الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن.
قسم الدراسات السياسية.
تشرين الثاني/ 2023
بعد مضي أكثر من أربعين يومًا على العدوان الصهيوني، بمباركة أوربية وأمريكية على غزة فلسطين، نلاحظ عدد من التداعيات على عدة مستويات:
أولا- فلسطين نفسها: غزة تتعرض لحرب إبادة وقصف بري وجوي وبحري، لذا يلجأ المقاومون إلى داخل الأرض، ويختبئ المدنيون في المستشفيات ومدارس المنظمات الدولية، فيما يمارس الاحتلال ارهابه البوليسي على الضفة الغربية، عبر قتل الرافضين لعدوانه الحالي واعتقالهم. وهنا نلاحظ أنَّ الانقسام الفلسطيني السياسي المعبر عنه مناطقيا، يظهر بوضوح في تلك الأزمة، حيث غزة معقل الحركات الاسلامية الرافضة للكيان المحتل، والضفة الغربية تحكمها السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة فتح بزعامة الرئيس عباس، والتي تهادن وتتخذ من الوسائل السياسية سبيلا لنيل الحقوق وليس السلاح.
ثانيا- الكيان الصهيوني: بعد الهزة التي سببتها عملية حماس الخاطفة في 7تشرين الأول، انقلبت صدمة الصهاينة إلى نقمة ضد الأحزاب الحاكمة، وانتقام دموي ضد الفلسطينيين. فضلا عن رغبة أهالي الأسرى بوقف الحرب، لإعادة أبنائهم من مدنيين وعسكريين.
ثالثا- العالم العربي: الشعوب العربية مغلوب على أمرها، ولم يتظاهر إلا بعضها بمساندة الشعب الفلسطيني، فيما ذهب الحكام إلى عقد قمم، يتم فيها إلقاء خطب حماسية جاهزة، للاستهلاك الداخلي وإرضاء الجمهور العربي.
رابعا- العالم الغربي: إذ سقطت أكذوبة حقوق الإنسان والتحضر والمدنية. وهنا نلاحظ انطلاق مظاهرات كبيرة في عدد من الدول الأوربية، مطالبة بوقف العدوان على غزة، وكأنَّ وعيًا خفيًا قد انتشر بين الأوربيين، يدعوهم إلى العودة إلى انسانيتهم، بل إنَّ موجة فكرية كبيرة تنتشر لاكتشاف الإسلام من جديد، وقراءة القرآن الكريم، والتعرف على إيمان جديد، واكتشاف الذات الحقيقية للإنسان.
أمّا في الولايات المتحدة، فتمَّ ولأول مرة التظاهر والاحتجاج ضد العدوان الصهيوني، وضد الدعم اللامحدود المقدم للكيان، وكأنَّ زمن الخوف من نفوذ اليهود قد ولَّى، وتهمة معاداة السامية لم تعد ترهب الباحثين عن الحقيقة. وحتى أولئك الذين لا تعنيهم الأديان والصراع بينها شيئا، رفضوا أن يتم ارسال أموال دافعي الضرائب إلى الكيان الصهيوني، ليعيش الأخير في بحبوحة، في حين يعاني الأمريكيون من ضنك الحياة، والسعي وراء لقمة العيش، وأموالهم تذهب إلى أناس يحتلون أرضًا ليست لهم، ويقتلون سكانها الأصليين.
خامسا- المنظمات الدولية: هنا يبدو العجز الدولي عن مساندة حقوق الانسان. ففي مجلس الأمن حيث تتوازن القوى بأداة الفيتو، كانت وما زالت واشنطن المدافع الشرس عن الكيان الغاصب. وفي الأمانة العامة للأمم المتحدة، وإن تصاعدت أصوات المطالبة بوقف العدوان الصهيوني، إلا إنَّ القرارات غير ملزمة.
خلاصة المشهد، دموية الإرهاب الصهيوني بأعتى ما يملك من آلة حرب، يذبح المدنيين الفلسطينيين أمام عجز العالم، أو عدم رغبته عن وقفه، فقط أولئك الذين يخرجون من الانفاق ويتصدون له، يحسب لهم ألف حساب، وهم القادرون على وقفه.