ارتفاع سعر صرف الدولار الموازي مقابل الدينار العراقي ومقتضيات إصلاح نافذة بيع العملة في البنك المركزي

      التعليقات على ارتفاع سعر صرف الدولار الموازي مقابل الدينار العراقي ومقتضيات إصلاح نافذة بيع العملة في البنك المركزي مغلقة

أ.د عدنان حسين الخياط / باحث مشارك في قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

إشـكالية إدارة سعر الصرف في ظلِّ واقع الاقتصاد العراقي:

        لقد واجهت السلطة النقدية صعوباتٍ عديدة في إدارة سعر الصرف، مع وجود الانفصام في العلاقة بين عملية التحرير المالي والنقدي، في ظل سعر الصرف الثابت واستقلالية السياسة النقدية،وبين الفشل الذي أصاب عملية إدارة الاقتصاد والتنمية بعد عام 2003، في ظل غياب الدور التنموي للقطاع الخاص، لبناء اقتصاد سوق منتج متنوّع السلع والموارد، وتحريره من الهيمنة المالية التي فرضها قطاع النفط الخام على الموازنة العامة، وتأثيرنفقاتها في عرض النقد، وحجم الكتلة النقدية المؤثرة في مستويات الأسعار المحلية. وإنّ ما نجم عن هذه الاشكالية، هو زيادة الصعوبات أمام السياسة النقدية في أداء وظائفها التنموية، ممّا جعلها تركّز بقدر أكبر في استقرار الأسعار، وكبح الضغوط التضخمية الناجمة عن عجز الانتاج السلعي المحلي، وزيادة الاعتماد على الاستيرادات.

  وعلى الرغم من التركيز الذي تُوليه السلطة النقدية، لمسألة استقرار سعر الصرف والأسعار المحلية، والدفاع عن سعر صرف ثابت للدينار العراقي عند مستوياتٍ محدودة الحركة، إلاّ إنّ اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي في نافذة بيع العملة والسعر الموازي، من شأنهِ أن يزيد من التكلفة النقدية لسعر الصرف الرسمي، فيما يتعلق بانعكاساتهِ على أسعار السلع في الأسواق المحلية التي تتأثر بسعر الصرف الموازي، سواء السلع التي يتم شراؤها بالعملة المحلية، أو التي تتحقق مشترياتُها من خلال الدفع المباشر بالدولار. ولذلك فإنّ معيار استقرار الأسعار يكمن في مدى قدرة السلطة النقدية في السيطرة على سعر الصرف الموازي، وجعله يقترب من السعر الرسمي ضمن حدودٍ ضيّقة من التفاوت، تُسهم في تقليص أرباح الوسطاء في سوق الصرف الموازي, وإنّ ضعف انضباط التحويلات المالية من شأنهِ أن يفرضَ واقعاً من اختلال العلاقة بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي, والذي يمكن أن يؤول إلى:    

1. امكانية فرض سوق الصرف الموازي هيمنته على بيع العملة الأجنبية وشرائها.

2. ارتفاع درجة الهيمنة لسوق الصرف الموازي من شأنهِ أن يؤدي إلى أن يكون سعر الصرف الموازي هو المعيار لتحديد أسعار السلعوالخدمات وليس سعر الصرف الرسمي.

3. الحد من قدرة البنك المركزي على تحقيق السيطرة على كمية العملات الأجنبية والمحلية داخل الاقتصاد الوطني، وزيادة الاحتمالات أن يكونَ جزءٌ من هذه العملات خارج الدورة الاقتصادية الرسمية.

4. زيادة الضغوط التضخمية واضعاف دور السياسة النقدية في الحفاظ على استقرار الأسعار، وفقا لدرجة الهيمنة التي يفرضها سعر الصرف الموازي، وتأثيراته في أسعار السلع والمواد في الأسواق المحلية.

5. عند اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي،يتحمّل المستهلكون الارتفاع في أسعار  السلع والمواد، ويؤدي ذلك إلى انخفاض القوة الشرائية لدخولهم , مقابل زيادة أرباح المستوردين والوسطاء في سوق العملة والأسواق التجارية, مهما كان مستوى سعر الصرف الرسمي.

