الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن/ قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
لطالما كانت الدول ولاسيما الكبرى منها، تتسابق وتتصارع لأجل الحصول على الطاقة لأسواقها الصناعية النهمة، ومع تزايد الطلب وندرة المعروض، وتأثر السوق بالأوضاع الأمنية والسياسية، برزت الحاجة إلى طاقة يتحصل عليها من يمتلك ناصية العلم والتقدم التكنولوجي الأبرز، والطريقة الواعدة الجديدة تسمى (طاقة النجوم).
فالعالم يتغير بسرعة، وربما في عالم الغد سيكون النفط على الهامش، وحتى محطات الطاقة النووية ستصبح هياكل عملاقة غير ذات جدوى، وكذلك الحال بالنسبة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وستأتي مكانها طاقة تغير أسلوب الحياة، وتفتح مجالات لم يحلم الانسان ذات يوم بها.
الاندماج النووي: عملية من صنع الانسان تكرر نموذج الطاقة التي تغذي الشمس. ويحدث ذلك عندما يتم دمج ذرتين أو أكثر في واحدة أكبر منها، وهذه العملية تؤدي إلى توليد كمية كبيرة من الطاقة والحرارة.
هذه العملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل مع الحاجة لطاقة هائلة، وهو أحد أهم أنواع التفاعلات النووية التطبيقية التي يرجى منها انتاج الطاقة، وأهم مظاهرها الكونية عملية الاندماج النووي التي تحدث في النجوم (كالشمس)، فالطاقة الناتجة من التفاعلات الاندماجية النووية في الشمس، هي مسؤولة عن عمرها الطويل كمصدر للحرارة والضوء. هذا الابتكار العلمي الكبير يولد طاقة لكل كيلو غرام واحد من الوقود، أكبر بحوالي أربعة ملايين ضعف من الطاقة التي تولد من حرق النفط والفحم، وأربعة اضعاف ما ينتجه الانشطار النووي.
مزايا الطاقة الجديدة:
أولا- الاستمرارية: إنَّها طاقة لا تنضب أبدا، ليس كباقي الموارد كالفحم والنفط ذات الصفة المحدودية.
ثانيا- النظافة: إنَّها طاقة لا تولد الكاربون كما في النفط، ولا الاشعاع كما في المفاعلات، وهذا الأمر من الممكن أن يغير، نحو الأفضل، المناخ العالمي الذي تدهور خلال السنين الماضية.
ثالثا- الكفاءة: فهي تتفوق على باقي مصادر الطاقة الأخرى القديمة، بانتاجها كميات عظيمة من الطاقة يمكن استغلالها في السبل كافة.
رابعا- السلام العالمي: فهذا الاكتشاف سيخفف التوتر الدولي والصراع حول الطاقة، بفعل توفر المواد الأولية لطاقة جديدة في كل مكان، والتي هي عبارة عن الماء.
ومن الدول التي بشرت العالم باكتشافها للطاقة الجديدة:
الولايات المتحدة: حيث تم إعلان الاكتشاف داخل أحد أعرق مراكز البحث العلمي في العالم، وهو معهد “ماساتشوستس” قرب بوسطن في الولايات المتحدة، كما أعلن فريق من مختبر لورانس ليفرمور الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية، عن نجاحهم للمرة الأولى في تحقيق نتائج إيجابية من تفاعل اندماج نووي آمن، الأمر الذي يفتح الباب لإمكانات واعدة في إنتاج الطاقة مستقبلا. وقالت وزيرة الطاقة الأميركية جنيفر غرانهولم: “حققنا إنجازا علميا بميدان الاندماج النووي، يمهد للتقدم في مجالي الدفاع والطاقة النظيفة“.
