مرَّ عشرون عامًا على قرار أمريكا احتلال العراق، في عملية منفردة كان هدفها المعلن أولا، تخليص العالم من خطر أسلحة الدمار الشامل، التي ادعى الرئيس الأمريكي (جورج بوش) أنَّ العراق يمتلكها (حينئذ)، ثم تحول هدف العملية بعد فشل العثور على تلك الأسلحة، إلى عملية تحرير العراق من نظامه الدكتاتوري، وإن كانت هناك مصادر أمريكية مطلعة، أشارت إلى أنَّ قرار احتلال العراق، اتخذ من قبل إدارة بوش الابن، في الأيام الأولى لتسنمه السلطة في البيت الأبيض.
الواقع إنَّ التخلص من النظام السابق، كان حلمًا يداعب (بخوف وحذر) مخيلة السواد الأعظم من العراقيين، ولكن ليس بالطريقة التي حدثت في عام 2003، التي لم تحظَ بموافقة معظم الأطراف المعارضة للنظام في حينه، عدا أطراف محدودة جدا، فضلا عن عامة الشعب، إدراكا منهم لحجم مخاطر التغيير من الخارج، والتعويل على حصول التغيير من الداخل.
من التداعيات الخطيرة لهذا التغيير، اندلاع حرب أهلية غاية في القسوة والشدة على قصر مدتها، رافقها تنامي تنظيمات إرهابية ظلامية، سعت إلى تقويض مفهوم الدولة الحديثة في العراق، فقد بسببها الآلاف من أبناء الشعب أرواحهم، وتم العمل على تفكيك النسيج المجتمعي، ومحاولة القضاء على السلم الأهلي، الذي لولا استناده إلى قاعدة متينة، ووجود العقلاء في المجتمع، لحصل ما لا يحمد عقباه على الأمد الطويل، حيث يجري الان محاولة إعادة الثقة بين فئات المجتمع المختلفة. فضلا عن ذلك لم يجرِ أي تطوير أو تحديث حقيقي وملموس في البنية التحتية للدولة العراقية، فما زالت امدادات الكهرباء والماء وباقي الخدمات الأخرى، ضئيلة لا تكفي الاحتياجات المتزايدة، في ظل انفجار سكاني كبير (تضاعف عدد سكان العراق من عام 2003 ولغاية الآن بنسبة 100%)، ولا نجد لحد الان معالجات حقيقة من الحكومات المتعاقبة، لغرض التعامل مع التحديات، سوى حلول ترقيعية يضاف عن طريقها الآلاف من الشباب، إلى وظائف في القطاع العام المنهك أصلا وغير المنتج.
اشتمل هذا العدد الخاص من نشرة (العراق في مركز الأبحاث الدولية) على عدد من المقالات، ناقش كتّابها قضية “غزو العراق” بعد عشرين عامًا من زوايا متعددة، وتبين أنّ السبب الرئيس في التداعيات المتقدم ذكرها، يعود إلى عامل مهم جدا خلقه المحتل الأمريكي، بل عمل على رعايته وحمايته، ألا وهو الفساد المالي والإداري. ولا يعد الفساد ظاهرة جديدة كليا على المجتمع العراقي، فقد مورس ولكن بحدود أضيق في عهد النظام السابق، ولكنه جديد على المجتمع العراقي بصيغته الحالية، من حيث الحجم والعلانية والافلات من العقاب، وحمايته من قبل جهات سياسية متنفذة عديدة. وما زالت الإدارة المركزية في بغداد، تفتقد السيطرة على المنافذ الحدودية، وكذلك حدودها مع دول الجوار، وما زال انتهاك السيادة يجري بشكل منتظم، على الرغم من محاولات حكومية خجولة للحد منه.
بالمجمل، لم يخضع أي من المسؤولين الأمريكيين في إدارة الرئيس بوش، إلى المساءلة عن جريمة احتلال العراق، وتدمير بناه التحتية، وحل جيشه وظهور التنظيمات الإرهابية التي عاثت في العراق فسادًا، واهلكت الحرث والنسل. وأصبح العراق، وعلى الرغم من كونه بلدًا نفطيًا يمتلك من الاحتياطيات التي تجعله من أغنى البلدان، بلدًا مدينًا لبلدان أخرى، بسبب امدادات الطاقة، التي لا تلوح في الأفق، لحد الآن، أي بوادر لتوفيرها محليا، كما أنَّ البلد مازال يعتمد في موازناته، على إيرادات النفط بنسبة كبيرة جدا، الأمر الذي لا يجعل من اقتصاده اقتصادًا مستدامًا.
لتحميل العدد كاملاً اضغط هنا