إنّ من المسوغات التي استحدثت بموجبها نافذة بيع العملة بعد عام 2003, هو من أجل تلبية الطلب على العملة الأجنبية ولاسيّما لأغراض المدفوعات عن الاستيرادات, في ظل فرضية التحرير الاقتصادي من هيمنة الدولة المركزية، والتحوّل نحو منهج اقتصاد السوق، الذي كان من المفترض انتهاجه سبيلاً  لتحقيق النهوض الاقتصادي, وكان من اجراءات هذا التحرير إلغاء (دائرة الرقابة على التحويل الخارجي) التابعة للبنك المركزي، التي كانت مسؤولة عن تنظيم عمليات التحويلات المالية، والتنسيق مع وزارة التجارة لتأمين رقابة النظام المصرفي على المدفوعات الخارجية، وفق مناهج الاستيراد السنوية واجازات الاستيراد الحقيقية, فضلاً عن نظام الاعتمادات المســتندية الذي تمارسهُ المصارف لتغطية مفردات الاستيراد, كما تضطلع دائرة الرقابة على التحويل الخارجي بمهام تلبية الاحتياجات النقدية من العملة الأجنبية عن طريق المصارف للأغراض الأخرى, كالسفر إلى الخارج للأغراض المختلفة. وقد كان من نتائج إلغاء دائرة التحويل الخارجي، أن أصبح هناك تحوّل في عمليات التمويل للمدفوعات الخارجية إلى (نافذة بيع العملة الأجنبية)، التي أصبحت إحدى الأدوات التي يمارسها البنك المركزي بشكلٍ يومي، لتلبية الطلب على العملة الأجنبية والحفاظ على استقرار سعر الصرف والمستوى العام  للأسعار.

ومن اجراءات التحرير النقدي والمالي الأخرى, التوسع في عدد المصارف الأهلية الخاصة، من نحو (17) مصرفًا في عام 2003 إلى نحو ما يقرب من (80) مصرفًا, بعد صدور قانون المصارف رقم (94) لسنة 2004، وكان الهدف الأساس منهُ هو إرساء نظام مصرفي يعمل وفق المعايير الدولية، لدعم جهود التنمية والمساهمة في تنويع الاقتصاد العراقي، وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية استنادًا إلى منهج اقتصاد السوق, إذ تم السماح بإنشاء عددٍ من المصارف المحلية والأجنبية, فضلًا عن عددٍ من شركات الوساطة والتحويل المالي، واطلاق حرية التحويل الخارجي باستثناء ما له علاقة بغسيل الأموال وتمويل الارهاب. إلاّ إنّ هذا المسار في التحرير النقدي والمالي ظلَّ أحاديّ الجانب، دون تحرير الاقتصاد العراقي من هيمنة موارد النفط والتحوّل نحو اقتصاد السوق الانتاجي, ومن ثم فإنّ تجربة المصارف الأهلية الخاصة بعد عام 2003, لم تُفصح عن مساهمة حقيقية في المجالات التنموية التي أنشـئت من أجلها، في إطار حالة الضعف التي شهدتها قطاعات الانتاج المحلية، وذهاب جانب من عمل هذه المصارف نحو التركيز في أنشطة الاستيرادات والتحويلات المالية المموّلة من نافذة بيع العملة, وما شـاب بعض هذه التحويلات من ابتعادٍ عن أغراضها الحقيقية, ممّا أصبح يشـكّلَ فجوة بين ما يدخلُ من سلعٍ مستوردة فعلاً تحتاجها الأسواق العراقية, والتحويلات المالية لأغراض الاستيرادات المموّلة من نافذة بيع العملة، والتي تُشـكّل نحو (80%)من مبيعات الدولار, في حين يصل معدل مجموع المبيعات إلى ما يزيد عن (200) مليون دولار يومياً، للأغراض المختلفة ومنها الأغراض النقدية.

والملاحظ أنّ الاتساع الذي حصل في قيمة الاستيرادات المموّلة بالدولار من نافذة بيع العملة, قد جرى دون أن تشـكّل هذه الســعة في قيمة الاستيرادات، وعاءً ضريبيًا ذا جدوى حقيقية في تنويع الإيرادات العامة من حصيلة الضريبة الكمركية, أي بالرغم من وجودالوعاء الواسع للضريبة الكمركية، والذي يتمثّل في قيمة الاستيرادات المغطّاة من نافذة بيع العملة, إلاّ إنّ حصيلة الضريبة الكمركية لم تكن تتناسب مع قيمة الاستيرادات الفعلية الداخلة الى الأسواق المحلية، وحجم التحويلات المالية إلى الخارج.

