الكاتب: Felix K. Chang
الناشر: معهد أبحاث السياسة الخارجية، 31-كانون ثاني-2023
ترجمة: أ. د أحمد كاظم بريس
تحليل : أ.م. مؤيد جبار حسن
موضوعات أساسية:
• في كانون الأول 2022، وافق مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء فوميو كيشيدا على زيادة ميزانية الدفاع لعام 2023، بزيادة قدرها (26.3) في المائة كزيادة سنوية.
• تهدف الميزانية إلى تحقيق استثمارات كبيرة في أنظمة الأسلحة الجديدة، ولكنَّها لا تشمل التمويل لهيكل قوة كبيرة.
• في حالة نشوب صراع، قد يؤدي التسليح الحالي، إلى ترك قوات الدفاع الذاتي اليابانية ناقصة العدد، وأقل قدرة على أداء وظائف الدعم، وغيرها من والوظائف الأخرى، لتكون مرنة وفعَّالة في القتال.
نصح رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، خلال نقاش سياسي في تشرين الأول 2021، أنَّه يجب أن نستعد بصورة أكبر للدفاع عن مواطنينا، وللقيام بذلك، قال: إنَّ اليابان يجب ألّا تعزز فقط قوات الدفاع الذاتي (SDF)، ولكن يجب منحها القدرة على ضرب المنشآت العسكرية، على أراضي خصومها المحتملين كوسيلة لردعهم، وهي استراتيجية مثيرة للجدل بالنسبة لبلد ذي ميول سلمية. بعد أكثر من عام بقليل، في كانون الأول 2022، اتخذت حكومة كيشيدا خطوة كبيرة نحو تحويل هذا المفهوم إلى حقيقة واقعة، عندما وافقت على زيادة ضخمة بنسبة (26.3) في المائة على أساس سنوي، في ميزانية الدفاع لليابان لعام 2023.
أوضحت الميزانية الجديدة أنَّ كيشيدا يعتزم متابعة تعهده السابق، بمضاعفة ميزانية الدفاع لليابان، من حوالي واحد بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لليابان – وهو المستوى الذي حافظت عليه خلال العقود الستة الماضية – إلى اثنين بالمائة بحلول العام المالي 2027، ولكن على الرغم من أنَّ ميزانية الدفاع اليابانية هي الأكبر لعام 2023، والتي ستبلغ (6.8) تريليون ين (أو (51.4) مليار دولار)، فإنَّ تركيزها شبه الحصري على أنظمة الأسلحة الجديدة، قد لا يكون فعالًا تمامًا في خلق التأثير الرادع الذي يسعى إليه كيشيدا. بدلاً من ذلك، لتحقيق هذا الردع، قد تكون اليابان أفضل حالًا عند بناء جيش ليس فقط مجهزًا بشكل أفضل، ولكن أيضًا أفضل من ناحية عدد الجنود.
جوار خطير:
لا شك أنَّ طوكيو كانت مدفوعة لزيادة ميزانيتها الدفاعية، بسبب مخاوفها من المخاطر المحتملة التي تشكلها الصين وكوريا الشمالية وروسيا، كان هذا واضحًا جدًا في استراتيجية الأمن القومي الأخيرة لليابان، والتي تم إصدارها قبل أسبوع من الموافقة على ميزانية الدفاع الجديدة. من الواضح أنَّ توغلات الصين المتكررة في المساحات الجوية والبحرية، حول جزر سينكاكو التي تطالب بها اليابان (تسميها الصين دياويو)، وإنشاء منطقة تحديد دفاع جوي صيني فوق جزء كبير من بحر الصين الشرقي، والوجود المتكرر للقوات العسكرية الصينية بالقرب من اليابان، وضع طوكيو على حافة الهاوية. ثم أثار الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، مخاوف من أنَّ الصين يمكن أن تتجرأ على مهاجمة تايوان، وربما تدفع اليابان إلى الصراع. بالتأكيد، كل ذلك دفع المسؤولين اليابانيين إلى مراقبة الصين بقلق، إذ إنَّها وبكل سهولة يمكنها أن تطلق العديد من الصواريخ الباليستية في المياه بالقرب من تايوان (سقطت خمسة منها في المنطقة الاقتصادية لليابان) في أغسطس 2022.
