م.م عبد المحسن عبد الأمير إبراهيم.
قسم الدراسات القانونية.
تشرين الثاني /2023
إنَّ الحرب المباشرة بين الكيان الصهيوني وحماس، والتي بدأت في صبيحة يوم 7 / أكتوبر/ تشرين الأول من قبل حركة حماس في غزة، قد وضعت روسيا بموقف محرج في مصالحها الخاصة بالشرق الاوسط، فقد تميزت روسيا وعلى مدار السنوات الأخيرة بعلاقه دافئة مع الكيان الصهيوني، ويمكن عدّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد قللت من تلك العلاقة، لكون موسكو تميزت بعد حربها مع أوكرانيا بعلاقة قوية وجيدة مع إيران العدو اللدود للكيان الصهيوني والدعم الدولي لحركه حماس، لاسيما أنَّ إيران دعمت روسيا بأسلحة عسكرية متطورة في حربها ضد أوكرانيا، على الرغم من أنَّ إيران نفت هذا الدعم، ولهذا فإنَّ روسيا باتت في موقف معقد نوعًا ما تجاه الشرق الأوسط، بالرغم من أنَّ روسيا تحتل مكانًا مهمًا في علاقتها بالشرق الأوسط، ليس مع إيران فحسب بل امتدت لتصل إلى المملكة العربية السعودية وسوريا، عن طريق دعمها لحكومة الأسد، وتتطلع موسكو إلى تطوير العلاقة مع لبنان والعراق ودول عربية أخرى. وصرحت روسيا في الأسبوع الأول من الحرب القائمة في غزة، بموقفها تجاه هذه الحرب عن طريق وزارة الخارجية، وقالت: إنَّ موقف موسكو هو مع إيقاف الاقتتال، ووضع حلّ نهائي بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وعلى جميع الدول أن تتكاتف من أجل هذا الحل، وأعربت عن فشل الغرب في الوصول إلى حلّ، وإيجاد سلام لحد الآن في المنطقة، وختمت الوزارة قولها بأنَّ فلاديمير بوتين يسعى إلى حل وتسويه الخلاف بين الكيان الصهيوني وفلسطين، من أجل طرحه لمنظمة الأمم المتحدة.
وأشار بوتين في لقاء متلفز إلى أن الهجمة التي تعرض لها الكيان الصهيوني، غير مسبوقة من قبل وقد تفاجأنا من حدوثها ودقه تنفيذها، وإنَّ الرد من قبل الكيان الصهيوني كان قاسيًا، والخسائر في صفوف المدنيين غير مسوغ وغير مقبول، وألقى لومه بهذا التصريح على الولايات المتحدة، بوصفها هي الداعمة لهذه الحرب وبصورة علنية وأمام أنظار الجميع.
وفي يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول، استقبل الرئيس بوتين محمود عباس الخميس في (استانا) عاصمة كازاخستان مع بعض الشخصيات، وكان من الواضح هناك حفاوة في الاستقبال، الأمر الذي أغاظ (بنيامين نتنياهو) وعدَّ هذا الاستقبال تهديدًا للكيان الصهيوني، وذكر أيضا أنَّ على الروس طرد هذا الوفد، لأنَّ هناك أعضاءً بارزين في حركة حماس، كانوا مشاركين في الوفد مع عباس، وقال نتنياهو: إنَّ المكانة التي يحملها الأخير (لفلاديمير بوتين) كبيرة جدا، إذ كان يلقب (بالصديق العزيز والمقرب)، وكانت هناك زيارات مكثفة بين البلدين في السنوات العشر الأخيرة، قد قلَّت نوعًا ما بسبب انسحاب روسيا من الاتحاد الأوروبي بعد الحرب على أوكرانيا.
وقد دافعت روسيا عن استقبالها الوفد، الذي عدَّه الكيان الصهيوني تهديدًا لها, إذ قالت إنَّ روسيا تتمتع بعلاقة جيدة مع جميع الدول في الشرق الأوسط، من ضمنها حركة حماس وجنوب لبنان، والأمر الآخر هو إنَّ روسيا تسعى إلى تأمين اطلاق صراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، وكانت ردود أوكرانيا على لسان وزير المخابرات الأوكرانية (كيرلو بودنوف )، أنَّ روسيا قد زودت حماس بأسلحة وأيدتها في حربها يوم 7/ أكتوبر، على الرغم من عدم وجود أي إثبات أو دليل في ذلك، وشدد بوتين على الكيان الصهيوني برفع الحصار المفروض على غزة، وإنَّ هذا الحصار هو أشبه بحصار (لينينغراد)، الحصار الذي فرض في الحرب العالمية الثانية من قبل (هتلر)، والذي استمر(842) يومًا، وتسبب بمقتل أكثر من مليون وربع قتيل، بينهم (140,000) طفل.
