الكاتب: مايكل روبن
الناشر: معهد امريكان انتربرايز
عرض وتحليل: م.د. حوراء رشيد الياسري
ترجمة: هبــة عباس محمد علي
لن يتعاطف التأريخ مع مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي، والباحث في مجال حماية حقوق الانسان،والصحفي الذي كانت واشنطن متفائلة بتسنمه المنصب،على خلفية الاحتجاجات الشعبية الرامية للتخلص من الفساد، وأجبرت حينها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة.
لم يُنتخب الكاظمي من قبل الشعب بل كان رجل اللحظة،وتأمل العراقيون منهُ إجراء إصلاحات على النظام الانتخابي للبرلمان، وتقويض النظام الذي يستغل فيه قادة الأحزاب مناصبهم للمنفعة الشخصية، على حساب الدولة العراقيةوالعراقيين الغاضبين حينها، لأنَّ البنية التحتية في بلادهم التي استخرجت نفطاً بقيمة مئات المليارات من الدولارات،منذ اطاحة واشنطن بنظام صدام حسين تشبه اليوم اليمن وليس دبي.
سجل الكاظمي المخيب للآمال:
خيب الكاظمي الآمال في كل مهمة أوكلت إليه؛ فقد أخفقفي تطبيق اقتراح رئيس الجمهورية برهم صالح بإصلاحالقانون الانتخابي، واوكل المهمة إلى أعضاء البرلمان الذين عدلوه بطريقة غير معترف بها، والتزم الصمت في التعامل مع قضايا الفساد، حيث اختار استرضاء قادة الأحزاب على أمل أن يدعموا توليه الولاية الثانية، وبدلاً من كسر النظام فإنَّه انخرط فيه على الرغم من رفضه للفساد.
كما اتضح فشل الكاظمي في الجانب الأمني ايضاً،فالفصائل المسلحة ازدهرت في عهده، وسوغ موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هجمات تركيا على الأراضي العراقية، ونلاحظ اليوم امتلاك تركيا (٦٠) بؤرة استيطانية على الأراضي العراقية، الأمر الذي يوسع نفوذالجيش التركي جنوباً حتى محافظة ديالى؛ لكن المفارقة هي موقفه من الصحافة، فسجله في القمع يجعله أكبر خصم للصحافة الحرة، من بين قادة العراق في فترة ما بعد صدام، لكنه حقق نجاحاً حقيقياً في قضية السياسة الخارجية، إلا إنَّه بنى انجازاته على مبادرات أسلافه، وكان محقاً عندما قال: إنَّ عادل عبد المهدي ترك خزينة العراق منهوبة وخالية،لكن نجاحه في تأمين رواتب الموظفين جاء بعد أن استفاد من ارتفاع أسعار النفط أكثر من أي إصلاح حقيقي.
هل يمكن أن ينجح السوداني حيث فشل الكاظمي؟
ليس من السهل توقع حدوث هذا الأمر لكن السوداني يتمتع بالكفاءة، وهو كان متفوقاً على أقرانه في محافظة ميسان منذ أكثر من عقد، وعندما كان وزيراً في حكومة نوري المالكي لم يتورط بالفساد، لكن هذا الأمر غير كافٍ في العراق، إذ يدين الكثير من المنتفعين للفساد ويرفضون السماح بأي تغيير للنظام الذي عزز قوتهم؛ ومن جانبهم سيعترف ساسة العراق والمثقفين بأن البلد بحاجة إلى ميثاق جديد، لأنَّ النظام الذي أقامه الدستور الحالي ليس فعالاً،غير أن الكثير منهم سيقاوم الإصلاح، ولهذا فإنَّ إنجاز دستور جديد في ظل غياب الثورة سيكون أمراً مستحيلاً،وربما يكون أفضل طريق لتحقيق ذلك هو الحد من الفساد، المرض الذي لا يمكن الشفاء منهُ.
