م.م. علي زكي كامل.
قسم الدراسات القانونية.
تشرين الثاني/2023
في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة الكبرى، يمر الشاب المسلم بالكثير من الاضطرابات والمشكلات النفسية والمجتمعية والأخلاقية، البعيدة عن قيم أهل البيت (عليهم السلام) ومنهجهم، والتي تنعكس بدورها على المجتمع ككل، لذا أصبح من الضروري إرشاد فئة الشباب إلى المنهج والتربية الإسلامية الصحيحة، وفق رؤى الرسول الأكرم والأئمة المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) ومبادئهم، إذ إنَّ التربية هي عامل أساسي من عوامل التمهيد، ولها تأثير كبير في خلق جيل واعد يحمل القيم الإسلامية الصحيحة، وهي شكل من أشكال التمهيد الذي يعدّ المرحلة الثانية بعد الانتظار الحقيقي للإمام الموعود (عجل الله فرجه الشريف)، والذي يستمد شرعيته من خطى آبائه وأجداده (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، التي تركز في أهدافهم بخلق جيل ممهد ينتهج الثقافة المهدوية، سعيًا للتمهيد للظهور المقدس، وذلك بتوفير آليات التمهيد لهذا الجيل عن طريق تنشئة الفرد وتربيته تربية إيمانية مساهمة لإصلاح ذات الفرد، ومن ثمّ المساهمة في إصلاح المجتمع، وفق منهج أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك بزرع القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية في المحتوى الداخلي للإنسان، وصياغة جديدة لأفكاره وعواطفه وممارساته، ومن مميزاتها أيضا وجود القيادة الموجهة، التي ترتكز عليها العملية التربوية، بوضع الخطط المناسبة وفق ما يتناسب ومتطلبات الساحة الاجتماعية واحتياجات أفرادها، وتوفير آليات العمل التربوي بإيجاد المناهج التعليمية والتربوية المناسبة، والأهم من ذلك تتمتع هذه القيادة بالحذاقة وبعد النظر، بحيث تلاحظ الطاقات الفردية للمربين وتعمل على تطويرها وتنميتها، لتوظفها وفق ما يناسب العمل، كما تشكل هذه القيادة القدوة الأفضل في طريق التربية، الأمر الذي يكسبها صلاحية التوجيه والتوعية للأفراد والمجتمع، بما تمثله من حضور وعطاء في سبيل خدمة الهدف الذي تسير بموجبه في خدمة التمهيد، وإنَّ أبرز مثال نحتذي ونقتدي به هم أهل البيت (عليهم السلام)، عبر سيرتهم وتكاملهم في جميع القيم الإنسانية، فهم (عليهم السلام) عنصر القدوة في المجتمع الإسلامي بل الإنساني بأجمعه، فإذا شئنا أن نكون مسلمين كاملين، وأن نصل إلى كمالنا الإنساني بالتربية والتعليم الإسلامي، فعلينا أن نعرف من هو الإنسان الكامل، وما هي ملامحه الروحية والمعنوية، وما مميزاته، حتى نستطيع أن نصنع أفراد مجتمعنا ولاسيما الشباب، كونهم الثمرة المشرقة في المجتمع، إذ إنَّ لسيرة أهل البيت (عليهم السلام) تزخر بكل ما يغذي الحياة من فكر وعبادة ونهج حياة، وأهم خطوة نخطها في مسألة التربية الإسلامية، معرفة النهج الذي تغرف منه أفكارها التربوية وفهمه فهمًا تطبيقيًا، بطرح ذلك الفكر التربوي لأنَّه ينبع من أصالة القرآن الكريم والنهج المحمدي، حتى يكون هذا النهج هو البعد التربوي والأخلاقي للشباب ومن مختلف المجالات الحياتية.
وعليه تأتي أهمية مرحلة الشباب في المنظور الاسلامي، والذي عُني به عناية خاصة بالشباب، وأولى هذه المرحلة أهمية بالغة اعتبارها المرحلة الأساسية في بناء شخصية الإنسان، وحمل الإنسان مسؤولية كبيرة عن تلك المرحلة المهمة من حياته، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت)، إنَّ أمراً يقرن بحب أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لخير دلالة على أهميته، وإشارة إلى ثقل المسؤولية عنه، ولهذا أكدت التعاليم الإسلامية على وجوب استثمار الإنسان لفترة شبابه، وعبرت عنه بالاغتنام، فذلك الاستثمار هو: (غنيمة) كبيرة وعظيمة، يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).
ومن هنا أكدت الرسالة الإسلامية على وجوب تربية الشباب والاعتناء بهم وبنائهم بناءً فكريًا وروحيًا وخلقيًا، لأنَّهم مؤهلون لتقبل التعليم أكثر من غيرهم، فهم أرق أفئدة، وأزكى نفسًا، وأعلى همة، باعتبار الشباب من المشاريع المهمة والاستراتيجية، التي أكدت عليها المرجعية الدينية العليا (دام ظلها الوارف) مرارًا، عن طريق العديد من التوجيهات التي ترجمها خطباء الدين الكرام على منابر العلم وغيرها، على أن ترتبط هذه الرعاية بالمبادئ والقيم الإسلامية، ليكون الشباب والجيل الناشئ جيلًا واعيًا صالحًا ومصلحًا، وتكون تنشئته تنشئة اجتماعية ودينية صحيحة، ترتبط بالقرآن الكريم ومبادئ وقيم أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، ويمكن ذلك عن طريق مجموعة من الأعمال، والتي نختصرها بما يأتي:
1 – تنمية حس المسؤولية والاعتماد على الذات، ليكونوا أشخاصًا فاعلين وقادة صالحين لمجتمعاتهم.
2- تطبيق الأنشطة التربوية والرياضية والفنية الهادفة، والتي تتناسب مع خصائص الفئات العمرية المستهدفة، لزيادة معارفهم وإكسابهم المهارات وتحسين سلوكهم وبناء اتجاهاتهم، التي تنمي شخصياتهم وتؤهلهم ليكونوا مؤمنين فاعلين ورواداً في مجتمعاتهم وأوطانهم.
3- توعية الشباب بقضايا مجتمعهم ومشكلاته الراهنة، وزرع مبادئ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وقيمها، لأنهم القوة الفاعلة والطاقة الكبيرة التي تمد الأمة بالحركة والنشاط والأمل الكبير في تطلعاتها وطموحها نحو المستقبل، من أجل القضاء على ظاهرة الالحاد والتعاطي والادمان وغيرها من الظواهر التي تحيط بالشباب.