م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
قسم إدارة الازمات/ مركز الدراسات الاستراتيجية
يمر العالم حالياً بسباق عالمي لإنتاج تقنية الرقائق وتطويرها،والذي يُعرف باسم “حرب الرقائق”. ويأتي هذا السباق نتيجة للتحول الجذري في استخدام الرقائق، إذ لم تعد تستخدم فقط في صناعة الحواسيب والهواتف المحمولة والإلكترونيات الاستهلاكية، بل أيضاً في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الحيوية والتقنيات اللاسلكية والأجهزة الطبية والعسكرية والفضاء والطاقة المتجددة والاتصالات الفائقة السرعة.
تسعى الدول الرائدة في هذا المجال، مثل: الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والصين، عن طريق شركاتها، مثل: إنتل وسامسونج وتوشيبا وإنفيديا وآبل، إلى تطوير رقائق أكثر تطورًا وابتكارًا، عن طريق تحسين الأداء وتقليل الطاقة وتخفيض التكلفة. ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج الشركات إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وتقنيات التصنيع والتسويق والتوزيع. إنَّ تنافس الشركات في صناعة الرقائق أصبح حربًا، ويمكن تفسير هذا التنافس الكبير بسبب طبيعة هذه الصناعة العالية التعقيد، وهذا ماأشار إليه ميلر في كتابه “حرب الرقائق”، اذ وجد العديد من المنافسين الذين حاولوا دخول هذا القطاع وفشلوا في البقاء فيه. في البداية، كان الاتحاد السوفيتي هو المنافس الرئيس، ولكنه فشل في تطوير صناعة الرقائق الخاصة به، وعلى الرغم من محاولاته سرقة الملكية الفكرية من وادي السيليكون، فإنه كان دائمًا خطوة واحدة خلف الولايات المتحدة. في ثمانينيات القرن الماضي، دخلت اليابان إلى صناعة الرقائق، ولكن لم يستمر هذا الصعود السريع للشركات اليابانية في هذا المجال لمدة طويلة، وخسرت مكانتها لتصبح تايوان هي الشركة الرائدة في صناعة الرقائق، وتعدّ شركة TSMC)) إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال في تايلند.
كما أصبحت صناعة أشباه الموصلات أداة سياسية للحكومات،وليست مجرد منتج تقني، فقد حصلت شركة “فيرشايلد“، وهي واحدة من أولى شركات أشباه الموصلات، على فرصة كبيرة بعد اختيارها من قبل وكالة ناسا، لتصنيع مكونات الكمبيوتر في أول رحلة للقمر، في حين ساعدت شركة “تكساس إنسترومنتس“، وهي شركة لإنتاج وتصميم أشباه الموصلات، في إنتاج قنابل موجهة بالليزر للجيش الأمريكي في حرب فيتنام. لذلك، ينبغي فهم كيف استخدمت الحكومات هذه الصناعة لأغراضها السياسية، فعلى المستوى العالمي تصل مبيعات الرقائق الشهرية أكثر من (20٪) من مبيعات النفط الشهرية.
تترتب على حرب الرقائق تأثيرات اقتصادية وسياسية وتكنولوجية كبيرة، ومن بين تلك الآثار، يمكن ذكر الصين التي تعد أحد أكبر المستهلكين في سوق الرقائق، والتي واجهت قيودًا تجارية من الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك منع الشركات الأمريكية من بيع الرقائق إلى الصين، ومنع المواطنين الأمريكيين وحاملي بطاقة الإقامة الخضراء، من العمل في بعض شركات الرقائق الصينية،وخيرتهم ما بين البقاء في وظائفهم وفقدان جنسيتهم. وفي عام 2022 أصدرت الولايات المتحدة قانون الرقائق والعلوم (CHIPS)،وهو قانون لتحفيز انتاج اشباه الموصلات في الولايات المتحدة الامريكية. كل تلك القيود وضعت لإعاقة تقدم الصين في صناعة الرقائق الإلكترونية، التي تعدّ عنصرًا جوهريًا في كل الأجهزة الإلكترونية، مثل: الهواتف الذكية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية.وقد أدت تلك القيود إلى فقدان الشركات الصينية امكانية وصولها إلى العديد من موردي الرقائق الالكترونية، لينخفض على أثره انتاج السيارات إلى (90%) خلال العام.
ويشير الخبراء إلى أنَّ حرب الرقائق ستتواصل في المستقبل، مع تزايد أهمية الرقائق في مجالات، مثل: الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتطبيقات الصناعية الحديثة. لذا، فإنَّ الدول والشركات العالمية يجب أن تستثمر في هذا المجال، وتعمل على تطوير تقنيات جديدة، لتلبية احتياجات السوق، وتحقيق التقدم التكنولوجي والاقتصادي.