أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
نيسان 2023
بدأت الأحداث في سورية عام 2011 فيما كان يسمى حينها بثورات الربيع العربي، وهي مستمرة إلى الآن. وبالرغم من كل الدعم الغربي والاقليمي لما يسمى بالمعارضة السورية بكل أطيافها، بل وحتى المجموعات الارهابية، مثل: داعش والنصرة والقاعدة، وسقوط بعض المحافظات السورية بيد المعارضة، بل والسيطرة على بعض المناطق في العاصمة دمشق، إلا إنَّ الدعم الروسي والايراني المتواصل للنظام السوري، مكّنه من المحافظة والثبات وتحقيق التقدم وتحرير المدن، ولم يبقَ إلا مناطق شرق سوريا تحت سيطرة ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية، التي تضم أغلبية كردية، والمدعومة من الولايات المتحدة الامريكية، ومحافظة ادلب وشمال حلب التي هي تحت سيطرة قوات المعارضة من النصرة والجيش الحر.
والملاحظ من هذه الاحداث أنَّ الوجود الايراني العسكري في سورية، قد خلق وضعًا أمنيًا حرجًا لإسرائيل منذ بداية الأزمة، لهذا كان هناك تدخل اسرائيلي واضح في الأزمة، عن طريق دعم المعارضة قرب حدودهم، كذلك معالجة جرحاهم في المستشفيات الاسرائيلية، ووصل الأمر إلى توجيه ضربات إلى الجيش السوري والمقاومة الاسلامية قرب الحدود، وفي العمق السوري، إلا إنَّه في المدة الأخيرة زادت وتيرة الهجمات الاسرائيلية على الاراضي السورية، لتشمل إلى جانب المواقع العسكرية، المطارات المدنية والبنى التحتية وأهداف مدنية أخرى، والهدف المعلن من هذه الضربات حسب الروايات الاسرائيلية، هو استهداف مقرات الحرس الثوري الايراني والمقاومة الاسلامية، وبالإضافة إلى سقوط شهداء من الجانب السوري فإنَّ القصف أدى إلى سقوط عدد من الشهداء من المقاومة الاسلامية حزب الله اللبناني، منهم: (سمير القنطار) في دمشق عام 2015، كذلك استشهاد عدد ايضا من المستشارين الايرانيين، وآخرهم: (النقيب مقداد مهقاني جعفر آبادي)، و(ميلاد حيدري) في 31 اذار 2023، في هجوم هو السادس لإسرائيل في سوريا في شهر آذار 2023.
إنَّ أسباب زيادة وتيرة العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد الوجود الايراني في سورية عديدة، منها:
- منذ بداية الأزمة السورية واسرائيل تحاول أن يكون لها وجود غير مباشر في سوريا، عن طريق المجموعات المسلحة التي تدعمها، وقد قدمت الكثير من الاسلحة والمساعدات اللوجستية لها، إلا إنَّ الوجود الايراني قد مكّن النظام السوري من القضاء، أو على الاقل، إبعاد خطر هذه المجموعات المسلحة، لهذا تحاول اسرائيل الدخول المباشر في الازمة وبذريعة الوجود الايراني، عن طريق القصف الصاروخي وبالطائرات للمقرات العسكرية والمدنية، في محاولة منها لمنع تثبيت اركان الوجود العسكري الايراني، وزيادة تكلفته العسكرية، أملا في انسحاب ايراني من سورية.
- الأحداث الداخلية في الكيان الاسرائيلي، إذ سببت دعوات الحكومة الاسرائيلية الائتلافية اليمينية المتشددة برئاسة (بنيامين نتنياهو)، إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي الإسرائيلي، في إحداث ضجة داخلية، التي انطلقت في منتصف آذار، وشملت أغلب المدن والقطاعات المدنية، بل وصل الأمر إلى وجود تمرد في بعض وحدات الجيش، ولا سيما من الاحتياط برفض الخدمة العسكرية ردا على تطبيق التغييرات القضائية، لهذا فإنَّ زيادة القصف الاسرائيلي في سورية هو لتوجيه نظر المواطنين داخل الكيان الاسرائيلي، بوجود خطر خارجي لابد من الوقوف بوجهه، وبهذا يمكن لحكومة الكيان التقليل من زخم الاحتجاجات ضدها.
