التعاون الاقتصادي بين العراق والولايات المتحدة جوهر الشراكة الاستراتيجية

      التعليقات على التعاون الاقتصادي بين العراق والولايات المتحدة جوهر الشراكة الاستراتيجية مغلقة

الكاتب: سرهانغ حماسيد مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد السلام الأميركي
الناشر: معهد السلام الأمريكي
ترجمة: هبــة عباس محمد علي

حضر وفد رفيع المستوى من المسؤولين العراقيين، الاجتماع المنعقد في واشنطن للجنة التنسيق العليا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي الأمريكية-العراقية (SFA)، التي تم توقيعها عام 2008، والتي تتضمن شروط التعاون الأمريكي- العراقي في مجالات عدة، منها: الأمن والدبلوماسية. وبسبب الفساد المستشري في العراق وأزمة مزاد العملة؛ ركز حوار هذا العام في التعاون الاقتصادي في معركة العراق ضد الفساد وأزمة العملة، فضلا عن ذلك تواجه الحكومة العراقية الجديدة سلسلة من التحديات، التي يمكن أن تساعدها واشنطن في حلها.
تسعى كل من الولايات المتحدة والعراق هذا العام إلى تحديد أولويات التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة وتغير المناخ، ويبقى التعاون المستمر في محاربة “داعش” ومعالجة ما خلّفه الصراع، كقضية إعادة النازحين العراقيين من مخيم الهول في شمال شرق سوريا، من القضايا الواجب التركيز عليها من قبل واشنطن و بغداد فضلا على محاربة الفساد من خلال منع استنزاف ثروة العراق عن طريق غسيل الأموال وتهريبها باستخدام الدولار الأمريكي الذي يوفره البنك المركزي العراقي بسعر صرف مدعوم وضمان استرجاع الأموال المسروقة .
أهم ما في هذا الاجتماع هو عدم تطرقه إلى القضايا الحساسة، ووضع القوات الأمريكية في العراق كما حدث عام ٢٠٢٠ و٢٠٢١، فيما أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على أهمية الوجود الأمريكي في العراق، للتدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية، وبهذا الصدد يُذكر أنَّ الولايات المتحدة تحتفظ بحوالي (٢٥٠٠) جندي لدعم الشركاء العراقيين والسوريين في جهودهم الرامية إلى محاربة “داعش” .
ومن أولويات هذا الاجتماع وأولويات الولايات المتحدة هو دعم الديمقراطية العراقية، ومن المرجح إجراء انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات برلمانية في إقليم كردستان هذا العام، إذ يعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة من ضروريات الديمقراطية وتحقيق الاستقرار في العراق، فضلا عن الدعم الأمريكي الذي يُعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان مصداقية الانتخابات، ويمكن أن تُسهم هذه الانتخابات في سد فجوة الثقة بين الدولة والمواطن، والنهوض بالمؤسسات الديمقراطية العراقية، واشراك الشباب في تنشيط اقتصاد البلاد.
تُعدّ الانتخابات التي أجريت عام ٢٠٢١ هي الأكثر مصداقية في تاريخ البلاد، واسهمت الأمم المتحدة بالدعم الفني والمساعدة التي عززت نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، وما يُستنتج من هذه التجربة هو وجوب بدء هذا النوع من الدعم الدولي في اقرب وقت، واشراك الجمهور من اجل تشجيع المرشحين الجدد.
ما التحديات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة، وكيف يمكن للولايات المتحدة تقديم المساعدة ؟
بعد عام من التوترات السياسية والعنف، تم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في تشرين الأول عام ٢٠٢٢، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وحضيت هذه الحكومة بدعم الكتل الشيعية والكردية والسنية، التي اتفقت قبل تشكيل الحكومة على أولويات عدة، منها: تمرير الموازنة وتطبيق قانون النفط والغاز، وتنفيذ اتفاق سنجار بين حكومة بغداد وإقليم كردستان. وقد استفادت هذه الحكومة من ارتفاع أسعار النفط، بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، كما حضيت بدعم دول المنطقة والمجتمع الدولي، وبهذا نجد أنَّ المسار العام للسوداني وحكومته أكثر إيجابية مما كان يعتقد الكثيرون.