ارتفاع سعر صرف الدولار الموازي ومقتضيات الاصلاح المالي:

مع الأهمية الواضحة للوظيفة التي تمارسها نافذة بيع العملة، إلاّ إنّها ليست الخيار الأمثل لتلبية الطلب على العملة الأجنبية، في ظلّ الواقع الذي آلت إليهِ، ومن ثم كان لابدَّ من إصلاح آلية عملها منذُ وقتٍ مبكر، وفق اجراءاتِ اصلاحٍ محلية، قبل أن تُفرض من الخزانة الأمريكية والفدرالي الأمريكي, ويشير ذلك إلى مدى أهمية التغييرفي المنهج والسياسات التي أدّت إلى الفشل التنموي في العراق, ومنها ضرورة اصلاح النظام المصرفي وتأمين عملية اندماجهِ، بما يحتاج إليهِ الاقتصاد العراقي من نهضةٍ صناعية وزراعية واستثمارات للنهوض بالقطاع السياحي, والتي يمتلك من مقوماتهاالعراق الكثير من الموارد والكنوز. وبذلك فإنّ معيار النظام المصرفي ليس بكثرة عدد المصارف وتحويلاتها المالية, بل بالعدد الذي يتمكّن من الاندماج باستثمارات محلية، من شأنها أن تسهم في تعزيز مسارات التنمية الوطنية وخلق فرص العمل, فضلاً عن الامتثال لعملية تنظيم التجارة الدولية، وفقاً لما تتطلبهُ ضوابط الاستيراد والمدفوعات الدولية.

وفي ظل أزمة ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي، التي شهدها سوق الصرف الموازي في نهاية عام 2022, فقد أدّت بعض التحويلات المالية التي تخرج عن ضوابط البنك المركزي, إلى إخراج بعض المصارف من نافذة بيع العملة، وفرض ضوابط جديدة على مصارف أخرى, وأدى ذلك إلى قلة مبيعات الدولار عن طريق النافذة, مع استمرار حالة الطلب في السوق الموازي، ممّا أسهم في ارتفاع السعر الموازي من معدلهِ الاعتيادي، الذي كان يتراوح بين (1470- 1480) دينار للدولار الواحد, إلى ما يزيد عن (1600) دينار للدولار الواحد، قبل أن ينخفض إلى مستوياتٍ أدنى, متجاوزًاسعر النافذة للبنك المركزي (1460) بعددٍ من النقاط.

  واللافت في هذه المرة إنّ سعر صرف الدولار قد ارتفع مقابل الدينار، نتيجة عوامل ضاغطة أدت إلى زيادة الطلب على الدولار في سوق الصرف الموازي. وتختلف هذه الحالة عن التخفيض الذي حصل في سعر صرف الدينار مقابل الدولار في نهاية عام 2020،والذي كان وفق اجراءٍ حكومي يتعلق بتغيير سعر صرف الدولار في نافذة بيع العملة، وانعكاساته على حساب الايرادات ونسبة العجز في الموازنة العامة, في حين إنّ الارتفاع الحالي في سعر الدولار يتعلق بسعر الصرف الموازي، بالرغم من بقاء سعر الصرف الرسمي في نافذة بيع العملة على حالهِ.  

إنّ محاولة إصلاح آلية نافذة بيع العملة، عن طريق اعتماد المنصّة الإلكترونية، والتحوّل التدريجي نحو تطبيق الضوابط الجديدة, يُعدُّ إجراءً مهمًا من أجل تنظيم عمليات التحويل الخارجي، ومنع تهريبالعملة وعمليات غسيل الأموال, بما يستجيب لمعايير التحويلات المالية الدولية، ويسهم في تعزيز الاســتدامة المالية لسعر صرف العملة الوطنية، وتوفير ظروفٍ أفضل لمساهمة النظام المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية. ومن شأن الطريقة الجديدة أن تساعد في التدقيق في أصل الأموال المشاركة في نافذة بيع العملة, في ضوء  المعلومات المتعلقة بإجازات وفواتير الاستيراد، ومناشئ السلع المستوردة وشهادات الشحن والناقل للبضائع, وصولاً إلى المستفيد النهائي من التحويلات المالية. إنّ نجاح التطبيق في هذا المجال من شأنهِ أن يسهم في تعزيز الثقة بالنظام المصرفي العراقي، ويساعد في خلق بيئة مناسبة لتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية،وجذب الشركات الرصينة للمساهمة في مشاريع التنمية الاقتصادية, كما يسهم في توفير الأموال المحوّلة إلى الخارج ودعم رصيد الاحتياطيات النقدية, فضلاً عن جعل مبيعات الدولار في نافذة بيع العملة، أكثر قدرة على اســــتهداف الحاجات الحقيقية من السلع والمواد المستوردة التي تحتاج إليها الأسواق العراقية, وفي ذلك اصلاحٌ وتنظيم أفضل لعمليات الاستيراد عن طريق الحوكمةالمصرفية.  

