مبيعات الطائرات الإيرانية بدون طيار إلى روسيا هي جزء من تحول جيوسياسي أكبر

      التعليقات على مبيعات الطائرات الإيرانية بدون طيار إلى روسيا هي جزء من تحول جيوسياسي أكبر مغلقة

الكاتب: ستيفن فيلدشتاين

الناشر: مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

بتاريخ: 26 أكتوبر 2022

رابط المقال: https://tinyurl.com/39dtzmmf

ترجمة وتحليل: م. حسين باسم

بينما تتنافس الدول النامية على النفوذ والسلطة باستخدام أسلحة متطورة وتكنولوجيا رقمية، فإنها علامة على وجود شروخ خطيرة.

      خلال شهر تشرين/ أكتوبر الماضي، ظهرت صور مروعة من مدن أوكرانيا، فقد دمرت الطائرات بدون طيار الإيرانية الانتحاريةشاهد -136 شبكات ومحطات الكهرباء الفرعية، وخطوط أنابيب المياه، وخطوط السكك الحديدية والسدود وغيرها من البنى التحتية الحيوية في البلاد. وقد أطلق عليها اسم “جزازات العشب” أو “الدراجات البخارية” بسبب صوت أزيزها المستمر. في المدنالاوكرانية، سمعت صفارات الإنذار مرة أخرى، لتكون بمنزلة تذكير صارخ بالأيام الأولى للحرب. وفقًا للخبراء، استفادت روسيا من(1700) طائرة إيرانية بدون طيار من مختلف الأنواع، لمهاجمة القوات الخاصة الأوكرانية والوحدات العسكرية والدفاع الجوي ومرافق تخزين الوقود.

كان التأثير النفسي للطائرات بدون طيار مقلقًا. أحد الأهداف الرئيسة لموسكو هو زرع الخوف والترهيب الذي من شأنه أن يخفض الروح المعنوية الأوكرانية، ويجبر الحكومة على الاستسلام. على الرغم من حقيقة أن الهجمات ستؤدي إلى ألم كبير ومعاناة وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، إلا إنَّها قد تزيد من عزم أوكرانيا عن غير قصد. تاريخيا، فشلت تكتيكات العقاب في تحقيق أهدافها، على سبيل المثال، بدلاً من تحقيق الاستسلام، حفزت الحرب الخاطفة في لندن 1940-1941 الجمهور البريطاني على تقديم تضحيات من أجل النصر.

على الرغم من أنَّ مزايا حملة الطائرات بدون طيار بالنسبة لروسيا مشكوك في جدواها، فلا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لإيرانمورّد الطائرات بدون طيار. على غرار تبرع تركيا بطائرات (TB2)بدون طيار للجيش الأوكراني، يشير تورط إيران في الصراع إلى تحول جيوسياسي أكثر أهمية. نمت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار بسرعة في السنوات العشر الماضية، مع وجود قوى ناشئة مطورة،مثل: إيران وتركيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة في طليعة هذا التطور. تمكنت مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة الطموحة من دخول السوق، حيث أصبحت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار متاحة بأسعار معقولة ويسيرة، مما جلب معها أرباحًا مالية ومزايا جيوسياسية.

المصالح التكميلية لإيران:

إنَّ حاجة موسكو لنظام مغامر مستعد للمجازفة، ومساعدة موسكو في استهداف البنية التحتية الأوكرانية، وكذلك هدف إيران الاستراتيجي في الإطاحة بالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتوسيع نفوذها الجيوسياسي معا، يسهمان في تفسير شحنة الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا.

