الكاتب: Bryan S. Jung
الناشر: مركز بحوث العولمة
ترجمة وتحليل : م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
مركز الدراسات الاستراتيجية- قسم إدارة الأزمات
رابط المقال الأصلي: https://www.globalresearch.ca/g20-announces-plan-impose-digital-currencies-ids-worldwide/5832785
اتفق قادة مجموعة العشرين (G20) والتي تضم دولًا غنية ونامية، على وضع خطة لفرض العملات الرقمية والهويات الرقمية في بلدانهم، مع إنشاء البنى التحتية كافة اللازمة لتنفيذ ذلك، هذا الاتفاق جاء في سياق مخاوف من استخدام تلك العملات والهويات الرقمية في مراقبة الانفاق الشخصي لأفراد وقمع الاحتجاجات. فضلا عن ذلك، أثيرت انتقادات حول العملات الرقمية، إذ يُشتبه في أنَّ الحكومات والبنوك المركزية قد تنظم العملات المشفرة، وتستبدلها بسرعة بالعملات الرقمية المركزية للبنك المركزي (CBDC)، والتي تفتقر إلى مستوى مماثل من الخصوصية والأمان. وفي هذا السياق، أشار وزير المالية الهندي نيرمالا سيثارامان إلى أنَّ هناك مناقشات جارية حاليًا لوضع إطار عالمي لتنظيم الأصول المشفرة، نظرًا لاعتقادهم بأن تنظيم العملات المشفرة يتطلب تعاونًا دوليًا شاملاً. في حين صرحت جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي (IMF)بأنَّ مجموعة العشرين “ساعدت في تشكيل منظور عالمي حول كيفية تعامل صنَّاع السياسات مع الأصول المشفرة.”
أما بالنسبة للموضوعات التي تم مناقشتها في القمة، فتضمنت بناء البنية التحتية الرقمية العامة، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، والنقاش حول الأصول المشفرة، والبنوك المركزية الرقمية. وبالرغم من أنَّ المجموعة أكدت أنَّ هناك مناقشات مبكرة قد بدأت بالفعل لوضع تنظيمات دولية للعملات المشفرة، إلا أنَّها أكدت أنه “لا توجد محادثات حول حظر العملات المشفرة” في القمة، مما يشير إلى توافق دولي ضد مثل هذه الإجراءات. ومع ذلك، هناك اقتراحات تطالب بمزيد من المراقبة للعملات المشفرة، التي تعدّ غير مركزية وتعمل خارج سيطرة البنوك المركزية”.
رئيسة المفوضية الأوروبية تؤكد مجدداً على أهمية الهويات الرقمية:
خلال القمة، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى إنشاء أنظمة هوية رقمية مشابهة لجوازات سفر لتسجيل لقاح كوفيد-19، وإلى إنشاء هيئة تنظيمية دولية للذكاء الاصطناعي، ودعت إلى أن يكون للأمم المتحدة دور في تنظيم الذكاء الاصطناعي ووصفت شهادة كوفيد-19 الرقمية، التي تم تطويرها من قبل الاتحاد الأوروبي بأنها نموذج مثالي للبنى التحتية العامة الرقمية (DPI) والتي تشمل معرفات رقمية، وأشادت بفعاليتها وموثوقيتها، حيث تم اعتمادها مجانًا من قبل (51) دولة في أربع قارات، وأصبحت اليوم معيارًا عالميًا لتسهيل حركة الناس في ظل التهديدات الصحية، كما طبق اليوم الاتحاد الأوربي الهوية الرقمية في أغلب المجالات، عن طريق دمج المعلومات الشخصية المختلفة للأفراد من “جوازات السفر، ورخص القيادة، والتاريخ الطبي”. وفي ختام كلامها، قدمت شكرها للدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، على التعاون الممتاز في هذا السياق.
وفي سياق متصل، أكدت فون دير لاين على أهمية الانتقال إلى عصر رقمي، وقد نقلت رسالتها إلى قادة مجموعة العشرين بأنه يتعين علينا إنشاء إطار آمن ومسؤول للذكاء الاصطناعي، واقترحت أن يتم تشكيل هيئة دولية مماثلة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ، للعمل في مجال تنظيم الذكاء الاصطناعي. وأشارت إلى أنَّ البنية التحتية العامة الرقمية تعدّ مسرعًا للنمو الاقتصادي، وأنه يجب أن تكون موثوقة وقابلة للتشغيل البيني ومفتوحة للجميع.
الدعم العام لهذه العملات مفقود:
ظهر استطلاع الرأي الوطني الذي أجراه معهد كاتو في شهر مايو عام 2023 حول العملات الرقمية للبنوك المركزية، حيث أظهر الاستطلاع أنَّ (16%) فقط من الأمريكيين يؤيدون اعتماد العملات الرقمية للبنوك المركزية، في حين يعارض (68%) من المشاركين هذه الفكرة، خوفًا من تدخل الحكومة في مراقبة مشترياتهم. ولاحظ العديد من الديمقراطيين والجمهوريين قلقهم من إمكانية سيطرة الحكومة على نفقات الأفراد أو حتى منعهم من الوصول إلى حساباتهم المصرفية.
