أ. م. د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
تشرين الثاني 2022
كانت مدينة خيرسون الأوكرانية أول مدينة تقع في يد الروس، مع انطلاق هجومهم في 24 شباط2022، فقد دخلت القوات الروسية المدينة بدون أي مواجهات في 2 آذار 2022. وللمدينة أهمية استراتيجية لروسيا، فهي مركز مهم لصناعة السفن وتضمّ ميناء تصدير، كذلك يعد نهر دينيبرو ذا اهمية كبرى، لتوفير المياه لشبه جزيرة القرم، وقد تم تنظيم المدينة بشكل يسهل الانضمام إلى روسيا الاتحادية،عن طريق ربطها بشبكة المواصلات والاتصالات الروسية، واعتماد الروبل عملة رسمية بدل العملة الاوكرانية، وتغيير جوازات السفر وشعار المدينة، فضلا عن أنَّ الإدارة الجديدة أعلنت في 11 أيار أنَّها سوف تتقدم بطلب إلى الرئيس الروسي (فلادمير بوتين) للانضمام إلى روسيا، وقد جرى استفتاء الانضمام إلى روسيا في 23-27/9/2022، وقد أيد أكثر من (80%) الانفصال عن أوكرانيا، وأصبحت خيرسون رسميًا جزءًا من روسيا الاتحادية بعد مصادقة الرئيس الروسي، بالرغم من أنَّ أغلب دول العالم رفضت هذا الإجراء، وعدَّته انتهاكًا للقانون الدولي.
وبعد ثماني أشهر من الحرب في أوكرانيا والمواجهات، أعلنت روسيا وبصورة مفاجئة الانسحاب من مركز مدينة خيرسون غرب نهر دنيبروإلى الضفة الشرقية للنهر، وسحب ما يقرب من (30) ألف عسكري والمعدات العسكرية، كذلك اجلاء سكان المدينة إلى الجهة الشرقية، وإقامة عاصمة جديدة للمقاطعة، هذا الانسحاب المفاجئ جعل أغلب المحللين يضعون عدة من السناريوهات والتوقعات لهذا الانسحاب، وهل هو هزيمة لروسيا أم تكتيك عسكري يخفي وراءه أمورًا أخرى سوف تنكشف لاحقا.
إنَّ السناريو المتوقع لهذا الانسحاب، هو وجود بوادر سلام ومفاوضات سرية لإنهاء هذه الحرب، التي كانت لها تداعيات كبيرة على العالم ككل ولاسيما على أوروبا، فقد احدثت هذه الحرب أزمات عديدة، منها: توقف تصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا قاد إلى أزمة غذاء عالمية وارتفاع الأسعار، وحتى مع عقد اتفاقية تصدير الحبوب فإنَّ هذا لم يحل الأزمة، يضاف إليه تقليص امدادات الغاز الروسي إلى أوروبا إلى (50%)، وهو ما يشكل أزمة وقود كبيرة لأوروبا وهي على أبواب الشتاء، وعدم وجود بدائل آنية للغاز الروسي، وأيضا الأزمة الاقتصادية وتوقف العديد من الصناعات بسبب توقف امدادات الغاز، وما يرافقه من بطالة لاسيما مع وجود الطوابير الطويلة التي تقف للحصول على المساعدات والغذاء في أوروبا، وخروج المظاهرات التي تطالب بوقف الحرب، وعدم انجرار باقي دول أوروبا إليها، إذ إنَّتوقف امدادات الغاز الروسية مع حلول الشتاء، سيقود إلى كارثة كبيرة على سكان القارة.
يضاف إليه ضعف المساعدات الأمريكية المقدمة إلى أوروبا ولاسيما في مجال الطاقة، إذ رفعت شركات الغاز الأمريكية أسعار الغاز إلى أربعة أضعاف،وهو ما سبَّب نوعًا من التذمر لدى الأوربيين الذين وقفت حكوماتهم إلى جانب أمريكا في هذه الحرب،كما يعتقد أغلب الأوربيين أنَّ أغلب الشروط التي طالبت بها روسيا أوكرانيا قبل بداية الحرب، هي شروط واقعية ويمكن تطبيقها أو التفاوض عليها لتجنب هذه المواجهات العسكرية، ويعتقدون أنَّ تعنتالحكومة الاوكرانية ورفضها كان بضغط أمريكي واضح، لهذا يرون أنَّ إنهاء الحرب أمر لابد منه.
إنَّ الانسحاب الروسي من خيرسون هو من أجل إطالة العملية العسكرية، إذ لا تريد روسيا الاندفاعبكل ثقلها في هذه العملية، لأنَّها تدرك أن الغربيريد استنزافها، فهي تحاول استنزاف الغرب عن طريق استنفاد مخزوناتهم وفي مقدمتها أمريكا،الذين أصبحوا يشتكون من النقص في مخزوناتالأسلحة، فالحروب تكتيكات وسياسات لا تنشر لرأيالعام، كما أعلن عدد من دول أوروبا أنَّ مخزونها من الأسلحة بدأ يتناقص، وهذا يشكل خطرًا على أمنها القومي، وهنا فإنَّ انهاء الحرب هو الحل الأمثل.
كما أنَّ التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي إذا تعرض أمنها القومي للخطر، وضع العالم أمام تحدٍ كبيرٍ، وجعل أغلب دول العالم تعيد من سياساتها حيال الحرب. ولإدراك هذا الخطر جرت في الآونة الأخيرة اتصالات بين المسؤولين الأمريكيين والروس وعلى أعلى المستويات، كذلك وجود تصريحات أمريكية بالدعوة إلى المفاوضات بين طرفي النزاع بدون شروط مسبقة. ولكون إنهاء الحرب، في حروب الكبار، يعتمد على معادلة لا غالب ولا مغلوب وإنَّما توازن القوى، وتحقيق الفوائد لكل الأطراف، لهذا فإنَّ الوصول إلى حلّ يتطلب تنازلات من أطراف النزاع لإنهاء هذه الأزمة.
خلاصة القول، إنَّ كل نزاع لابد أن تكون له نهاية، وإن اختلفت الدول والأدوار ومصالح الدول المشتركة فيه، لهذا فإنَّ النزاع الروسي – الاوكراني وصل إلى مرحلة النهاية، وعلى الدول المشتركة فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أن تجني ثمار حصادها سلبًا أو ايجابًا، لتجنب أي تداعيات تكون لها آثار مدمرة على البشرية.