تعد القدرة على تحمل تكاليف الطائرات بدون طيار الإيرانية عامل بيع رئيس لموسكو. على سبيل المثال، تمتلك شاهد (136) جناحًا مثلثًا مميزًا ويعمل بشكل مستقل. وهي تحمل رأسًا حربيًا يبلغ وزنه (80) رطلًا مصممًا للانفجار عند الارتطام. هذه الطائرات ذات الاستخدام المنفرد تكلف (20000) دولار فقط. وبالمقارنة، فإنَّصواريخ كاليبر كروز الروسية، والتي استخدمتها موسكو على نطاق واسع في الصراع، تكلف كل منها مليون دولار. (يستخدم الجانب الأوكراني الطائرات التركية بدون طيار TB2، والتي يمكن أن تكلف ما بين مليون دولار ومليوني دولار لكل واحدة خارج احتساب تكاليف “المنصة” لمراكز القيادة المتنقلة ومحطات الاتصالات، والتي يمكن أن تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات.) على الرغم من سعرها المنخفض، فإنَّ الـ”شاهد لديها قدرات مهمة بما في ذلك القدرة على العمل في مدى يصل إلى (1500) ميل، وتجنب الكشف عن الرادار. وبالمقارنة مع الطائرات بدون طيار الامريكية “ سويتش بليدأحادية الاستخدام، فإن نطاقها التشغيلي يبلغ (25) ميلا.

فضلا عمّا تقدم، تلبي الطائرات الإيرانية بدون طيار حاجة إنتاجية لموسكو، فقد تخلفت روسيا عندما يتعلق الأمر بإعطاء الأولوية لتطوير الطائرات بدون طيار. تمتلك الشركات المصنعة مثل Kronstadt Group العديد من النماذج التي يجب أن تحمل حمولات كبيرة في نهاية المطاف، وتضم ميزات متقدمة، مثل: قدرات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية لنطاق أطول – لكنها لا تزال بعيدة عن الإنتاج. الطائرات بدون طيار التي تصنعها روسيا حاليا، مثل ذخيرة ZALA / كلاشينكوف KUB، هي أدنى من الخيارات الإيرانية المماثلة بسبب مداها المنخفض ورؤوسها الحربية الصغيرة.على المدى القصير، تؤدي الطائرات بدون طيار الإيرانية دورا مؤقتا حرجا إلى أن يتمكن الكرملين من دعم تصنيع الطائرات بدون طيار محليا. نظرا لدقة العقوبات وتعطيلها لسلاسل التوريد الروسية، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت موسكو ستكون قادرة على الحصول على القدرة الكافية لصنع طائرات بدون طيار على نطاق واسع، لذلك من المرجح أن تقوم الطائرات بدون طيار الإيرانية بدور مهم في الاستراتيجية العسكرية الروسية خلال المستقبل المنظور.

إنَّ استفادة روسيا من الطائرات الإيرانية بدون طيار له مزايا هائلة لإيران. على الرغم من مواجهة عقوبات شديدة على برامجها العسكرية والصاروخية، إلّا إنّ إيران طورت صناعة متقدمة لكل من طائرات المراقبة والهجوم بدون طيار منذ الثمانينيات، عندما أدت الحرب الإيرانيةالعراقية في الأصل إلى ظهور هذه التكنولوجيا. ومع ذلك، لم تحقق سوى نجاح متواضع في بيع أسلحتها لعدد صغير من الدول، بما في ذلك فنزويلا وإثيوبيا والسودان وطاجيكستان.لقد منح انتشار طائرات شاهد ومهاجر لإيران فرصة دعائية مهمة. مع تحول الاهتمام الدولي إلى الهجوم الجوي الروسي الأخير، حظيت الأسلحة الإيرانية باهتمام كبير وعملاء محتملين في المستقبل، لاسيما من الأنظمة المتلاعبة والدول الخاضعة للعقوبات،التي تواجه صعوبات في الحصول على هذه الأسلحة. يوفر ارتباطها بالحملة الروسية تأثيرا مهما في إضفاء الشرعية، وقد يساعد في تحريك صناعة الأسلحة في طهران نحو دور أكثر بروزا كمصدر رئيسي للأسلحة. والأهم من ذلك، ترى إيران في أوكرانيا فرصة للتراجع عن المصالح الأمريكية وإزاحة الحليف الأمريكي الذي حقق مكاسب غير متوقعة في الأشهر الأخيرة.

ولهذه الغاية، كانت إيران حريصة على تسهيل استخدام روسيا للطائرات بدون طيار. وبحسب ما ورد أرسلت مدربين ومستشارين تكتيكيين من النخبة في الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من الجيش الإيراني، إلى شبه جزيرة القرم للمساعدة في حل المشكلات الميكانيكية، وتسهيل إطلاق الطائرات بدون طيار. حتى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي نشرت مقاطع فيديو لهجمات الطائرات بدون طيار في كييف، ربما للتأكيد على براعة نظام أسلحته.