الحكومات تمهد الطريق أمام عملات البنوك المركزية الرقمية:
وقد قدمت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، التقدير لنظرائها الهنود على قيادتهم في وضع “خارطة طريق للوائح التي تنظم العملات المشفرة”، مؤكدة أن صندوق النقد الدولي “يسهم في اقتراحات لإطار سياسي شامل”، وبأنه “يتطلع إلى المزيد من العمل في مجال الأموال الرقمية، وأصول العملات المشفرة. وأوضحت أنَّ مجموعة العشرين تعمل على تعزيز التنظيم والإشراف على الأصول المشفرة”، وأضافت “أنَّ صندوق النقد الدولي يسهم في اقتراح إطار شامل للسياسات، وتعزيز النقاش حول تأثير العملات الرقمية للبنوك المركزية على الاقتصاد العالمي والنظام المالي”.
واقترح رئيس صندوق النقد الدولي أن تقوم الحكومات بإنشاء عمليات ترخيص وتسجيل لمصدري الأصول المشفرة، بدلاً من الاعتراف بالعملات المشفرة كعملة قانونية، مع التركيز في مراقبة أنشطتهم بشكل كامل.
ومن المتوقع أن تقوم العديد من الاقتصادات الكبرى بإطلاق العملات الرقمية التجريبية هذا العام، مثل اليابان وروسيا، في حين قدمت نيجيريا عملة “eNaira” كأول عملة رقمية للبنك المركزي تم إصدارها في العالم، على الرغم من عدم شعبيتها حيث استخدمها أقل من (0.5%) من المواطنين، وفشلت الجهود الحكومية في تشجيع استخدامها.”
نظام India Stack:
في السياق نفسه، أشاد البنك الدولي بالهند بوصفها نموذجا يحتذى به في استخدام البنية التحتية العامة الرقمية “لتعزيز الشمول المالي”. وذكر نظام India Stack DPI كمثال على ذلك، والذي يتضمن هوية Aadhaar الرقمية ومنصة المدفوعات الرقمية UPI التي يمكن استخدامها بينيًا.
وتعتقد مجموعة العشرين أنَّ أدوات إدارة البيانات، يمكن أن تكون مفيدة للأفراد ليس فقط في مجال الخدمات المالية، بل أيضًا في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. ويُمثل برنامج India Stack هذا النهج، بتجميعه بين الهوية الرقمية والمدفوعات القابلة للتبادل ودفتر بيانات الاعتماد الرقمي وتجميع الحسابات. وقد أشادت الملكة ماكسيما في كلمتها بقولها: “في خلال ست سنوات فقط، تم تحقيق تقدم ملحوظ في الشمول المالي بنسبة (80%)، وهو إنجاز يمكن أن يستغرق ما يقرب من خمسين عامًا بدون تبني نهج إدارة البيانات الرقمية”. وأضافت: “إذا تم تصميم العملات الرقمية للبنوك المركزية بشكل صحيح، يمكن أن تحمل وعدًا كبيرًا لدعم النظام المالي الرقمي الذي يُناسب الجميع، وهذا أمرٌ مهم”. وأكدت أنه إذا تم تصميمها وتنفيذها بمراعاة الشمول، يمكن للعملات الرقمية للبنوك المركزية توسيع الوصول إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية وخدمة الفقراء والضعفاء.
ومع ذلك، فقد تعرضت تصريحاتها الداعمة للخطة لانتقادات من قِبل بعض الأفراد في النقاش حول الرقمنة في هولندا، مع اتهامها بانتهاك القواعد المتعلقة بدور الملكية الهولندية في السياسة.”
تحليل:
مع بداية العصر الرقمي الجديد، يُلاحظ تفاعل كبير في الساحة الدولية بشأن تطوير الاقتصاد العالمي. أحد أبرز تلك المستجدات هو استخدام العملات الرقمية والهويات الرقمية، حيث تمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في طريقة تعامل العالم مع الأموال والبيانات.
في عام 2021، أكدت مجموعة السبع على أهمية العملات الرقمية في الاقتصاد، ولكنهم شددوا أيضًا على القضايا المتعلقة بالسياسة والتنظيم التي يثيرها هذا التحول، مشددين على ضرورة الشفافية وسيادة القانون والحوكمة الاقتصادية الصحيحة. وفي إبريل من هذا العام، أعلن صندوق النقد الدولي عن “الوحدة النقدية العالمية”، وهي “عملة رقمية للبنك المركزي الدولي”، بهدف تعزيز سيادة البنوك المركزية المشاركة (CBDC) في العملات والدفع الرقمي. وفي الشهر الحالي اجتمعت مجموعة الـ77 للدول النامية والصين في كوبا، للترويج لـ “نظام اقتصادي عالمي جديد”، وركزوا في مسألة الفجوة التكنولوجية بين البلدان الغنية والفقيرة، وكيف يمكن أن تؤثر في التنمية. ودعت القمة إلى إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وتعزيز التعاون بين الدول النامية، وزيادة مشاركتها في صنع القرار وصياغة السياسات العالمية. وشددت أيضًا على الحاجة الملحة للتركيز في تعزيز القدرات التكنولوجية والابتكار لدى البلدان النامية. هذه الخطوات الأولى تجاه تشكيل الاقتصاد الرقمي العالمي الجديد الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والشمولية على الصعيدين الوطني والعالمي. وبالتأكيد، سيشهد المستقبل المزيد من التطورات والتحديات في هذا السياق، مما يجعل من الضروري متابعة هذه القضايا بعناية، للمساهمة الفعّالة في تطوير الاقتصاد العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا النهج الجديد للتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، يمكن أن يقوم بدور مهم أيضًا في تعزيز الشمول المالي، وتوفير الخدمات العامة في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية على الصعيدين الوطني والعالمي.