- استمرار البرنامج النووي الايراني وزيادة نسب التخصيب إلى أكثر من (60%) على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وعلى الرغم من كل العقوبات الامريكية الغربية ضد ايران، تأكيد بعض التقارير ولا سيما الغربية – بل حتى التصريحات الايرانية- على أنَّ ايران لديها القدرات على تخصيب اليورانيوم، بنسب أعلى تصل إلى امكانية صنع قنبلة نووية في غضون أشهر، لهذا فإنَّ الكيان الاسرائيلي يحاول جاهدا خلق مواجهة مباشرة بينه وبين ايران، ومن ثم محاولة جر ايران إلى حرب مع الولايات المتحدة الامريكية، على أمل وقف برنامجها النووي عن طريق عملية عسكرية مشتركة.
- ينظر الكيان الاسرائيلي إلى إعادة العلاقات السعودية- الايرانية، على أنها ضربة قوية لجهودهم في محاصرة ايران وعزلها عن دول المنطقة، إذ اعتقد الكيان الاسرائيلي أن سياسة التطبيع مع بعض دول المنطقة، مثل: البحرين والامارات العربية سوف تشمل دول أخرى، كالسعودية ذات الثقل العربي والاسلامي، ومن ثم يكون لها موطئ قدم عسكري مهم في المنطقة، لمواجهة ايران عن قرب، إلا إنَّ إجراء مفاوضات بين ايران والسعودية في العراق وفي أماكن أخرى، وعقد اتفاق لإعادة العلاقات بينهم في الصين، وجه ضربة قوية لطموحات الكيان في المنطقة، ومن ثم ضربة لآمال الكيان في التطبيع مع دول أخرى في المنطقة، لهذا يحاول الكيان الاسرائيلي التغطية على هذه الانتكاسة، عن طريق ضرب الوجود الايراني في سورية.
- يضاف إليه إنَّ انتصارات الحكومة السورية، والتقارب بينها وبين تركيا بوساطة روسية، كذلك اعادة سورية إلى محيطها العربي واعادة العلاقات مع دول الخليج العربية، وزيارة الرئيس الاسد إلى الامارات العربية، وزيارة وزير الخارجية السوري إلى القاهرة، كل ذلك أضعف خطط الكيان الاسرائيلي في محاصرة النظام السوري والقضاء عليه.
إنَّ استمرار الضربات الاسرائيلية في سوريا، وسكوت العالم عنها لن يستمر إلى الابد، إذ هناك تحرك شعبي في العديد من دول العالم ضد الكيان الاسرائيلي، وصل إلى الدول الغربية والولايات المتحدة، فعند زيارة رئيس وزراء اسرائيل الى المملكة المتحدة، خرجت مظاهرات رافعة الأعلام الفلسطينية، ومنددةً بوجود (نتنياهو) في لندن، كذلك الانتقاد الامريكي ولأول مرة الى سياسات اسرائيل الداخلية، ودعم المعارضة العلني ضد التعديلات القضائية، ورفض بعض دول العالم حتى مشاركة منتخب اسرائيل في مباريات على أراضيها، فضلا عن تفاقم آثار الحرب الروسية- الاوكرانية على الاقتصاد العالمي، وبالذات الغربي والاضرابات المتكررة، والوضع الداخلي الهش ولاسيما بعد المظاهرات الاخيرة، كل ذلك سيضع الكيان الاسرائيلي وقادته في موضع حرج، وستكون له تداعيات مستقبلية على دور الكيان الاسرائيلي في المنطقة وحتى على وجوده.