لقد أدى الإعلان عن الضوابط الجديدة، إلى إحداث تغيّرات في هيكل مبيعات الدولار في نافذة بيع العملة, الموزعة بين المبيعات لأغراض التحويلات والاستيرادات والمبيعات لتلبية الأغراض النقدية, ففي حين انخفضت عمليات البيع لأغراض التحويلات والاستيرادات, نلحظ حصول زيادة في مبيعات الدولار النقدي, ممّا يشير إلى وجود تحوّل في زيادة الطلب على الدولار النقدي, وبضمنها بعض مصادر الطلب التي لم تتمكّن من الامتثال للضوابط الجديدة, وشـكّل ذلك أحد الأسباب لاستمرار ارتفاع  سعر الصرف الموازي، على الرغم من زيادة مبيعات الدولار من نافذة بيع العملة المخصصة للأغراض النقدية. والجدول الآتي يوضّح مبيعات الدولار لشهر كانون الأول لسنة 2022 مقارنةً بالشهر نفسهِ لسنة 2021:

السنة

مجموع مبيعات الدولار (مليار دولار)

المبيعات لأغراض التحويلات والاستيرادات (مليار دولار)

نسبة المبيعات لأغراض التحويلات والاستيرادات %

كانون الأول2021

4,114,097,333

3,189,907,333

77,5 %

كانون الأول 2022

2,409,116,218

1,549,106,218

64,3 %

المصدر: تم حساب النتائج من بيانات نافذة بيع العملة للبنك المركزي

استنادًا إلى بيانات الجدول, نلحظ حصول انخفاض واضح في مبيعات نافذة بيع العملة من الدولار، خلال شهر كانون الأول من عام 2022، بعد الإعلان عن الضوابط الجديدة, مقارنةً بالشهر نفسهِ من عام 2021, إذ انخفض مجموع المبيعات من (4,114,097,333) مليار دولار, إلى (2,409,116,218) مليار دولار, كما انخفضت المبيعات لأغراض التحويلات والاستيرادات من (3,189,907,333) مليار دولار وبنسبة (77,5%) من مجموع المبيعات إلى (1,549,106,218) مليار دولار وبنسبة (64,3%) من مجموع المبيعات, بالرغم من الانخفاض الحاصل في المبيعات. ويشير ذلك إلى الأثر الذي مارســتهُ الضوابط الجديدة، وتحوّل بعض ذوي العلاقة من نافذة بيع العملة إلى سوق الصرف الموازيوشركات التحويل المالي لإنجاز معاملات التحويل, ممّا شــكّل زيادة واضحة في الطلب على العملة الأجنبية في سوق الصرف الموازي،وأدى إلى زيادة تحكّمهِ في سعر الصرف، بالرغم من زيادة منافذ البيع النقدي، وزيادة مبيعات الدولار للأغراض النقدية.  

وخلال الأيام الاثني عشــر الأولى من كانون الثاني عام 2023, أي من (1|1 ولغاية 12|1), بلغ مجموع المبيعات من الدولار في نافذة بيع العملة (774,658,398) مليون دولار, وبلغت المبيعات لأغراض التحويلات والاستيرادات (291,808,398) مليون دولار, وبنسبة (37,7%) من مجموع المبيعات. في حين بلغت المبيعات للأغراض النقدية (482,850,000) مليون دولار, أيّ بنسبة (62,3%) من مجموع المبيعات. ممّا يشير أيضاً إلى حالة الانكماش الحاصلة في الطلب على الدولار، من نافذة بيع العملة لأغراض التحويلات والاستيرادات، وزيادة الطلب للأغراض النقدية لتلبية الطلب النقدي المتزايد، الذي تحوّل إلى سوق الصرف الموازي.