في غضون ذلك، ذكّرت كوريا الشمالية وروسيا طوكيو بأنَّهما خصمان عنيدان، ففي عام 2022، أطلقت كوريا الشمالية (37) صاروخًا باليستيًا على المياه بالقرب من اليابان، وهو الأكثر من أي عام آخر، كما أطلقت كوريا الشمالية واحدًا آخر في الساعات الأولى من يوم رأس السنة الجديدة، وكأنها تبشر بالسنة التالية. في الوقت نفسه. أدى التعاون الروسي المتزايد مع الصين، وغزو أوكرانيا، إلى إحياء القلق الياباني بشأن حدودها الشمالية، ولاسيما بشأن الجزر الأربع بين جزيرة هوكايدو اليابانية وجزر كوريل الروسية، التي كانت محل نزاع بين طوكيو وموسكو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
في مواجهة التحديات الأمنية المتزامنة، من الجنوب (الصين) ومن الغرب (كوريا الشمالية) ومن الشمال (روسيا)، لم تعد طوكيو قادرة على تركيز مواردها على تحد واحد في كل مرة. كان عليها التعامل مع كل منهم. ونتيجة لذلك، أصبحت السياسة الدفاعية قضية رئيسة خلال انتخابات مجلس النواب في البرلمان الياباني في عام 2021. وبالفعل، يشعر عدد لا بأس به من اليابانيين اليوم بالحاجة إلى تعزيز القدرات الدفاعية الراكدة لبلدهم منذ فترة طويلة، والتي ظل تكوينها الأساسي دون تغيير تقريبًا منذ الثمانينيات.
قدرات قتالية جديدة:
إلى حد بعيد، كان الجانب الأكثر مناقشة في ميزانية دفاع كيشيدا، هو توفيرها لصواريخ هجوم بري بعيدة المدى، لتأسيس “قدرة الضربة المضادة” اليابانية. كشفت طوكيو مؤخرًا أنَّها ستقوم بهذا الدور بصواريخ كروز الأمريكية RGM-109 Tomahawk. كان اختيارها متوقعًا إلى حد ما، نظرًا لأنَّ طوكيو كانت في مرحلة متأخرة من المفاوضات مع الشركة المصنعة لـ Tomahawk في أكتوبر 2022. والأكثر إثارة للدهشة هو عدد الصواريخ التي قد تشتريها اليابان، بالنظر إلى أنَّ ميزانية الدفاع اليابانية لعام 2023 خصصت (1.6) مليار دولار لشراء الصواريخ، وأنَّ تكلفة كل صاروخ تبلغ حوالي مليوني دولار، يمكن لطوكيو شراء ما يصل إلى (800) صاروخ.
اعتمادًا على متغيرات Tomahawk التي تشتريها اليابان، ستكون قواتها قادرة على إطلاق الصواريخ من البطاريات الساحلية، أو السفن الحربية السطحية، أو الغواصات، أو الطائرات، وبمدى يتراوح بين 550 و2500 كيلومتر. اعتمادًا مرة أخرى على المتغيرات، ستمكن الصواريخ اليابان من ضرب المنشآت العسكرية، عبر شمال الصين وكوريا الشمالية والشرق الأقصى الروسي. ومع ذلك، نظرًا لأنَّ الصواريخ تنتقل بسرعات دون سرعة الصوت، فقد تكون عرضة للدفاعات الصاروخية الحديثة. لذا فإنَّ أحد أسباب اختيار اليابان لشراء هذا العدد الكبير من الصواريخ، هو ضمان أنَّه حتى إذا تم إسقاط نسبة جيدة منها، فسيظل لديها ما يكفي لتقديم “ضربة مضادة” فعالة، ومن ثَمَّ ضمان درجة من الردع.
على أي حال، يبدو أنَّ مصير صواريخ توماهوك، هو أن تكون حلاً مؤقتًا. لقد خططت طوكيو بالفعل لتطوير صواريخ أرض – أرض جديدة، يبلغ مداها أكثر من (2000) كيلومتر، وتتضمن تقنيات تفوق سرعة الصوت. في الواقع، سوف يمول جزء كبير من ميزانية الدفاع المتبقية لكيشيدا، ذخائر إضافية ومجموعة متنوعة من برامج التحديث العسكري. يمكن لقوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية (ASDF)، أن تتطلع إلى ست عشرة مقاتلة هجومية أمريكية أخرى من طراز F-35، نصفها سيتم إطلاقها على حاملتي طائرات خفيفتين، تم تحويلهما من قبل قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية (MSDF). ستخصص الموارد أيضًا للدفاعات المضادة للصواريخ، والأمن السيبراني، والمركبات الجوية غير المأهولة، وشراكة البحث والتطوير مع إيطاليا والمملكة المتحدة، لإنشاء طائرة مقاتلة من الجيل التالي.
