقعة الاحتجاجات ضد سياسات حكوماتهم، وزيادة الانشقاقات داخل دول الاتحاد، وهو ما ينذر بظهور ربيع أوربي قد يقود إلى استقالات الحكوماتوحدوث أزمات سياسية واقتصادية حادة.