أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
أيار 2023
في عام 2018 عمّت مظاهرات كبيرة واحتجاجات كل أنحاء السودان، على أثرها تم تنحية الرئيس السوداني (عمر أحمد البشير)، في نيسان من عام 2019، من قبل الجيش السوداني بقيادة وزير الدفاع (أحمد عوض بن عوف)، وحلَّ الحكومة والبرلمان وأعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة (3) أشهر، وشكّل مجلسًا عسكريًا لإدارة البلاد، تليها فترة انتقالية مدّتها سنتان. وبعد استمرار الاحتجاجات في السودان، قدّم رئيس المجلس العسكري (أحمد عوض بن عوف) استقالته من المجلس، وسلَّم السلطة إلى الفريق أول (عبد الفتاح البرهان)، الذي ما زال في السلطة، ورغم عقد عدة جولات تفاوضية مع أحزاب المعارضة، وتشكيل حكومة مدنية برئاسة (عبد الله حمدوك)، والتي لم تستمر طويلا فقد قدم استقالته عام 2022، متهمًا العسكر بالتدخل بشؤون الحكومة والتفرد بالسلطة. بعدها في شهر كانون الأول 2022, بدأت مفاوضات مع القوى السودانية كافة مع مجلس السيادة العسكري، وتوقيع اتفاق إطاري ينص على تدشين مرحلة انتقال سياسي، يقودها مدنيون لمدة عامين وتنتهي بإجراء انتخابات. نصَّ الاتفاق على بنود عديدة تتعلق بتشكيل الحكم، ودور الجيش في المرحلة المقبلة، وترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة، وتعزيز حق جميع المواطنين بالمشاركة السياسية، وتقويم مستويات الحكم الانتقالي، كذلك نصَّ على بند مهم جدا، وهو (حظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وحظر مزاولة القوات المسلحة للأعمال الاستثمارية والتجارية، ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية، وفقا للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية)، وهو ما كان السبب الأساس في اندلاع الأزمة الحالية بين الجيش وقوات ما تسمى بالدعم السريع، التي تشكلت في عهد الرئيس السابق (عمر البشير) بقيادة (محمد حمدان دقلو) لمواجهة متمردي دارفور، إلا إنَّ هذه القوة أصبحت قوة رسمية، وأصبح قائدها (محمد حمدان دقلو) نائبًا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، والذي أعلن التمرد على الجيش في 15 نيسان 2023، وما زالت المعارك متواصلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، في عدة مدن أهمها الخرطوم العاصمة.
وعلى الرغم من تعدد أسباب الصراع بين الطرفين، إذ يتهم الجيش السوداني قوات التدخل السريع بالتمرد على الدولة، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بالقوة، ومهاجمة المقرات العسكرية والمدنية، بدعم خارجي من دول معينة ولاسيما الامارات العربية المتحدة وتشاد، وعدم الالتزام بمقررات الاتفاق الاطاري بدمج قوات التدخل السريع بالجيش السوداني، في الوقت الذي يتهم فيه قائد قوات التدخل السريع الجيش بالتمسك بالسلطة، والعمل وفق سياسة النظام السابق، ومحاولة تقويض الديمقراطية، وعدم تطبيق الاتفاق الاطاري. وقد أدى الصراع إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى من المدنيين، والتأثير في معيشة المواطن السوداني وأمنه، كذلك عمليات نهب وسلب لمؤسسات الدولة ولاسيما المؤسسات الصحية والمستشفيات التي اتخذت مقارّ عسكرية، وهروب المواطنين إلى مدن ودول أخرى كلاجئين، ورغم كل الدعوات الدولية والاقليمية إلى وقف القتال، وعدد من الهدنات التي أعلنت بين الطرفين، إلا إنّها فشلت في ايقاف الحرب.
