م. م. سندس عمران الطريحي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
لبيان هيكلية العملية الديمقراطية، والتي هي أساس الإدارة الرشيدة، ويعبر عنها بانتخابات حرة ونزيهة، لأنَّها أساس الشرعية الديمقراطية، فلابد من مراعاة الانتخابات عن طريق سن القانون الأصلح للشعب والبلد، وانتخاب أشخاص أكفاء، حيث تمنح للمواطن فرصة إخضاع قادتهم للمساءلة، عن طريق تصويتهم ضد المسؤولين الذين يشغلون المناصب، والتوعد بمحاسبتهم عند فوزهم بالانتخابات. فالإدارة الرشيدة من المفاهيم الإدارية الحديثة، أسوة بمفهوم الحوكمة الرشيدة في عالم السياسة، والتي أثارت جدلاً كبيرًا على نطاق القانون والاقتصاد، فقسم من الدول رفضها وقسم نادى بها، لاسيما في تجارب الإصلاح في دول العالم الثالث، لأنَّ الديمقراطية لن تتحقق في ظل الاضطرابات السياسية، والحروب الأهلية، والفساد المالي والإداري، واستغلال النفوذ، وضعف أجهزة الدولة، والتي هي جزء من الإصلاح الانتخابي المنادى به، لاختيار نظام انتخابي قادر على إخراج هياكل تنظيمية وتنفيذية، وإقرار برامج انتخابية تعتمد لإصلاح الوضع الانتخابي وادارته بصورة صحيحة، حيث تعددت الآراء حول اعتماد برنامج انتخابي، هل الأصلح أن نبقى على نظام الدوائر المتعددة، والتي بطبيعة الحال هي أقرب إلى المواطن، الذي يمثل الأساس في العمل البرلماني، كون البرلماني ممثلًا له. بخلاف نظام سانت ليغو الذي يحقق فاصلًا معرفيًا واسعًا بين الناخب والسلطات، على الرغم من أنَّ الشعب هو أساس السلطات، فيتجه العراق باتجاهين، هما:
- الاتجاه الأول يكمن في أحزاب الفساد، على الرغم من وجود أحزاب وطنية هادفة لإصلاح حقيقي، فإنَّ الأحزاب الفاسدة هي خاطفة للوطن بمنهج المحاصصة المقيتة.
- الاتجاه الثاني إرادة المرجعية والأحزاب الوطنية ورغبتهم في الإصلاح، عبر آلية القانون ووعي الناخب في اختيار من يمثله من النواب، إذ عبرت المرجعية عن ذلك بمعركة الإصلاح، فنلاحظ أنَّ قانون سانت ليغو هو نظام لتكريس سلطة الرمز على النائب، وهذا الأمر واضح للجميع، بخلاف النظام الآخر الذي يقلل من السلطة الرمزية، فما طرحناه يمثل مرآة الواقع السياسي العراقي، فكانت الخلافات في فترة قانون سانت ليغو مستمرة، حيث تنشط المحاصصة، وتغيب اللملمة، ويكثر صعود المفسدين، إذ إنَّ فلسفة النظام البرلماني هي لملمة الأطراف وليس تشتيتها، فيمكن القول إنَّ قانون سانت ليغو هو يلملم الأطراف، والدوائر المتعددة يشتت الأطراف، وإنَّ الحل الأمثل هو بإعادة ثقة المواطن بحكومته، إذ انحسر عدد المشاركين بسبب الأحزاب المتعددة الحاكمة ككل، فأول الغيث بالإصلاح هو:
- العراقيون يستطيعون الوصول لحلول بينية وسطية وفاعلة للنزاعات المستعصية، وإعادة النظر في الانتخابات الفارزة للحكم الرشيد، وإنقاذ العراق من المحاصصة المقيتة والامتيازات غير المشروعة، وإعادة النظر بتقسيم السلطة، عن طريق توسعة المساحة التنفيذية الإدارية للإدارات بانتخابهم مباشرة من قبل الشعب، إلى جانب برلمان قوي منتخب، وإنشاء مجلس الاتحاد وتفعيله كما نصَّ عليه الدستور، والذي لم يرَ النور بعد عشرين عامًا من التغيير، إذ بالتعدد المؤسساتي بالمسؤوليات التنفيذية الإدارية، سنبتعد عن المحاصصات والتجاذبات والتحالفات المتغيرة للمصالح الفئوية، وتكون السلطة التنفيذية أكثر قدرة وجودة على إنجاز الأمور، وتأمين الرقابة من قبل مجلسي النواب والاتحاد.
- خلال عشرين عامًا الماضية، لم تستفد بغداد وكردستان من الفرص المتكررة، وفقدت التوصل إلى حلّ دائم يحترم وحدة أراضي العراق، مع الحفاظ على الخصوصية الكردية، بسبب الغموض في بعض نصوص الدستور، وعدم وجود إدارة رشيدة محوكمة الكترونية لمعالجة التناقضات، والوقوف على أهمها وحلّها حلًا إداريًا مهنيًا بعيدًا عن التجاذبات السياسية، مراعيًا مصلحة العراق أولاً، ومنطقياً يعالج التناقضات القانونية والسياسية، وأي سوء في الإدارة المالية، فجميعها غذت انعدام الثقة المتبادلة، حيث هناك حاجة ملحة اليوم لإيجاد طريق للمضي قدماً نحو مسارات تحترم حقوق الآخرين وتحفظها، وتعزز التعايش السلمي عن طريق تعزيز المواطنة الكاملة، لفتح آفاق واسعة لتعزيز اللامركزية الإدارية، عن طريق انتخاب إدارتهم بصورة مباشرة في المحافظات والإقليم.
- ترسيخ سيادة القانون وجعل الجميع تحت ظلّه، خطوة أساسية لمكافحة الفساد بكل صوره، وبدون ذلك ستظل المساءلة والرقابة والإدارة الرشيدة حلمًا وسرابًا، فأولى الخطوات الجدية لمكافحة الفساد، هي العمل لاستعادة أموال البلاد المهربة إلى الخارج، حيث يحتاج العراق إلى تشريعات رشيدة وإدارات وطنية رشيدة بمساعدة شركائه الدوليين.
- اصلاح الاقتصاد وريعه في العراق، والاعتماد على مصادر متعددة غير النفط، إذ صار الاعتماد فقط على الخزين النفطي مروعًا، وانما يحتاج إلى تطوير الصناعة والزراعة، ودعم القطاع الخاص، والتنوع الاقتصادي، والتصدي للتحديات طويلة الأجل وقصيرة الأجل لتغيير المناخ، لما يمتلكه العراق من خزين طبيعي وزراعي، ورأس مال، وموقع استراتيجي، يجعل منه عاملاً تنموياً لرفاهية المجتمع وتحسين معيشتهم.
- التأكيد على غرس أفكار قانونية ذات رؤى وطنية مستقبلية عراقية، لتجديد الأمل وزيادة الثقة المتبادلة، إذا تجرَّأنا في إدارة رشيدة جريئة البرامج المحكمة، والعمل بروح الفريق بعيداً عن المصالح الفئوية المقيتة.