إنّ ما اعتاد عليه المعنيّون بشؤون التحويلات المالية من التجار وغيرهم, منذُّ اجراءات التحرير المالي بعد عام 2003, قد جعل عملية التكيّف للضوابط الجديدة تتطلب بعض الوقت, وإنّ ما شــهدهُ السوق الموازي من ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي, هو نتيجة عوامل غير اقتصادية تعود إلى حالة الارتباك في سوق الصرف الموازي، وحصول زيادة  في الطلب النقدي على الدولار من قبل الباحثين عن ســهولة الحصول على العملة الاجنبيةوالتحويل المالي, ومن ثم فقد تحوّل جانب من الطلب على الدولار من نافذة بيع العملة إلى سوق الصرف الموازي. ولذلك فإنّ العامل الأساس الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي, يكمن في زيادة الطلب على الدولار في هذه السوق، وما تتضمنهُ من امكاناتٍ أسهل لعمليات التحويل المالي، دون المرور بالضوابط الجديدة وما تتطلبهُ من اعتمادات مستنديه، وافصاحٍ عن التفاصيل المتعلقة بالتحويلات, وإنّ الحد من حالة الاتساع التي يفرضها سوق الصرف الموازي، تتطلب المرونة في التعامل مع تطبيق الضوابط الجديدة من قبل الجهاز المصرفي، وزيادة الحوافز للمتعاملين مع عمليات التحويل النظامية، في إطار تسهيل اجراءات التحويل المالي والمعاملات المتعلقة بالاعتمادات المســتنديةوالمدفوعات عن الاستيرادات, مع اجراءات لتنظيم عمليات التحويل عن طريق المصارف الأهلية الخاصة وشركات الوساطة المالية، بما لا يتعارض مع التوجهات الجديدة، ويشجّع على التحوّل التدريجي لزيادة التعامل مع عمليات التحويل المالي النظامية، التي من شأنها تأمين اجراءات التحويل وضمان عمليات الاستيراد، ووصول البضائع إلى المســتوردين وفق الاجراءات النظامية. وإنّ تشجيع التعامل مع هذا المسـار من شأنهِ أن يسهم في تقليل الطلب على الدولار في سوق الصرف الموازي، ويحدّ من دورهِ في عمليات التحويل المالي, بما يكبح جماح سعر الصرف الموازي، ويجعلهُ أكثر اقتراباً من سعر الصرف الرسمي في نافذة بيع العملة.  

إنّ إعادة هيكلة مصادر الطلب على الدولار في نافذة بيع العملة عن طريق الاجراءات الجديدة, من شأنها أن تمكّن الجهات المشاركة في نافذة بيع العملة، من الحصول على احتياجاتهم من العملة الأجنبية, وإنّ الوفرة المالية وما يمتلكهُ البنك المركزي من احتياطيات نقدية وغطاء واسع للعملة الوطنية, من شأنها أن تُوفّر الدعم المطلوب للدينار العراقي والاستجابة لاحتياجات الطلب على الدولار،وتحجيم الأثر الذي يمارسهُ سعر الصرف الموازي في سوق العملة. كما أنّ شــحّة الدينار الناجمة عن انخفاض مبيعات الدولار في نافذة بيع العملة, يمكن معالجتها عن طريق إصدار نقدي يتوفّر لهُ الغطاء الكافِّ من الدولار، لمواجهة احتياجات المالية العامة إلى الدينار، لغرض الايفاء بمتطلبات النفقات العامة, ومنها فقرة الرواتب التي قد تتجاوز  (60) تريليون دينار في موازنة 2023.  

إصلاح مسـار التنمية والحد من أثر ارتفاع سعر الصرف الموازي:

