الكاتب: الدكتور عباس السلمان
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
قسم الدراسات القانونية
كانون الثاني/ 2024
إنَّ القانون هو مجموعة من القواعد العامة والمجردة، التي تنظم علاقات الأفراد في الجماعة، وتوفق بين مصالحهم، ويفرض على مخالفها جزاءً توقعه السلطة العامة، إذ إنَّ تعريف القانون بهذه المفردات، يستلزم عدم إمكان فرض جزاءً، إلا عند وجود قاعدة يقتضي اتباعها، وعند مخالفتها يفرض الجزاء. وبناءً على ما تقدم، فإنَّ مبدأ المشروعية الذي قُرر بقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، جاءت تطبيقًا لمفهوم القانون بعمومه، لذا لا يمكن أن تُفرَض عقوبة معينة، عند وقوع فعل معين، إلا مع وجود قاعدة تجرم هذا الفعل. وقد أشار دستور جمهورية العراق 2005، في المادة (61) سادسا (أ)، إلى اختصاص مجلس النواب في إعفاء رئيس الجمهورية، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا، في إحدى الحالات الآتية:
1.الحنث باليمين الدستورية.
2.انتهاك الدستور.
3.الخيانة العظمى.
وتعدُّ هذه من الجرائم التي نصَّ عليها الدستور، دون أن تشرع بها قوانين تفصيلية، تحدد الجريمة والعقوبة فيها، ثم إنَّ هذه الجرائم قد شرعت في الدستور في الباب الثالث الفصل الأول، وتخص عمل رئيس مجلس النواب واختصاصه في محاسبة رئيس الجمهورية، وهو من المناصب السيادية، وإنَّ ما يسري على رئيس الجمهورية، قد يسري على رئيس البرلمان، وفقا لقانون مجلس النواب ونظامه الداخلي، ولا توجد لمثل هذه الجرائم في الفصل الخاص بباب رئيس مجلس النواب، وأعضاء مجلس النواب، أو رئيس مجلس الوزراء، فهل تسري الأحكام ذاتها على بقية المناصب السيادية الأخرى، أم تكون محدودة بمقتضى النص الدستوري فقط؟
للإجابة عن ذلك، نقول: عن طريق تتبعنا للموضوع، إنَّ الحنث باليمين الدستوري هو جريمة شرعها المشرع الدستوري، بالنص عليها في الباب الثالث، الفصل الأول، الفرع الأول، المادة (61) من دستور جمهورية العراق 2005، إلا أنَّه لم يشرع لها قانون تفصيلي، بمعنى أنَّه نصَّ عليها في باب مساءلة رئيس الجمهورية، ولم يبين لنا تفصيلًا بقانون شمولها لرئيس مجلس الوزراء، أو رئيس مجلس النواب، فضلا عن أعضاء مجلس النواب من عدمه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية إنَّ هذه الجريمة تحتاج إلى تشريع خاص، يحدد عقوبة الحنث باليمين، وكيفية الترافع، والمحكمة المختصة بذلك، وهذا غير موجود! فضلا عن ذلك، إنَّ المحكمة الاتحادية إذا ما حدث ورفعت أمامها دعوى متعلقة بالحنث باليمين، على رئيس البرلمان أو أحد أعضاء مجلس النواب، مع عدم إغفال النظام الداخلي لمجلس النواب، فماذا تطبق بشأنها؟ والحال هذا يستدعي أن نقول: لا بُدَّ من تشريع ينظم تفصيلًا هذا الفعل بعدَّه جريمة.
ومن نافلة القول، نجد أنَّ القوانين العراقية بمجملها، خالية من موضوع محاسبة النواب ورئيسهم، من واقعة حنث اليمين الدستوري، كنص في متن قانون معين، كما هو حال بقية المناصب السيادية، ومن ثمَّ فإنَّ هذا المقال ما هو إلا دعوة إلى تشريع قانون بأسرع ما يمكن، ينظم هذا الفعل، ويحدد له العقوبة الرادعة أمام الجهة القضائية المختصة، وإذا ما كانت المحكمة الاتحادية العليا هي صاحبة الاختصاص في ذلك، مع الإشارة هنا إلى الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الاتحادية العليا، الخاصة بحنث اليمين، والتي اجلتها المحكمة المذكورة لوقت آخر للنظر فيها، ويكون ذلك بالاستناد إلى المادة (50)، والمادة (61) سادسا (أ)، والمادة (79) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.