الرشاقة لا تعني الخضوع:
ومع ذلك، كان من الواضح أنَّ الأموال المفقودة من ميزانية دفاع كيشيدا كانت لتمويل هيكل أكبر للقوة. منذ عام 1980، ظل القوام المصرح به لقوات الدفاع الذاتي ثابتًا عند أقل بقليل من (250) ألف فرد. اليوم، يبلغ عددهم (247000) فقط. إذا أرادت اليابان مواجهة التحديات المتزامنة التي يفرضها خصومها المحتملون وردعهم بمصداقية، فإنَّها ستحتاج إلى قوات الدفاع الذاتي الأكبر. إنَّها ليست فقط أكثر فتكًا، ولكنَّها أيضًا أكثر مرونة، وقادرة على إجراء عمليات قتالية مستمرة، والتعامل مع عدد أكبر، ومجموعة متنوعة من السيناريوهات. سيتطلب ذلك المزيد من الموظفين.
إنَّ القوات المسلحة اليابانية الحالية قليلة، ويمكن ملاحظة ذلك عن طريق نسب المنصات القتالية المنخفضة في الخدمة الفعلية للأفراد العسكريين، والتي تعكس عدد الأفراد الذين تحتاجهم الخدمة لنشر قوتها القتالية. تعدّ النسب مفيدة بشكل خاص عند تقييم الخدمات التي تتمحور حول منصة قتالية، مثل: القوات الجوية والبحرية. في الوقت الحالي، تمتلك قوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية، وقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية، نسب منصات قتالية أقل من جميع القوات الجوية والبحرية الأخرى، لأكبر المنفقين على الدفاع فى الغرب، باستثناء الولايات المتحدة، التى تم تصميم قواتها الجوية والبحرية من أجل قوة المشروع على الصعيد العالمي.
نسب منصة القتال العسكرية النشطة إلى الموظفين العسكريين عام 2020
اليابان فرنسا المانيا كوريا الجنوبية المملكة المتحدة الولايات المتحدة
القوة الجوية 133 192 149 126 165 218
القوة البحرية 360 954 795 872 1011 1563
*شملت منصات القتال الرئيسة قاذفات ومقاتلات ومقاتلات للهجوم الأرضي والهجوم وطائرات الإنذار المبكر والتحكم المحمولة جواً
** تشمل المنصات القتالية الرئيسة الغواصات والمقاتلين السطحيين المصنفين على أنَّهم فرقاطة أو أكبر، وسفن برمائية كبيرة
المصدر: الميزان العسكري 2020 وحسابات المؤلف
يمكن أن ترسل اليابان قوات عسكرية أكبر. ستساعد الرواتب والمزايا المرتفعة قوات الدفاع الذاتي على سد النقص الحالي في التوظيف. وعلى الرغم من تقلص عدد سكانها، فإنَّ الأفراد العسكريين في الخدمة الفعلية، كنسبة مئوية من إجمالي عدد السكان، يتخلفون عن نظرائهم في الدول الغربية الكبرى الأخرى. إذا كانت اليابان تتطابق مع النسب المئوية لألمانيا أو المملكة المتحدة، فيمكنها تعزيز قوات الدفاع الذاتي بما يصل إلى (25000) فرد إضافي. لم يتمكنوا من تعزيز قوات الخطوط الأمامية لقوات الدفاع الذاتي فحسب، بل يمكنهم أيضًا تعزيز قدرات الاستدامة والإصلاح والتجديد، مما يجعلها أكثر مرونة.
النسبة المئوية للأفراد العسكريين في الخدمة الفعلية إلى السكان عام 2020
اليابان فرنسا المانيا كوريا الجنوبية المملكة المتحدة الولايات المتحدة
النسبة 0.19% 0.30% 0.22% 1.22% 0.23% 0.41%
المطلوب مزيد من المرونة:
ومع ذلك، فإنَّ إقناع المشرعين اليابانيين بزيادة الحد الأقصى للأفراد العسكريين، سيكون عقبة كبيرة. بالفعل، هم قلقون بشأن كيفية تغطية زيادة ميزانية الدفاع التي تمت الموافقة عليها مؤخرًا. ومن ثمَّ، في المستقبل القريب، من المرجح أن تقوم طوكيو بالاقتصاد في الأفراد العسكريين، وتشغيل قوات الدفاع الذاتي ضمن هيكل قوتها الحالي. لتعزيز قوات الدفاع الذاتي الجوية وقوات الدفاع الذاتي البحرية – يمكن القول أنهما أهم الخدمات لاستراتيجية الضربات المضادة – يمكن لوزارة الدفاع اليابانية أن تحول أفرادًا من قوات الدفاع الذاتى البرية لتكميلهم. قد تحاول أيضًا التوفير في التكنولوجيا، مثل: الحصول على سفن حربية بأتمتة أكبر، يمكن تشغيلها مع أطقم أصغر. لكن مثل هذا الاقتصاد يأتي مع المقايضات. في حالة أطقم السفن الحربية الأصغر، تأتي المقايضة من حيث بقاء السفن في القتال.
