م.م مصطفى محمود
قسم إدارة الأزمات
تشرين الأول 2023
شكّل المثقف العربي والحقل الثقافي بشكل عام أحد أوجه الصدام والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية العالمية, كنتيجة حتمية للاحتلال القسري للدولة الفلسطينية. والمثقف هو مصطلح يتضمن دلالات واسعة, بحيث يصعب الاحاطة بهِ, فالبعض من يضع الشهادة العلمية والاكاديمية كدلالة على الثقافة, والبعض يضع كثرة الظهور الإعلامي ضمن دائرة الثقافة والمثقفين, ونحن نرى أنَّ (المثقف) هو الشخص الذي يؤثر في محيطه الاجتماعي ويتأثر بهِ, ويكون ذا عقيدة ورسائل سامية تهدف إلى كشف الحقائق، مع تحليه بالشجاعة اللازمة في الدفاع عن عقيدته ورسائله. وعَود على بدء, فإنَّ الصراع العربي الاسرائيلي لا يتوقف عند البعد السياسي أو العسكري فقط, فهناك أبعاد أخرى قد تكون أشد تأثيراً، كالبعد الاقتصادي والثقافي, لذا حاولت الحركة الصهيونية وحكام ما يسمى بدولة اسرائيل، بعملية الاختراق الثقافي منذ بداية هذا الصراع, وعملت جاهدة على ذلك عن طريق أجهزتها المخابراتية, والتي تنشط في منطقة الشرق الاوسط (الموساد)، عبر عمليات الاغتيال التي طالت المثقفين والمفكرين العرب، كالكاتب الفلسطيني (غسان كنفاني) وغيره الكثير, كذلك عن طريق استمالة بعض المثقفين العرب ليكونوا أذرعاً لها، وليكونوا الغاية والوسيلة في تمكين مشروع التطبيع وتقبله, عن طريق هؤلاء وعبر توجيه رسائل إلى شعوبهم وجماهيرهم, وقد تكون الاستمالة بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق استقطاب الكتّاب والرياضيين والفنانين للمشاركة في المحافل الدولية والمهرجانات، إلى جانب وجود شخصيات اسرائيلية أو الظهور جنب علم دولة إسرائيل وعلى الأصعدة كافة.
كذلك يمكن ادراج عمليات التهويد لدولة فلسطين وتراثها الديني, كجزءٍ من منظومة الصراع الثقافي من أجل طمس حقائق التاريخ، ومن ثمَّ إلغاء دلالات عروبة الأرض وإسلامية القضية الفلسطينية، ومن الأمثلة على ذلك (حائط البراق) الذي اسماهُ اليهود بحاط المبكى، وهو الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الاقصى, تم الاستيلاء عليه عن طريق عمليات تزوير.
كذلك ما حدث مؤخرا مع الكاتب الفلسطينية (عدنيه شلبي)، إذ ألغى معرض فرانكفورت تكريم الكاتبة بسبب أحداث عملية طوفان الأقصى, والتي اخترقت بها حماس عمق اسرائيل، مما دفع مؤسسات ودور نشر عربية إلى مقاطعة المعرض، بسبب إلغاء تكريم السيدة شلبي, لتبرز لنا دلالات الدور الثقافي للعرب، وإن كان محدود التأثير في هذا الانسحاب، ليسلط الضوء عالميا على التعامل العنصري لحكومات ومنظمات الغرب تجاه العرب ولاسيما فلسطين, ويعري زيف الحرية الواهمة التي يتغنون بها. ومن الأمثلة ايضا على الصراع الثقافي أو صراع الثقافات أو الحضارات كما اسماها (صاموئيل هانتغتون), السجال السينمائي بين مصر واسرائيل لسيرة (اشرف مروان) وهو سياسي مصري بارز, وصهر الرئيس المصري الراحل (جمال عبد الناصر)، والذي وجد مقتولاً في ظروف غامضة في العاصمة الانجليزية لندن في حزيران 2007, إذ تقول مصر: إنَّ (مروان) قام بدورٍ استخباريٍ مهمٍ كان لمصلحتها، وتم تجسيد هذا الدور في فيلم العميل, في حين تتبنى اسرائيل رواية مغايره تماماً، وتتحدث عن عمالة (مروان) لمصلحتها، وجسدت ذلك في فيلم الملاك، الذي عرض على منصة نتفليكس العالمية. لذلك تبرز أولوية المسألة الثقافية في الصراع العربي الاسرائيلي حول المقدسات والتراث والهوية وهي دلالات ثقافية, لذا وجب على المثقفين العرب أن يبثوا رسائل مباشرة أو غير مباشرة إلى جماهيرهم وإلى الرأي العام العالمي وشعوب العالم أجمع, عن اهمية ثقافة التحرر للقضية الفلسطينية من التدليس والتزوير والكذب، الذي تقوم به ما تسمى بدولة إسرائيل, تجاه فلسطين بشكل خاص والعرب بشكل عام, ويمكن القيام بهذا الدور عن طريق فعاليات ثقافية متعددة كالكتابة والأعمال السينمائية والمسلسلات والفعاليات الموسيقية, وغيرها من الرسائل والآليات كأسلوب مواجهة وصدام ثقافي, ليهيئ لمراحل لاحقة في عمليات استرداد الحق المسلوب لكي تنتصر فلسطين.
أو تتراجع هذه الفرضية وتنحسر عن طريق تفوق اسرائيل في خداع الرأي العام العالمي والجمهور والحكومات، عبر سياسات الكذب والتضليل واستمالة العملاء لتتفوق ثقافياً في حربٍ ناعمة, يكون فيها المنتصر من يمتلك الوسائل الثقافية اللازمة لتحقيق الهدف المنشود, ويمتلك مثقفين حقيقيين لا وعاظ سلاطين, يؤمنون بقضية فلسطين ويؤمنون بأنفسهم وجمهورهم, ليبرز لنا المثقف والحقل الثقافي كمرتكز بالغ الأهمية في الصراع العربي/الإسرائيلي.
المثقف والثقافة – القلب النابض للصراع العربي الإسرائيلي
التعليقات على المثقف والثقافة – القلب النابض للصراع العربي الإسرائيلي مغلقة