هل حان وقت تطبيق نموذج ألاسكا و صندوق الثروة السيادي؟
بعد الإطاحة بصدام حسين بقيادة الولايات المتحدة، طرح القيادي العراقي الراحل زعيم المؤتمر الوطني العراقي (أحمد الجلبي) فكرة نموذج ألاسكا، وعدَّه أفضل نموذج للعراق وثروته النفطية، إذ اقترح أن تفتح الحكومة العراقية حساباً بنكياً لكل رجل وامرأة وطفل في العراق، لتودع فيها حصص من عائدات النفط؛ إلا إنَّ بعض المفكرين عارضوا هذه الفكرة حذراً من أنَّ آلية المدفوعات المالية هذه، لن تكون محفزة للعمل وتعزز الاوليغارشية العشائرية، وكانوا على حق في هذه النقطة الاخيرة، لأنَّ النظام الذي طُبق لعقدين تمثل بتمويل البيروقراطية، الأمر الذي ألحق الضرر بالعراقوإيراداته.
إنَّ النظام الحالي يقيد الأعمال، وإنَّ إزالة عشرات المليارات من الدولارات لمداخيل العراق، من شأنه أن يخفف من احتمالات الفساد، لكن على الرغم من أخطائه العديدة،يعترف العراقيون أنَّ الجلبي كان يتمتع بالبصيرة، لذا فإنَّإنشاء صندوق للثروة السيادية قد يؤدي إلى تقليل الغنائم التي بمقدور الفصائل السياسية التقاتل حولها والسعي لحيازتها والاستحواذ عليها.
قد يكون من الصعب وضع دستور جديد لكن يمكن إنشاء مخططات لتقليل هدر الأموال، وبدلاً من أن يضمر القادة العداء لبعضهم، ويضعون مصلحتهم فوق مصلحة البلد؛يجب أن يضعوا في الحسبان إنَّ مخططات هدر المال يمكن أن تحرم خصومهم من الاستفادة من ثروة البلاد وتحافظ على ثرواتهم الخاصة؛ فالعراق أهم من أن يفشل إلا إنَّخيبة الأمل من الكاظمي وغياب أي إصلاحات حقيقية، هي بمنزلة رسائل إلى الشارع العراقي بأنَّ الفرصة الأفضل للتغيير قد تكون عن طريق العنف، وإنَّ الخوف من هذه الديناميكية هو ما يمكن الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية المعتدلة وجهات الإقراض الدولية توجيهه من أجل إجبار العراقيين على تقليل فرصة الفساد والاستثمار في جيل جديد.
التحليل:
عن طريق العرض السابق يتضح لنا تصاعد الانتقادات الموجهة صوب حكومة السيد مصطفى الكاظمي، الذي تولى إدارة الدولة بعد استقالة عادل عبد المهدي، بعد موجة الاحتجاجات التي شهدها العراق، نظراً للمساوئ التي كانت وما زالت تعيشها الدولة ومؤسساتها المختلفة –وإنَّ من جاء بعده لم يكن أفضل حالاً منهُ- حيث تسلم الكاظمي إدارة الدولة، وعلى الرغم من الوعود لم يتم القضاء علىالفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة المختلفة، ولم يأتِ بجديد أو اصلاح يذكر؛ واليوم تسلم محمد شياع السوداني إدارة الدولة ونتأمل خيراً، ولكن الخوف من أن يكون كسابقيه في إدارة مؤسسات الدولة وزيادة الفساد وسوء الخدمات؛ ومن المفارق تطرق الكاتب لموضوع ألاسكا الذي وضح سابقاً ولم يطبق، بالرغم من كونه يصب في مصلحة المواطن العراقي، وهذا ما تعلن عنه أغلب حكوماتنا من أنَّها جاءت لأجل المواطن ومصلحته؛ لذلك كلنا أمل أن تكون حكومة السوداني أفضل من سابقاتها في إدارة الدولة ومؤسساتها،من حيث محاربة الفساد والقضاء على الفقر بضمان مستوى معاشي لائق للمواطن العراقي، فضلا عن توفير الخدمات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والصحية كافة.
رابط المقال باللغة الانكليزية:
https://www.aei.org/op-eds/can-iraqs-new-government-repair-the-country/