الكاتب: ماثيو ب.جودمان وآخرون من قسم الاقتصاد فيمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
الناشر: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) 20 كانون الاول 2022
المترجم: أ.م. مؤيد جبار حسن/ قسم الدراسات السياسية/مركز الدراسات الاستراتيجية
تحليل: م.د. عبير مرتضى حميد السعدي / قسم إدارة الأزمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
بعد عام مضطرب وهو عام 2022، والذي قلب بعضتوقعاتنا حوله، أصبح برنامج الاقتصاد لمركز الدراسات(CSIS) جاهزًا للمحاولة مرة أخرى لفهم العام المقبل. فيمايأتي خمسة أشياء سنراقبها في عام 2023:
1- الاقتصاد العالمي: من المتوقع أن يتباطأ النموالاقتصادي العالمي العام المقبل وسط تضخم مستمر، وإنكان معتدلاً على الأرجح. سوف تتلاشى الدفعة الاقتصاديةمن تخفيف قيود Covid-19 في الاقتصادات الكبرىباستثناء الصين ربما. لا تخطط الحكومات لإجراءاتتحفيزية كبيرة، وستواصل البنوك المركزية الرئيسة التشديدللتصدي للتضخم. قدر صندوق النقد الدولي في تشرينالأول أنَّ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينخفضإلى (2.7%) في عام 2023، انخفاضًا من (3.2%) في عام2022، وأبطأ معدل في العشرين عامًا الماضية، باستثناءالأزمة المالية العالمية في عام 2009، وصدمة كوفيد -19 الأولية في عام 2020.
في الولايات المتحدة كان السؤال الرئيس هو ما إذا كانالاحتياطي الفيدرالي قادرًا على إجراء “هبوط ناعم“، أو ماإذا كان الركود هو السبيل الوحيد لخفض معدل التضخم منأعلى مستوياته في (40) عامًا إلى شيء يقترب من هدف(2%). يتوقع العديد من المستثمرين حدوث ركود، والأسواقفي موقف غريب من رد الفعل السلبي على إشارات استمرارالأجور أو نمو الوظائف، لأنهم يقترحون أن الاحتياطيالفيدرالي قد يضطر إلى رفع معدلات الفائدة فوق (5%)العام المقبل.
في الصين، انتهت سياسة “زيرو كوفيد” الحكومية بشكلمفاجئ، وتمحورت بكين نحو الاستقرار الاقتصادي. بعدمرور موجة العدوى المنتشرة على نطاق واسع، من المحتملأن تؤدي إعادة الافتتاح إلى زيادة الاستهلاك، والتي لم تتلقَسوى القليل من الدعم السياسي المباشر. يمكن أن يستقرقطاع العقارات في الصين استجابة لإجراءات الدعمالأخيرة. ومن غير المتوقع أن تقدم الصادرات الكثير منالدعم للنمو الاقتصادي في ظل ضعف الطلب في أماكنأخرى. سيكون هدف النمو السنوي المعلن في شهر آذارمؤشرا رئيسا، مع هدف أعلى من (5%) يشير إما إلىالعودة إلى التحفيز الموجه نحو الاستثمار أو الافتراضاتالمتفائلة حول مقدار تحسن الاستهلاك.
في أوربا، يمكن أن تؤدي أزمة الطاقة والتضخم في جانبالعرض إلى ركود إقليمي. من المحتمل أن يستمر البنكالمركزي الأوربي في رفع أسعار الفائدة، وإن كان ذلك أقلمن الاحتياطي الفيدرالي، في حين توازن الحكومات الوطنيةبين ضبط الأوضاع المالية العامة والحاجة إلى مساعدةالمستهلكين والشركات على إدارة أسعار الطاقة المرتفعة.
سيستمر العالم في التعامل مع آثار ارتفاع أسعار الفائدةوالدولار القوي. قد تتخلف العديد من البلدان النامية عنسداد ديونها بالعملات الأجنبية العام المقبل. كما أسهمتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة في انخفاضسيولة سندات الخزانة الأمريكية، مما قد يجعل هذه السوقالحيوية عرضة للصدمات.