من منظور الميزانية، قد يكون تفضيل الحكومة اليابانية لتشغيل مثل هذا الجيش الرشيق مثيرًا للإعجاب، لكن من منظور عسكري، قد يكون ذلك أيضًا محفوفًا بالمخاطر. لكي تكون فعّالة في القتال، يجب أن يكون الجيش مرنًا، يجب أن يكون لدى قواتها في الخطوط الأمامية دعم لوجستي كافٍ، لتزويدها بشكل صحيح وقدرات إصلاح وتجديد كافية، لإبقائها في القوة القتالية، حتى في مواجهة الخسائر. وهذا يتطلب في النهاية المزيد من الأفراد، وهو درس يمكن تعلمه من التاريخ الياباني، إنَّه مليء بأمثلة على إرسال قوات هزيلة للغاية إلى المعركة، وتعاني إمّا من الإصابات المفرطة أو الانتكاسات التي يمكن تجنبها نتيجة لذلك.
قد يكون امتلاك جيش ضعيف مناسبًا، لفترة كان يُعتقد أن الحروب المستقبلية قصيرة ومحدودة. قد لا يكون هذا هو الحال دائمًا، كما يتضح من الصراع بين روسيا وأوكرانيا، يمكن أن تتطور الحروب بشكل غير متوقع إلى مدد طويلة ومتصاعدة. بالتأكيد، بمجرد أن تبدأ قوات الدفاع الذاتي في تلقي أنظمة أسلحتها الجديدة، سيكون لديها المزيد من القوة القتالية تحت تصرفها، ويمكن أن توفر للقادة اليابانيين خيارات دبلوماسية وعسكرية جديدة. ولكن إذا أرادت اليابان ردع خصومها المحتملين بمصداقية، فيجب عليها إقناعهم بأنَّها تستطيع أن تتعامل معهم، وهذا يتطلب أكثر من مجرد قوة نارية؛ يتطلب مرونة.
التحليل: لليابان تاريخ عسكري عنيف، قمته كانت في الحرب العالمية الثانية، عندما باتت تهدد، كأول قوة أجنبية، الساحل الأمريكي، واستطاعت عن طريق غارة جوية مباغتة، نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 كانون الأول 1941، على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ، أن تدمر قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، هذا الحدث غيَّر مجرى التاريخ، وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية، لتنتهي الأخيرة ومعها الجبروت الياباني، باستخدام قنبلتين ذريتين القيتا على مدينتي: هوريشيما وناكازاكي.
اليابان اليوم لا تختلف عن اليابان الأمس، بالرغم من أنَّها اليوم منزوعة المخالب، إلا إنَّ تاريخها الامبراطوري ما زال ماثلًا أمام الجميع، وقد تكون الأحداث الأخيرة، كالحرب الروسية على أوكرانيا، وتهديدات الصين لجارتها تايوان، وتصاعد التحدي الكوري الشمالي للعالم، كلها دوافع ملحة على صانع القرار الصيني، بضرورة زيادة القوة العسكرية اليابانية، لمواجهة التحديات القريبة والبعيدة، رغم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها طوكيو والعالم أجمع، والتي تكبح المزيد من الانفاق الحربي، والخيارات البديلة، التي يطرحها الكاتب، كالمزيد من التحالفات والتفاهمات، وجيش يتميز بالمرونة لاستخدامه في الساحات كافة، إن تطلب الأمر، مع إمكانية انخراط الجهد التقني في تلك العملية، عن طريق تطوير مشاريع ادخال الروبوتات في المعارك المستقبلية، لتقليل الخسائر البشرية، والتمتع بدقة عالية في العمل وتحقيق الأهداف.
Japan’s Bigger Defense Budget: Getting to Effective Deterrence