دبلوماسية الطائرات بدون طيار في التركية:

لقد استفادت إيران من نجاح تركيا في إنشاء برنامج قوي لتصدير الطائرات بدون طيار. قبل عشر سنوات، كانت الطائرات بدون طيار إسرائيلية وأمريكية الصنع، هما المصدران الرئيسان للطائرات المسيرة المستخدمة في تركيا. لكن في أوائل عام 2010، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحملة لبناء القدرات المحلية لإنشاء الطائرات بدون طيار ومواد صناعة الدفاع المتحالفة، رداً على التردد المتزايد من قبل المشرعين الأمريكيين في الاستمرار في توفير الطائرات بدون طيار لأنقرة، وكذلك العلاقات المتدهورة مع إسرائيل. أشرفت مؤسسة Baykar Technologies على الاختبارات الأولية لقدرات الضربة الدقيقة لطرازها الجديد TB2 في عام 2015 بعد بداية وعرة (يُقال إنَّ النموذج الأولي تحطم في عام 2010 بعد خمسعشرة دقيقة من الرحلة). بعد ذلك، حققت شركات الطائرات بدون طيار التركية عددًا من التطورات، بما في ذلك إتقان القدرة على شن غارات جوية يتم التحكم فيها بواسطة الأقمار الصناعية، وإنهاء أول رحلة بمحرك محلي، والحفاظ على عمليات الطائرات بدون طيار لأكثر من 24 ساعة.

أطلقت تركيا بسرعة طائراتها بدون طيار للقتال. منذ عام 2019، نفذت أنقرة حملة عقابية من ضربات الطائرات بدون طيار ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، كما ورد أنَّها استخدمت طائرات بدون طيار لشن غارات جوية ضد الجماعات التي تقاتل من أجل قضايا كردية في (11) محافظة في الأقل في جنوب شرق البلاد. لكن طموحات تركيا لطائراتها بدون طيار تتجاوز محاربة هذه المنظمات. في ليبيا، قامت الطائرات بدون طيار المستقلة من الشركة المصنعة التركية STM، بدفع القوات تحت قيادة قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر في عام 2020. وفي العامنفسه، استخدمت القوات الأذربيجانية طائرات بدون طيار تركية TB2 ضد المركبات والقوات الأرمينية – لقطات تم عرضها بعد ذلك على لوحات إعلانية رقمية في باكو. في عام 2021 في إثيوبيا، نجحت قوات تيغراي المتمردة في هزيمة الجيش الوطني الإثيوبي إلى مسافة 100 ميل من أديس أبابا، عندما دفعت غارات بطائرات بدون طيار من طائرات بدون طيار أجنبية جيش تيغراي إلى العودة إلى مقاطعتهم الأصلية. في حين أن الطائرات التركية بدون طيار لم تكن مسؤولة منفردة عن انعكاس ساحة المعركة، فإن أردوغان قد تحالف بشكل واضح مع حكومة إثيوبيا، ووقع اتفاقية عسكرية في عام 2021، ويفتخر بأنّه “حتى في أفريقيا، في كل مكان أذهب إليه، يريدون طائرات بدون طيار”.

كانت مسيرة تركيا لتوسيع نفوذها الجيوسياسي عبر تكنولوجيا الطائرات بدون طيار متعمّدة. قام أردوغان بتسويق الطائرات بدون طيار لمجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك الدول التي واجهت عقبات في الحصول على الطائرات بدون طيار من الموردين الغربيين بسبب قيود التصدير. يتمثل هدف ما يسمى بدبلوماسية الطائرات بدون طيار في تركيا، في توسيع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي ستفيد تركيا وتسمح لها بتعزيز الروابط الإقليمية والعالمية. استثمرت الحكومة التركية بشكل غير مفاجئ ملايين الدولارات لدعم التطوير المستمر لطائرة TB2 بدون طيار؛ في عام 2019، ورد أن تركيا خصصت (105) ملايين دولار لتمويل إضافي لـ TB2. علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين أردوغان وبيرقتار عميقة: في مايو 2016، تزوج المسؤول عن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار من الابنة الصغرى للرئيس، وأصبح “مدافعا صريحا” عن حكومة والد زوجته.