2- فن الإدارة الاقتصادية الأمريكية في آسيا: سيكونالتقدم خلال العام المقبل في مبادرة بايدن للإطارالاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF) منأجل الازدهار التي تعد بمنزلة اختبار لاستراتيجيات البيتالأبيض الأوسع في آسيا والاقتصاد. إذ بعد الجولة الأولىمن المفاوضات التي عقدت في مدينة بريزبن الاسترالية فيهذا الشهر، من المرجح أن تزداد وتيرة المحادثات خلال هذا العام، إذ تأمل إدارة بايدن في الحصول على بعض النتائجالملموسة في الأقل قبل منتصف تشرين الثاني، ولاسيما بعد أن رحب بقادة ابيك – قادة منتدى التعاون الاقتصاديلمنطقة المحيط الهادئ (APEC) في سان فرانسيسكو.
وعلى ما يبدو أن العناصر الواعدة في المبادرة والتي تقودهاوزارة التجارة الأمريكية، هي تركز بشكل خاص في مرونةسلاسل التوريد والطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة. كما يمكن ملاحظة بعض التقدم في الركيزة التجارية التي يسرت قطاعي: التجارة والزراعة. ومع ذلك، يبدو أنَّ مكتبالممثل التجاري للولايات المتحدة أقل حماسة بشأن الضغطمن أجل اتفاقية التجارة الرقمية، على الرغم من المخاطرالتي تواجهها الشركات الأمريكية –الكبيرة والصغيرة– والعاملين في رؤية القواعد الرقمية المفضلة للولايات المتحدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما إذا كان كل هذا سيطمئنالحلفاء والشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأنَّالولايات المتحدة ملتزمة بالمشاركة الدائمة في الشؤونالاقتصادية للمنطقة. مع عدم رغبة إدارة بايدن في الحصولعلى موافقة الكونجرس على اتفاقية تجارية رسمية حتى الآنتتضمن عروض وصول أكبر إلى السوق الأمريكية، لذا سيبحث الشركاء عن مزايا أخرى ملموسة ودائمة منواشنطن، عن طريق المبادرة الاقتصادية للمحيطين: الهادئ والهندي أو مبادرات أخرى.
وفي الوقت نفسه، سيراقب الشركاء الإقليميون أيضًاالعلاقات الاقتصادية الأمريكية مع الصين بحذر. في حينشجعها اتفاق الرئيسين بايدن وشي جين بينغ فياجتماعهما في تشرين الثاني في بالي على إعادة إنشاءمجموعات عمل ثنائية حول مجموعة من القضايا، من تغيّرالمناخ إلى الديون، ويشعر العديد من الشركاء بالقلق منالمشاعر التي لا تزال متشددة على كلا الجانبين، والجهودالتي يبذلها كلاهما: بكين وواشنطن، لفصل اقتصاداتهمافي مجالات مستهدفة، مثل: التقنيات الحيوية.
3- ضوابط تصدير التكنولوجيا: سيحقق العام المقبلتوسعًا في استخدام ضوابط التصدير، حيث تركز إدارةبايدن بشكل متزايد في حماية التقنيات الحيوية وتعزيزها على خلفية المنافسة الاستراتيجية المكثفة مع الصين.
في 7 تشرين الاول، كشفت الولايات المتحدة النقاب عنضوابط التصدير، التي تهدف إلى حرمان الصين منالوصول إلى أشباه الموصلات المتطورة والمعدات اللازمةلإنتاجها. مثلت هذه الخطوة نقلة نوعية في استراتيجيةمراقبة الصادرات الأمريكية، إذ لم يعد يُسمح للأعداءبالارتقاء في سلم التكنولوجيا على مسافة آمنة خلف الولاياتالمتحدة؛ بدلاً من ذلك، سيتم استخدام الضوابط لضماناحتفاظ الولايات المتحدة “بأكبر قدر ممكن من الصدارة“.
