أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
كانون الاول 2022
كان وما زال الخليج العربي يتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية كبرى، لا تنافسه فيها أي بقعة على الكرة الأرضية، فهو ملتقى الشرق والغرب، وكانت القوافل التجارية البرية والبحرية تمر خلاله، إلى أفريقيا غربا وأوروبا شمالا وآسيا شرقا والمحيط الهندي جنوبا، فضلا عن احتواء أراضيه على مخزونات هائلة من النفط والغاز والمعادن الأخرى، فأرضه تضم ما يقرب من (510) مليارات برميل من الاحتياطي النفطي، ونسبته من احتياطات النفط العالمية المؤكدة تقدر بـ(60%)، ويسهم في (32%) من إجمالي النفط المتداول في الاسواق العالمية. أمَّا الغاز فيقدر بـ(42) ترليون متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي العالمي. وأمام هذه المعطيات تبرز أهمية الخليج العربي في صناعة الطاقة التقليدية، لاسيما في وقت الأزمات الجيوسياسية، لهذا نرى المنافسة الدولية في المنطقة على أشدَّها، وأخذت أبعادًا سياسية واقتصادية وحتى عسكرية.
قمة الرياض والتي عقدت في 20- 21 ايار 2017، جاءت بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) إلى المملكة العربية السعودية، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه، وتضمنت اجتماعين: أحدهما مع دول مجلس التعاون الخليجي، والآخر مع الدول العربية والإسلامية، وشارك في القمة قادة وممثلون من (55) دولة عربية وإسلامية، وتمخض عن القمة عدة قرارات، منها: توقيع مذكرة تفاهم لتأسيس مركز لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، وزيادة الدعم العسكري الأمريكي لدول المنطقة في مواجهة الارهاب والتهديدات، وعقد قمة سنوية لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال هذه القمة، إلا إنَّ أكثر ما يميز هذه القمة هو التوقيع على صفقة أسلحة بين الولايات المتحدة الامريكية والسعودية تعد الأضخم في العالم بقيمة (400) مليار دولار، شملت على طائرات ودبابات وسفن قتالية وأنظمة دفاع صاروخي ورادارات وتكنولوجيا الاتصالات والأمن السيبراني.
أمَّا القمة الصينية السعودية والتي عقدت في الرياض في إطار زيارة الرئيس الصيني (شي جين بينغ) إلى السعودية، إذ بدأت في 2/12/2022 واستمرت لثلاثة أيام، وضمت أيضا عددًا من قادة الدول العربية، وهذه القمة هي الاكبر منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتؤسس لعلاقات وطيدة بين الطرفين وتعزيز التضامن والتنسيق في ظل الظروف الحالية، كذلك شددت على تأكيد حرص الجانبين المشترك على تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الجانبين لمستقبل أفضل، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار، والزراعة والأمن الغذائي، والصناعة، والنقل والمواصلات، والطاقة، وحماية البيئة، والسياحة، وتنمية الموارد البشرية، والملكية الفكرية والثقافة وحوار الحضارات، والتعليم والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا، والإعلام، والصحة، والتنمية المستدامة.
على الرغم من أنَّ الهدف المعلن لهذه القمم هي تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية والتبادل التكنولوجي والشراكة على المستوى الدولي، إلا إنَّ المنافسة الدولية على المنطقة بين الشرق والغرب الان على أشدّها، ولاسيما بعد الأزمة الاوكرانية وما يواجه العالم من أوضاع اقتصادية صعبة على مستوى التجارة الدولية، ولاسيما ما يخص تجارة الحبوب والطاقة. فالصين وبسبب موقفها من الازمة الاوكرانية، وعدم اتخاذها مواقف تصعيدية عدائية ضد روسيا، كذلك مطالبها المستمرة بضم تايوان، تواجه انتقادات وعقوبات أمريكية غربية مستمرة ضدها، ودعم امريكي علني لدول، مثل: اليابان وكوريا الجنوبية والتايوان للوقوف بوجه الصين، هذا ما دفعها إلى البحث عن أماكن جديدة ومؤثرة للدخول إليها كسواق لمنتجاتها من جهة، وتزويدها بالطاقة اللازمة في حال تأزم الموقف أكثر بين روسيا والغرب من جهة أخرى. إنَّ الصين ورغم روابطها القوية مع روسيا في كل المجالات، إلا إنَّها ايضا حذرة في مسألة تأمين مصادر إضافية للطاقة.
فضلا عن ذلك فإنَّ تجاهل الولايات المتحدة والغرب للتغلغل الصيني في المنطقة وعدم رفضه او انتقاده، مرده إلى إبعاد أو في الأقل إلهاء الصين مؤقتا عن منطقة المحيط الهادئ، والتي تشهد توترا مستمرا، ومنع فتح جبة حرب جديدة في المنطقة مع الحرب الدائرة في اوكرانيا، لأنَّ ذلك من شأنه أن يضعف الدعم الغربي للوقوف بوجه روسيا.
إنَّ القمة الصينية الخليجية وكل ما طرح فيها من مقترحات وعقد اتفاقيات وشراكات اقتصادية وغيرها بين الطرفين، لن تكون لها مخرجات طويلة الامد وذات طابع استراتيجي، فهي تتوقف على نتائج الصراع في اوكرانيا والتوافق الروسي الامريكي على انهاء هذا الصراع وحل المشكلات في المنطقة، كذلك يتوقف على انتهاء حدة التوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي، عندها ستعود الولايات المتحدة وبقوة إلى منطقتها ذات الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية لها، والتي لن ولم تسمح يوما لأي قوة أن تزاحمها عليها مهما كلف ذلك.