توسع أكبر:

إنَّ تحركات تركيا وإيران لتأمين أسواق جديدة لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار الخاصة بهما، والحصول على فوائد جيوسياسية متكافئة تتناقض مع اتجاه متزايد. في غضون خمس سنوات فقط، انفجر عدد البلدان التي تصنع وتصدر الطائرات بدون طيار: في عام 2017، كانت تسعة بلدان تطور أو تصنع ستة وعشرين نموذجا من الذخائر المتلكئة، وأكثر من (100) نموذج قيد التطوير أو الإنتاج في (24) دولة في الأقل اليوم.

تداعيات هذا التوسع مقلقة. في جزء منه، يعد هذا مؤشرا على تصدعات جيوسياسية أكبر، حيث تستفيد الدول الناشئة من التكنولوجيا الرقمية والأسلحة المتطورة للتنافس على النفوذ والسلطة. كثير من الوافدين الجدد لا يولون سوى القليل من الاهتمام للمعايير الليبرالية أو القانون الإنساني الدولي. بينما يتعين على الشركات المصنعة من الولايات المتحدة وأوروبا والديمقراطيات الأخرى،مواجهة القيود التنظيمية التي تحد من العملاء الحكوميين الذين يمكنهم البيع لهم، تواجه تركيا قيودا أقل، ولا تواجه إيران أي قيود على الإطلاق. ونتيجة لذلك، فإن الخسائر المدنية المرتبطة بالطائرات بدون طيار تتزايد بشكل سريع. في إثيوبيا، يزعم مسؤولو الأمم المتحدة أنَّ الجيش شن هجمات بطائرات بدون طيار ذات “آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان”، بما في ذلك غارة بطائرة بدون طيار على معسكر للنازحين داخليا. في أوكرانيا، أثار استهداف روسيا المتعمد للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، اتهامات بارتكاب جرائم حرب.

سيؤدي انتشار الطائرات بدون طيار إلى المزيد من حوادث إلحاق الأذى بالمدنيين وانتهاكات القانون الإنساني، لا سيما من الأنظمة التي لا تحترم حقوق الإنسان أو قواعد الحرب. توضح الهجمات الأخيرة في أوكرانيا، كيف يمكن للطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة، والتي يتم إنتاجها بكميات كبيرة، أن تعمل كأداة مهمة لتعزيز الطموحات الجيوسياسية للدولة المصدرة.

التحليل:

لقد كانت الطائرات المسيرة المقاتلة في الماضي حكرا على القوى العسكرية العظمى، ولكنها لم تعد كذلك في الوقت الحالي، إذ يشير بعض الخبراء والمتخصصين إلى استخدامها من قِبل المتمردين في العديد من الدول الأصغر. لقد غيرت هذه الطائرة طبيعة الحرب الجوية بحيث أصبح المتحكم في الطائرة غير معرّض لأي خطر حقيقي.

في كثير من الأحيان كان سلاح واحد رمزاً لعصر كامل في التاريخ العسكري. ويبدو أنَّ الطائرات بدون طيار سترمز إلى عصر الاسلحة التي يجري السيطرة عليها عن بعد، وعبر الانترنت والأقمار الصناعية وربطها بالذكاء الاصطناعي.

خلال السنوات الأخيرة، بدأت طهران تنظر إلى الاستثمار في صناعة طائرات المُسيَّرات بعدَّه أداة لتعزيز النفوذ الخارجي، فضلا عن توفير بعض الموارد الاقتصادية؛ ومع طائرة “الشاهد” تسعى طهران إلى استعراض قوتها خارج الشرق الأوسط، وعن طريقهاتسعى إلى اختبار ردة فعل أوروبا والولايات المتحدة. ويشير العديد من المتخصصين والخبراء إلى أنَّ الطائرات من دون طيار الايرانية التي تستخدمها روسيا في حملتها العسكرية، يسلط الضوء على فشل العقوبات الغربية في منع طهران من صناعة كميات كبيرة من الطائرات المسيرة، وتسليح حلفائها بها.