م.م قسمة عزيز
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية
تشرين الثاني/2023
مشاهد الأطفال في غزة خلال الحرب الحالية مهولة بكل معنى الكلمة، فالأعداد مستمرة بالتزايد سواء بين الشهداء أو الجرحى، والأرقام الدقيقة غير معروفة، إذ لا يزال عدد كبير من الأطفال تحت أنقاض المنازل. إنَّ الأطفال في غزة هم بين شهيد وشاهد على جرائم إسرائيل، وبين مفقود وفاقد لعائلته، فلا يوجد مكان آمن للأطفال في جميع أراضي غزة، فكل طفل في قطاع غزة تعرض إلى صدمات مؤلمة، فالهجمات المتواصلة، والنزوح، والنقص الكبير بالغذاء والماء والدواء عبئًا آخر يواجه أطفال القطاع، حتى الأطفال حديثي الولادة، الذين هم في العناية المركزة والحاضنات، توفى منهم (7) أطفال نتيجة نفاذ الوقود اللازم لتشغيل الكهرباء، وما زال آخرون معرضين إلى الموت الوشيك، ولاسيما الذين يعتمدون على أجهزة التنفس، وذلك بسبب نقص إمدادات الطاقة، إذ إنَّ إسرائيل قد عملت على قطع جميع إمدادات الطاقة عن قطاع غزة، وفي الوقت ذاته منعت وصول المساعدات الإنسانية كافة إلى القطاع. فالأطفال في غزة لم تحمِهم قواعد القانون الدولي الإنساني، ولا قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان خلال الحرب، والتي تنص على حماية الأطفال من الأذى، وتوفير الحماية الخاصة لهم.
أمّا من ينجو من القصف منهم، فقد تعرض إلى صدمة نفسية، تترك أثرًا بالغًا في مستقبل هؤلاء الأطفال. وبحسب المنظمات الدولية المتخصصة برعاية الأطفال، فإنَّ أغلب الأطفال الذين ينجون من هول القصف في فلسطين، يعانون من أعراض ما بعد الصدمة (اضطراب الكرب). إلى جانب ذلك فإنَّ إسرائيل مستمرة في انتهاك القانون الدولي الإنساني لحقوق الأطفال، عن طريق اعتقال الأطفال القُصَّر والذين تتراوح أعمارهم بين (12 إلى 18) عامًا، وتقديمهم للمحكمة مقيدي الأقدام والأيدي بالأغلال والاصفاد، مما يعكس أبشع صور الإجرام ضد الأطفال، بالرغم من أنَّ إسرائيل قد صادقت على معاهدة حقوق الطفل عام 1999م، وتطبقها على الطفل الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، أمَّا الأراضي التي تحتلها فهي لا تراعي أبسط حقوق الأطفال، إذ إنَّهم يخضعون للقانون العسكري الإسرائيلي، بل إنَّ إسرائيل تستخدم الأطفال الفلسطينيين كدروع بشرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، عن طريق اجبار الأطفال على تفتيش الممتلكات التي يشتبه أنّها مفخخة، واستخدام الأطفال في فتح الطرود البريدية المشتبه بها.
من جانبها، أعلنت اليونيسف أنَّ حوالي (400) طفل فلسطيني، يستشهد ويصاب يوميا لمدة (25) يوما متتالية من الحرب، هذا يؤكد فظاعة الجرائم الإسرائيلية بحق أطفال غزة، وإنَّ الأطفال فيها يتحملون الكثير من المعاناة. إنَّ الهجمات الإسرائيلية امتدت لتشمل مستشفيات خاصة بالأطفال، مثل مستشفى النصر الذي تضرر بشكل كبير نتيجة الهجمات الإسرائيلية، على الرغم من أنَّ حماية المستشفيات واجبة على جميع أطراف الصراع حسب قوانين الحرب.
فالأطفال في غزة يتعرضون للحرمان من حقهم في الحياة. إنَّ منظر الأمهات والآباء الفلسطينيين، الباحثين عن أطفالهم بين ركام المنازل وبين الجثث، يصعب تصديقه، فهناك من لم يجد من أطفاله غير الاشلاء، إلى يوم الاحد المصادف 12 نوفمبر استشهد أكثر من (4506) أطفال فلسطينيين في القصف الإسرائيلي على غزة، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أنَّ كل عشر دقائق، يستشهد طفل في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، وأكدت اليونيسف أنَّ مليون طفل في غزة يواجهون مصيرًا مجهولاً، لاسيما الذين تعرضوا خلال الحرب إلى حروق مروعة، وإصابات بالقذائف، وبتر للأطراف، في ظل غياب الرعاية الصحية، إذ أصبح (20) مشفى خارج الخدمة، بسبب نفاد الوقود والمواد الطبية اللازمة. وقد أكد المرصد الأورو متوسطي لحقوق الانسان، أنَّ عدد الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا جرَّاء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، بلغ عددًا غير مسبوق في تاريخ الحروب التي تستهدف التجمعات السكنية.
إنَّ شدة القصف الإسرائيلي أجبر سكان غزة على كتابة أسماء الأطفال على أجسادهم، لكي يسهل التعرف عليهم في حال استشهادهم. إنَّ كل تلك المأساة التي يتعرض لها أطفال القطاع، لم تحرك ضمير العالم، وعدّ البعض أنَّ إسرائيل تدافع عن نفسها، فهل الدفاع عن النفس يكون ضد أطفال، يبلغ عمر بعضهم (24) ساعة؟ لا بكل تأكيد، ولكن، بما أنَّ أحد أطراف المعادلة إسرائيل، فإنَّ كل شيء مسموح لها، حتى إن كان استهداف الجنين في بطن أمه، وكأنَّ قدر أطفال غزة لا يكبرون. إنَّ ما يتمنى كل طفل في قطاع غزة، هو أن تنتهي الحرب وأن يعيشوا بسلام، وأن يتوفر لهم الطعام والشراب دون معاناة، في الوقت الذي ظلت إسرائيل تنعم بالإفلات من العقاب بدعم حلفائها الدوليين.