إنَّ فشل المجتمع الدولي ولاسيما الدول الاوربية، في وقف الحرب أو تقديم المساعدات للسودان، كان أمرًا طبيعيًا لما تواجهه القارة من حرب بين روسيا وأوكرانيا وتداعيتها على العالم، إلا إنَّ ما يميز هذا الصراع هو تراجع الدور العربي ولاسيما الجامعة العربية فيه، علما أنَّ السودان إحدى دول الجامعة العربية وذات ثقل فيه، وكان من اللازم أن يكون التحرك العربي مبكرًا وفعالًا، ولاسيما في وقف الحرب أو في مجال المساعدات الانسانية، إلا إنَّ ما ظهر هو صدور بيانات خجولة من الجامعة العربية، وهي متأخرة تدعو إلى وقف الحرب والتفاوض، لاسيما إنَّ السعودية تستضيف الآن محادثات بين طرفي النزاع، كذلك إنَّ أغلب الدول العربية سحبت موظفي سفارتها ورعاياها من السودان وبسرعة، فضلا عن تباين المواقف العربية من الأزمة السودانية، ففي الوقت الذي تقدم في مصر ودول أخرى رؤيتها بدعم استقرار السودان، فإنَّ دول أخرى مثل ليبيا وبعض دول الخليج العربية، متهمة بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع، بحجة أنَّ الجيش الذي يقوده (عبد الفتاح البرهان) له صلات مع الاخوان المسلمين المحظورة في دول الخليج العربية، فضلا عن أنَّ التنافس بين دول الخليج العربية ولاسيما بين السعودية والامارات العربية المتحدة حول النفوذ في الدول العربية، قد وصل إلى أنَّ كل طرف يحاول أن يدعم جهة معينة، لتكون واجهة له في تلك الدولة، يضاف إليه أنَّ تراجع الدول العربية وتلكؤها في التدخل في أزمة السودان هو الخوف من التبعات الدولية للأزمة، لاسيما أنَّ هناك اتهامات لوجود صلة ايضا بين قوات الدعم السريع ومجموعة فانغر الروسية، التي أصبح لها وجود عسكري واسع في دول جنوب الصحراء الكبرى، يضاف إليه أنَّ الجامعة العربية لم تعد كما كانت لها سيطرة على الدول المؤسسة لها، بل أصبحت كل دولة تنتهج سياسة خارجية مستقلة، حسب مصالحها الخاصة والوضع الدولي والاقليمي، كذلك إنَّ اتجاه الأوضاع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وما يسمى بثورات الربيع العربي بعد العام 2011، أدى إلى وجود تنافس بين دول الخليج العربي حول دورها الاقليمي، علما أنَّ أغلبها دول حديثة النشأ، وذات أنظمة وراثية شمولية، وليس لها مؤسسات دستورية راسخة وذات امكانات اقتصادية كبيرة، وتتسم بأنَّها حديثة العهد بالسياسة الخارجية وطريقة إدارة الصراعات الدولية، لهذا فهي تحاول أن تدخل المعترك السياسي الدولي والبحث عن النفوذ، عن طريق توظيف قدراتها المالية ودعم جهات موالية لها، بدون النظر إلى عواقب هذا الدعم، كما حصل في سوريا واليمن وليبيا، وهو ما قاد إلى فوضى الصراع الداخلي في العديد من دول المنطقة.
لهذا فإنَّ الجامعة العربية وخلال الأزمة السودانية، أثبتت تراجعها كهيئة عربية اقليمية، لها دور في حل النزاعات بين الدول العربية، بل أصبحت هيئة اسمية لتجمع دول عربية لكل منها سياساتها الخاصة ومصالحها، بل أصبحت بعض الدول العربية هي السبب في العديد من النزاعات في المنطقة، وبدعم مباشر منها، وأصبح التنافس والبحث عن نفوذ وأدوار هو الأساس، بدلا من التعاون والتآزر بين دول الجامعة العربية. إنَّ تراجع دور الجامعة العربية في حل النزاعات العربية، كان واضحًا في أزمات عديدة، مثل: الأزمة الليبية والسورية واليمنية، إذ أصبحت الدول العربية ذات النفوذ المالي، هي من تتحكم بهذه الأزمات بدلا من إيجاد حلول لها.