الصين: في يوم الجمعة 28 أيار 2021، وصلت شمس الصين الاصطناعية (وهو الاسم الذي يوصف به مفاعل الاندماج النووي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم)، إلى (120) مليون درجة مئوية (216 مليون درجة فهرنهايت) واستمرت هذه الحرارة لمدة (101) ثانية. وحطمت بكين بذلك الرقم القياسي السابق الذي حققته كوريا الجنوبية بتوليد حرارة يساوي (100) مليون درجة مئوية استمرت (20) ثانية، في حين استطاع المفاعل الصيني الوصول لحرارة (160) مليون درجة مئوية استمرت للمدة نفسها. وقالت صحيفة الشعب اليومية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم: “إنَّ تطوير طاقة الاندماج النووي ليس فقط وسيلة لحل احتياجات الصين الاستراتيجية من الطاقة، ولكن له أيضا أهمية كبيرة للتنمية المستدامة المستقبلية للطاقة والاقتصاد الوطني في الصين”.
روسيا: في الاتحاد السوفيتي السابق صنع العلماء تقنية عرفت باسم “توكاماك” Tokamak لم تكن غير معروفة لدى العلماء في الجانب الآخر من زمن “الحرب الباردة”، وضمن سياقات متقاطعة ظهر مشروع “آيتر” الدولي، الذي يعدّ أضخم مفاعل للطاقة النووية الاندماجية في العالم، ثم تكاثرت المشاريع المماثلة. وبالرغم من تردي العلاقات مع الدول الأوربية وأمريكا، على خلفية النزاع مع أوكرانيا، فلا يزال العلماء الروس يشاركون العمل مع نظرائهم من باقي الدول، في المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي -الذي أقيم في محاولة لتسخير قوة الاندماج النووي. وفي يوم الثلاثاء 1تشرين الثاني 2022، أرسلت روسيا إلى فرنسا واحداً من ستة مغناطيسات عملاقة، من المقرر أن تشارك في برنامج مفاعل الاندماج النووي العملاق “إيتر”، وهو أحد المشروعات العلمية الدولية الكبرى التي لا تزال موسكو تشارك فيها رغم العقوبات.
أوربا والعالم: في مسار موازٍ، تعتزم المملكة المتحدة بناء محطة لتوليد الطاقة بواسطة الاندماج النووي، كجزء من خطتها من أجل “ثورة صناعية خضراء”، مع قائمة مختصرة تتضمن خمسة مواقع للمركز، أُعلن عنها مطلع عام 2022. وفي سياق متصل تسعى فرنسا إلى بيع العالم مفاعلات نووية معيارية صغيرة Modular Nuclear Reactors لتكون مصدراً للطاقة النظيفة.
وكذلك لا بد من الإشارة إلى المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي، هو أكبر مفاعل في العالم لعمليات الاندماج النووي، ويقع في جنوب فرنسا، على مساحة (42) هكتار، وهو مفاعل تشارك في بنائه وتمويله وإدارته كبرى دول العالم، وهي الاتحاد الأوربي والهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية فضلا عن المملكة المتحدة وسويسرا، وذلك عن طريق المجتمع الأوربي للطاقة الذرية “يوراتوم” (Euratom)، الذي يضم (35) دولة.
الخلاصة: إنَّ الطاقة الجديدة سوف تنهي الحاجة إلى البترول إلى الأبد، فماذا ستفعل الدول النفطية حيال ذلك، لاسيما تلك الدول التي تعتمد عليه اعتمادًا كاملًا في صادراتها، كالعراق مثلا؟ وهنا يجب على المخطط الاستراتيجي الوطني الذي يعطي المشورة لصاحب القرار بالنهاية؛ أن يعي أنَّ مسألة التخلي عن النفط، كما تم التخلي عن الفحم، مجرد مسألة وقت لا غير. وعلى البلاد اعتماد وتفعيل آليات وخطط اقتصادية قريبة ومتوسطة المدى، لانهاء الاعتماد على بيع النفط كدخل وحيد، لأنَّه مع انخفاض الطلب ستقل الأسعار وتنخفض مردودات البيع.