وذهب مسؤولون من الروس إلى أنَّ الفرصة قد سنحت لروسيا من أجل أخذ دور الوسيط في الشرق الأوسط، فقد صرح (اندريجوروليف)، وهو أحد أعضاء مجلس الدوما، وعضو لجنة الدفاع الروسية، أنَّ روسيا مؤيده للفلسطينيين إلى درجة لم يكن يتوقعها من قبل، وذكرت (هانا نوت) الخبيرة السياسية في وزارة الخارجية، أنَّ على روسيا أن تقوم بتحسين علاقتها مع العرب، وعليها أن تكون ساندة لفلسطين في حربها ضد الكيان الصهيوني.
وجاء تصريح آخر في الاسبوع المنصرم، بأنَّ أمريكا مستمرة في دعمها للكيان الصهيوني، وأنَّ موقف روسيا هو رافض لهذا الدعم والتدخل العلني مع الكيان الصهيوني، وأعربت عن أسفها لما يحدث الآن في الشرق الأوسط، ويكمن السبب المباشر بأنَّ الولايات المتحدة هم وراء هذه الفوضى، وهم من يزرعون في العالم الحروب، ووصفت الوجود الأمريكي بالعنكبوت الذي يريد أن يمد شبكته، ليسيطر على جميع العالم، وأنَّ حلَّ القضية الفلسطينية يكمن وراء إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وعلى صعيد دعمها لغزة، فقد أرسلت موسكو مساعدات غذائية عن طريق منظمات الإغاثة الدولية، وذكر (ميخائيل لاكدانوف) الناطق باسم الخارجية الروسية، بضرورة ايصال المساعدات لغزه عن طريق مصر، وأبلغت موسكو الامم المتحدة أنَّ طائرات قد حملت بالمساعدات الطبية والاسعافات الأولية متجهة إلى مطار( العريش) في مصر، ويجب على الأمم المتحدة إيصال هذه المساعدات نحو غزة.
دبلوماسيا كانت روسيا تتمتع بموقف مهم جدا في القضية الفلسطينية، فقد طرحت البرازيل مشروعا قد اتفقت مع روسيا في الكثير من الأمور، واختلفت بأمر واحد فقط، فاتفقت روسيا والبرازيل بأنَّ على الكيان الصهيوني الانسحاب من شمال غزة، وفتح ممرات انسانية لإيصال المساعدات إلى سكان غزة، وعدم القصف العشوائي على السكان المدنيين. واختلفوا في أنَّ حركة حماس قد عدتها البرازيل حركة ارهابية، أمّا روسيا فلم تصرح بهذا الأمر، واضافت روسيا أنَّ مشروعها يحتم على الفلسطينيين اطلاق الرهائن. وكانت روسيا تطمح إلى جمع (9) أصوات من (15) صوت في مجلس الأمن الدولي، وبالنتيجة حصل هذا المشروع على خمسة أصوات مؤيدة، وأربعة معارضة، وامتنع ستة أعضاء عن التصويت، وأكد وزير الخارجية أنَّ المشاورات مستمرة حاليا من أجل ايقاف الهجمات في غزة بل إيقاف الحرب.
يمكن القول إنَّ الموقف الروسي كان حذرًا جدًا، إلى درجة إنّه لم يكن ملوحًا بتهديد عسكري، أو دعم عسكري لفلسطين، على الرغم من أنَّ موقفه هو ضد الحرب القائمة، ودخول قوات الكيان الصهيوني إلى غزة، وركز موقفه المناهض والمدين للولايات المتحدة، وعدّها السبب المباشر لما يحدث الآن في الشرق الأوسط، بل أوعز ان الحرب مع اوكرانيا هو بسبب الولايات المتحدة الأمريكية، بكونها لا تريد السلام أن يعم العالم، وأشار أنّ الغرب قد فشلت في ايجاد حلّ على مدار السنين الماضية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني. ومن جهة أخرى، إنَّ روسيا تتمتع بعلاقة جيدة مع الدول في الشرق الأوسط، وتطمح إلى أن تكون هذه العلاقة جيدة مع سكان الدول العربية بصورة خاصة، فضلا عن أنَّ روسيا لا تريد أن تخسر الموقف الإيراني المساند لها، فكان الطابع الذي يتسم به الموقف الروسي تغلب عليه الدبلوماسية في الحل، لأنه يريد أن يؤدي دورًا مهمًا في الشرق الأوسط سلميا.