أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
شباط 2023
إنَّ حرب التجسس بين الدول الكبرى لم تتوقف يومًا، وأخذت أبعادًا وطرقًا متعددة، تنوعت بين زج الجواسيس في المراكز الحساسة، أو استخدام تقنية الاتصالات والطائرات والمناطيد. وقد حدثت عدة عمليات تجسس بين الصين والولايات المتحدة، إذ إنَّ اكتشاف المنطاد الصيني في الأجواء الأمريكية في 2 شباط 2023، وعلى ارتفاع (60) ألف قدم، فضلا عن حجمه الكبير، مما شكَّل صعوبة في اسقاطه على اليابسة الأمريكية، خشية تسببه في أضرار بشرية أو بالممتلكات. وقد تم اسقاطه يوم السبت 4 شباط فوق الساحل الأمريكي على المحيط الاطلسي، بواسطة طائرة من طراز (إف 22).
وقد اعترفت الحكومة الصينية بتبعية المنطاد لها، وإنَّه مخصص لأغراض الأنواء الجوية، وإنَّه خرج عن مساره المخصص أثناء إجراء الأبحاث، وقدموا الاعتذار للحكومة الأمريكية، إلا إنَّ المسؤولين الأمريكيين رفضوا ذلك، لأنَّه سهل المناورة ويحتوي على مراوح دافعة يمكن التحكم به وتوجيهه، كما اتهموا الصين بالتجسس. وتم اسقاطه فوق المحيط الاطلسي، ما أثار حفيظة الصين، وعدَّته عملا غير مقبول من جانب الولايات المتحدة، وقد هددت بالرد على اسقاط المنطاد.
كذلك، إنَّ سعي الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها في بحر الصين، وبالقرب من أماكن التوتر بين الدولتين ولاسيما في تايوان، كذلك ابرام اتفاق مع الرئيس الفلبيني الجديد (فرديناند ماركوس جونيور)، حول بناء أربع قواعد أمريكية في الفلبين بعضها قريب من الصين، وهنا ترى الصين أنَّ الفلبين ابتعدت عنها، بعد أن كان هناك تقارب في عهد الرئيس الفلبيني السابق (رودريغو دوتيرتي)، الذي كان معاديًا للوجود الأمريكي، وهنا قد يكون اطلاق البالون عملية رد فعل استباقية للولايات المتحدة، وارسال رسالة إنَّ الصين يمكن أن توجد قرب الولايات المتحدة أيضا، لاسيما إنَّ المنطاد قد عبر أجواء كندا وولاية الاسكا الأمريكية، قبل دخوله أجواء الولايات المتحدة. وقد تم اكتشاف منطاد صيني آخر في أجواء أمريكا اللاتينية، وقد اعترفت الصين بذلك، وهذه الحوادث هي عملية ردع من جانب الصين.
كما أنَّ ادعاء الصين أنَّ المنطاد مخصص لأغراض البحث العلمي، وخرج عن مساره، فيه نوع من اخفاء الحقيقة، إذ كان يجب أن يتابع من قبل دائرة الارصاد الجوية الصينية المرسلة له وتتبعه قبل خروجه عن السيطرة، لاسيما إنَّه مرَّ بأكثر من مكان قبل دخوله الأجواء الأمريكية، كذلك اعطاء علم بأنَّه مخصص لأغراض البحث العلمي للدول التي سوف يمر بها، حتى لا تحدث أزمات دبلوماسية أو توتر بينهم.
لقد كان لحادثة المنطاد تداعيات على العلاقات بين الدولتين – والتي هي متوترة في الأصل- إذ أرجأ وزير الخارجية الأمريكية (أنتوني بلينكن) زيارته إلى الصين المقررة يومي الأحد والاثنين (5-6) شباط، وذلك احتجاجا على ما عدَّته الإدارة الأمريكية انتهاكًا لسيادتها، كما أنَّ أجواء التوتر بين الدولتين، ستبقى وستزيد لاسيما إنَّ الولايات المتحدة لم تتراجع عن دعم تايوان، كذلك زيادة وجودها العسكري في مناطق قريبة من الصين، يضاف إليه فرض عقوبات على الصين، واتهامها بدعم روسيا في الحرب مع أوكرانيا، كذلك سعي الغرب الدائم إلى تقويض نفوذ الصين الاقتصادي في العالم، هو ما دفع الصين إلى رد فعل ضد الولايات المتحدة، وهو ما قد يشعل توترًا أوسع بين الدولتين مستقبلا.