هذه التطورات مفرحة لبلد كاد أن ينزلق إلى حرب أهلية في شهر آب عام ٢٠٢٢، لكن هناك الكثير من التحديات المرتقبة، إذ سيسهم تزايد عدد السكان إلى ارتفاع مستويات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي، والتي ستزداد سوءا في ظل الخلاف على الموازنة وقانون النفط والغاز، وفي الوقت ذاته تتجه الأنظار نحو الخطوة العلنية التي يمكن أن يتخذها السيد مقتدى الصدر ضد خصومه السياسيين، كما يتفق الكثير من العراقيين على أنَّ الفساد لا يقل خطورة عن داعش، وقد أكد هذا الرأي نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في مقابلة له مع معهد السلام الأمريكي.
يمكن أن يتعرض العراق في أي لحظة للتحديات الخارجية، فعلى الرغم من انشغال تركيا وإيران بقضاياها الداخلية المعقدة، إلا إنَّ هناك احتمالية للتدخل المباشر في العراق عسكرياً، كما حدث في العام الماضي.
ويمكن أن تقدم الولايات المتحدة المساعدة للعراق في مجالات عدة، منها: المساعدة في استقرار العملة العراقية، ومكافحة الفساد، واستعادة الأموال المسروقة، ودعم إجراء انتخابات حرة نزيهة، والمساعدة في التكيف مع تغير المناخ، وتحديث القطاع المصرفي، وتشجيع استثمار القطاع الخاص الأمريكي في العراق، ودعم الحوار بين بغداد وأربيل، ومساعدة العراق على حماية أجوائه من هجمات دول الجوار بشكل خاص.
تستمر الجهود الأمريكية لمساعدة العراق على محاربة داعش، وتقديم المساعدات الإنسانية لحوالي مليون نازح عراقي في إقليم كردستان، ومحاولة اعادتهم من مخيم الهول، فضلا عن تقديم الدعم النفسي وإعادة دمجهم في المجتمع. وقد تم إعادة حوالي (٤٣٠٠) فرد و(١٠٦٠) أسرة إلى مركز تأهيل الجدعة جنوب الموصل.
من الصعب أن توازن الولايات المتحدة بين ضغطها الاقتصادي على موسكو وطهران، ورغبتها في المساعدة على استقرار العراق. ففي السابق؛ منحت واشنطن إعفاءات للعراق فيما يتعلق بشراء الغاز من ايران، لكن نائب رئيس الوزراء فؤاد حسين قال أيضا: إنَّ الأولوية هي حماية البنوك والمؤسسات العراقية من العقوبات الأمريكية، حتى مع اعتراف بغداد بالأموال المستحقة لروسيا وإيران، وقد لمّح بشكل غير مباشر عن إمكانية تأجيل روسيا المطالبة بهذه الأموال كما فعلت مع الدول الأخرى، وأضاف أنَّ العراق يسعى وراء مصالحه دون التعاون مع جانب دون الآخر. تنخرط روسيا وايران سياسيا واقتصاديا في العراق وفي جميع دول المنطقة وتتنافس مع الولايات المتحدة، وللعراق الفرصة للعمل مع جميع الجهات الفاعلة مادامت الديناميات العالمية والاقليمية لا تفرض عليه خيارات ثنائية.
إذ تمكن العراق بمساعدة الولايات المتحدة من الاندماج مع دول المنطقة، ونوّه السوداني في تصريح له إلى استعداد العراق إلى استضافة محادثات جديدة بين ايران والسعودية، وإنَّ الزيارات الأخيرة للقادة والدبلوماسيين الأجانب، ومنهم البابا في عام 2021، واستضافة كأس الخليج 25، ومؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، عززت ثقة العراق في أنَّ دوره وسلوكه المتوازن يمكن أن يكون ممارسة بناءة لبغداد، لإظهار صوتها كجهة داعية ووسيطة في المنطقة، بدلاً من مجرد محاولة لتجنب المتاعب التي يتعرض لها من الخصوم.
لذا هل يمكن أن يستمر هذا التقدم وما الذي يمكن أن يعرقله؟ نعم؛ هناك الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية التي يمكن أن تعرقله أو تحرف مساره، ومنها ايران ووجهة نظرها بشأن أهمية استقرار العراق في ظل التحديات الداخلية والخارجية، إذ يمكن لشراكة ايران المتنامية مع روسيا- ولاسيما بعد تزويدها بطائرات مسيرة- أن تغير من قواعد اللعبة، فيما تتبع أوروبا سياسة متشددة مع ايران.
في العراق، هناك تشكيك بحكومة السوداني أو حكومة الإطار التنسيقي، وبالانطباع الذي تعطيه بأنها صديقة للغرب، لذا امام هذه الحكومة والتحالف السياسي الذي يقف وراءها، الفرصة للتعلم من أخطاء الماضي، عن طريق إجراء إصلاحات حقيقية وحوكمة شاملة‏، ومشاركة السلطة والموارد، وحل الخلافات عن طريق الحوار، بدلا من خلق نوع من المظالم التي أدت سابقا إلى ظهور “داعش”، والاستقلال الكردي، واحتجاج عشرات الآلاف من الشباب الشيعة عام ٢٠١٩. تواصل الولايات المتحدة دعم العراق وانجاحه، لكن لا يمكن أن يتحقق النجاح إلا عن طريق الجهود الحقيقية التي يجب أن يبذلها القادة والمؤسسات العراقية أيضا. وإذا اتخذت حكومة السوداني خطوات جادة لتحرير البلاد من السيطرة الداخلية والإقليمية، ستقدم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعض التنازلات.

https://www.usip.org/publications/2023/02/us-iraq-emphasize-economic-cooperation-core-strategic-partnership