بالنظر إلى المستقبل، تسعى إدارة بايدن إلى إضفاء الطابعمتعدد الأطراف على ضوابط أشباه الموصلات. على الرغممن أنَّ واشنطن مهيمنة في بعض القطاعات الفرعيةالرئيسة لمعدات تصنيع أشباه الموصلات، فإنَّ الشركاتاليابانية والهولندية هم أيضًا لاعبون مهمون في هذا المجال. إذا لم يتفق الهولنديون واليابانيون عن طيب خاطر، يمكن أنتهدد إدارة بايدن باتخاذ إجراءات تتجاوز الحدود الإقليمية،كما فعلت أمريكا بشكل متزايد عن طريق ما يسمى قاعدةالمنتج الأجنبي المباشر. ومع ذلك، قد يتطلب ذلك من الإدارةإنفاق رأس المال الدبلوماسي، ويمكن أيضًا أن يحفزالشركات الأجنبية على نزع الطابع الأمريكي عن سلاسلالتوريد الخاصة بها.
وخلال عام 2023، من المرجح أن تتطلع إدارة بايدن أيضًاإلى تنفيذ ضوابط تصدير شاملة مماثلة تستهدف التقنياتالمهمة الأخرى. يوفر الأمر التنفيذي الصادر في ايلولبشأن فحص الاستثمار دليلًا مفيدًا حول ماهية تلكالقطاعات. على وجه التحديد، حدد الأمر التنفيذي“الإلكترونيات الدقيقة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجياالحيوية، والتصنيع الحيوي، والحوسبة الحكومية، والطاقةالنظيفة المتقدمة، وتقنيات التكيف مع المناخ“، جميعها“أساسية للقيادة التكنولوجية للولايات المتحدة، وبالتاليالأمن القومي“. تشير الطبيعة الشاملة لعناصر التحكم فيأشباه الموصلات في 7 تشرين الاول، إلى أنَّ الإدارة قدتتطلع أيضًا إلى الاستفادة من نقاط الاختناق الاستراتيجيةالتي قد تبطئ او تدهور قدرات الصين. على الرغم منالخطاب حول العمل مع الحلفاء والشركاء، وقد لا تنتظرإدارة بايدن لتشكيل توافق قبل المضي قدمًا في ضوابطجديدة.
4- سياسة البنية التحتية وتمويل التنمية: ستظلالبنية التحتية العالمية عنصرًا أساسيًا في السياسةالخارجية لإدارة بايدن في عام 2023، حيث تتطلع إلىإضافة المصداقية إلى عدد كبير من المبادرات المتعلقة بالبنيةالتحتية، بما في ذلك الشراكة من أجل البنية التحتية العالميةوالاستثمار ((PGII، والمبادرة الاقتصادية للمحيطين:الهادئ والهندي ((IPEF، وشبكة النقطة الزرقاء (BDN)،وشراكة البنية التحتية الثلاثية (TIP)، ومنتدى الأمنالرباعي (Quad). تم تصميم هذه الجهود للتنافس معمبادرة الحزام والطريق الصينية مع وضع معايير للبنيةالتحتية للجودة.
كان هناك عدد قليل من المشاريع المنفذة بموجب المبادرات لحد الان، فقد أعلنت شراكة البنية التحتية الثلاثية ((TIPالمكونة من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا في تشرين الاول 2020 عن مشروع لتوصيل كابل ألياف ضوئية تحتسطح البحر إلى بالاو، وفي تشرين الثاني 2022، دعماستحواذ شركة الاتصالات الأسترالية Telstra) Digicel)على جزر المحيط الهادئ. يعكس كلا المشروعين خطواتللتنافس مع الصين في قطاع ومنطقة كانت فيها اليد العلياحتى الآن. فيما حققت الرباعية التي تضم دول TIPبالإضافة إلى الهند، بعض النجاحات وأبرزها مشروعتصنيع وتوزيع لقاح كوفييد-19 الذي تم الإعلان عنه فيآذار 2021.
تظل كل من مبادرتي: ( PGII و IPEF ) هي طموحات تهدف فيها الأول إلى إيجاد وتعبئة 600 مليار دولار علىمدى خمس سنوات لتمويل مشاريع البنية التحتية، وهذا مايتم التطرق إليه في مبادرات ومفاوضات (IPEF). في حين تتخذ BDN أيضًا خطوات لإنشاء إطار عمل للمصادقة علىالبنية التحتية على أنها عالية الجودة ومستدامة ولكن لا يزالأمامها طريق طويل لتقطعه.