أولا: إنّ الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار العراقي وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية, يتطلب الدعم والتنسيق بين جميع الجهات المسؤولة عن ادارة الاقتصاد العراقي, ولاسيّما بين السياسات الاقتصادية، النقدية والمالية والتجارية, في إطار اجراءات من شأنها الحد من هيمنة الدولار على التعاملات التجارية المحلية, جنبًا إلى جنب مع دعم المساعي المبذولة لتنظيم التحويلات المالية الخارجية. إذ إنّ اشكالية إدارة سعر صرف الدينار العراقي لا تكمن في نقص الموارد من الدولار, وإنّما في مدى توفّر الارادة الوطنية القادرة على التنظيم والحوكمة، باتجاه حماية موارد العراق من العملة الأجنبية،وتوجيهها لمصلحة التنمية ورفاهية المجتمع. ومن ثم فإنّ تعزيز جهود الاصلاح ينبغي أن يكونَ عبر جهود تنموية متكاملة، تكون السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف أحدَ أطرافها, ويتطلب ذلك إصلاح واقع الاقتصاد العراقي، وتمكين القطاع الخاص من التحوّل من مستهلكٍ للعملة الأجنبية إلى منتجٍ لها، عن طريق الاندماج بالأنشطة الانتاجية الحقيقية، لتنويع الانتاج الوطني والصادرات السلعية, إذ تُعدّ عملية التنويع الاقتصادي الغطاء الحقيقي المسـتدام للعملة الوطنية، ومستوى سعر الصرف الداعم للحياة المعيشية الكريمة لجميع فئات المجتمع.  

ثانيا: إنّ ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي، بأعلى من معدلهِ الاعتيادي، في ضوء التوجّه نحو تطبيق الضوابط الجديدة, يتطلب اجراءات حكومية للحد من أثر هذا الارتفاع على معيشة فئات المجتمع، ولاسيّما أصحاب الدخول المحدودة, ويمكن لوزارة التجارة التدخل من أجل التأثير في أسعار الأسواق التجارية، عن طريق زيادة استيراد بعض السلع والمواد الاستهلاكية الضرورية، من أجل ضخّها الى الأسواق وتمكين تجار التوزيع من بيعها، وفق الأسعار التي كانت سائدة قبل أزمة ارتفاع سعر الدولار, إلى جانب زيادة فعالية  نظام البطاقة التموينية، وتحسين مفرداتهِ الغذائية وآلية الاسـتهداف للفئات الأكثر فقراً, إلى جانب تحسين عملية الاســتهداف لنظام الرعاية الاجتماعية.  

ثالثا: من جانبٍ آخر فإنّ وزارات ومؤسسات الدولة والمحافظات, تستطيع تقديم الدعم للنشاط التعاوني، لكونه يمثّل قطاعًااقتصاديًا يحتاج إليهِ المجتمع, وذلك بتفعيل قانون التعاون رقم (15) لسنة 1992، لزيادة امكانات (الاتحاد العام للتعاون), وتحفيز دور الجمعيات التعاونية الاستهلاكية من أجل توفير السلع للمنتسبين وغيرهم من فئات المجتمع، وفق أسعارٍ بعيدة عن تأثيرات سعر الصرف الموازي، والحد من التأثيرات التي تمارسها الأسعار في الأسواق التجارية. فضلًا عن أن تشجيع الأنشطة التعاونية ودعمها في مختلف المجالات, ولا سيّما في مجال توفير السلع الاستهلاكية, ينبغي أن يكون ضمن الوظائف والمناهج والسياسات الاقتصادية للدولة, وكجزءٍ من توجهات وزارة التخطيط الهادفة إلى التخفيف من معدل الفقر في العراق، والحد من الآثار التي نجمت عن تغيّرات سعر صرف الدولار وتداعياته على الفئات الفقيرة.  

رابعا: ضرورة دعم التعامل بالعملة الوطنية في التعاملات المحلية،لتقليل الطلب على الدولار عن طريق تشجيع التعاملات التجارية المحلية بالدينار العراقي, ولاسيّما في التعاملات ذات المبالغ الكبيرة, كتجارة العقارات وبيع السيارات وشرائها، وفق ضوابط تنظّم هذه التعاملات، وتسجيلها من قبل الجهات الرسمية, وبالتنسيق مع النظام المصرفي.

خامسا: دراسة امكانية دعم الرواتب بنسبة معيّنة بالدولار من قبل وزارة المالية، وفق سعر الصرف الوارد في الموازنة ضمن الموازنة العامة لسنة 2023, والذي يؤول معظمهُ إلى الأسواق المحلية،ويسهم في طلب الدينار لتلبية شراء الاحتياجات الاستهلاكية, بعدإزالة جانب من أثر ارتفاع الأسعار، الناجم عن ارتفاع سعر الصرف الموازي, وذلك ضمن توجهات البنك المركزي لزيادة عرض الدولار النقدي.

8