تحتاج البلدان النامية إلى استثمارات في البنية التحتية،ولكن ما يقرب من (60%) من البلدان منخفضة الدخلتعاني الآن من ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير ولايمكنها انتظار تنفيذ هذه المبادرات. كما أنَّ معظم مشاريعالبنية التحتية ليست مربحة، لذلك يعزف القطاع الخاصعنها، لذا يجب على الولايات المتحدة وشركائها مواجهة هذهالتحديات المختلفة، عن طريق تحديد التمويل المناسبوايجاده، بما في ذلك الإقراض بالعملة المحلية والقروضالميسرة، وزيادة الرغبة في المخاطرة.
5- تمويل المناخ: مع إقرار قانون الحد من التضخم الذييحشد الاستثمار في الطاقة النظيفة محليًا، نتوقع جهودًامعززة في عام 2023، لتعزيز الاستثمار للتخفيف من حدةتغير المناخ والتكيف معه على مستوى العالم. لا تزال هناكأسئلة كبيرة حول التمويل والآليات الخاصة بـ “صندوقالخسائر والأضرار“، الذي تم الإعلان عنه الشهر الماضيفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27)،وعلاقة الصندوق بالتزامات تمويل المناخ في اتفاقية باريس،ودور المؤسسات المالية الدولية في تمويل المناخ و“المنافعالعامة العالمية” الأخرى. يحث العديد من المساهمينوالخبراء الخارجيين بنوك التنمية متعددة الأطراف علىتعزيز الإقراض ودعم المزيد من الاستثمار الخاص، بما فيذلك سياق شراكات التحول للطاقة العادلة (JETPs). تمالإعلان بالفعل عن JETPs مع جنوب إفريقيا وإندونيسيا،وهي قيد المناقشة مع فيتنام والهند والسنغال، كما أعلنقادة مجموعة السبع هذا الشهر. من المتوقع أن ينتج عن هذهالمشاريع المشتركة (JETP) استثمارات تصل إلى عشراتالمليارات من الدولارات، وهو مبلغ مثير للإعجاب ولكنه لا يزاليمثل قطرة في بحر الاموال اللازمة خلال العقود القليلةالقادمة، لتحقيق أهداف المناخ والتنمية ذات الصلة. وعلىالمدى الطويل، سيكون التسعير الذي يعكس الآثار غيرالمباشرة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، هو المفتاحلتغيير السلوك بشكل مستدام، وتوجيه كل من التجارةوتدفقات رأس المال.
https://www.csis.org/analysis/five-things-watch-2023
تحليل:
من الصعب التوقع بأهم الأحداث التي قد تحدث في الاقتصاد العالمي خلال عام 2023 ، لاسيما في ظل استمرار الازمة الأوكرانية -الروسية، ودخول الصين في موجة جديدة لجائحة كورونا وانغلاقها عن العالم، والعاصفة الثلجية التي ضربت الولايات المتحدة وأوروبا. إلا إنَّ من المؤكد أنَّ كل تلك العوامل قد تشل أو تبطئ من عجلة النمو في الاقتصاد العالمي، وتجعله يدخل في دوامة الركود، وهذا مااكدت عليه مديرة صندوق النقد الدولي كريستاليناجورجيفا “، بأنَّ عام 2023 سيكون صعبا على معظم الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تعاني فيه معظم المحركات الرئيسة للنمو العالمي، وهي الولايات المتحدة وأوروبا والصين، من ضعف نشاطها الاقتصادي“.
لذا قد تواجه الاقتصادات الرئيسة الثلاثة انخفاض كبير في معدلات النمو مقارنة بالعام السابق، مع استمرار التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا،فضلا عن ضغوط التضخم ومعدلات الفائدة المرتفعة التي وضعتها البنوك المركزية، مثل: مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأميركي)، لكبح جماح ضغوط الأسعار. في حين تعيش بلدان أوبك بلس حالة من استقرار في أسعار النفط والنمو في الطلب على النفط في ظل اتفاق تحديد كمية النفط المصدر مع وجود بعض المشكلات في الامدادات التي قد تعيق عملية التصدير.