الكاتب: حيدر المجالي
الناشر: The Jordan Times
ترجمة وتحليل: م. د. عبير مرتضى حميد السعدي
باحثة في قسم إدارة الأزمات
أثَّرت حرب غزة تأثيرًا عميقًا في الأطراف المشاركة، إذ خلفت آثارًا كارثية على الفلسطينيين تفوق التقديرات لعدد الضحايا. وعلى الرغم من عدم المساواة والظلم وانتهاك القانون الدولي والقيم الإنسانية، كانت إسرائيل أيضًا عرضة لآثار سلبية على مستوى السياسة والأمان والمجتمع والاقتصاد.
في السياق السياسي والأمني، تسببت الحرب في تدهور العلاقات الدولية لإسرائيل، ما أدى إلى انتقادات متزايدة بشأن سياستها، بوصفها قوة قمعية تتجاوز القانون الإنساني، وترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. كما توجهت انتقادات كثيرة إلى إسرائيل بسبب تدميرها لمرافق حيوية، مثل: المستشفيات والمدارس والمساكن وأماكن العبادة، فضلا عن الخسائر البشرية الكبيرة بين النساء والأطفال والمدنيين. أدت هذه الانتقادات إلى عزل إسرائيل عن الساحة الدولية، مما أثر سلباً في تجارتها وعلاقاتها الدبلوماسية مع العالم، وأخذ يضر بجهودها في التطبيع مع الدول المجاورة.
أمّا على الصعيدين الداخلي والاقتصادي، فقد زادت الحرب من التوترات الداخلية في إسرائيل، مما أثر تأثيرًا ملحوظًا في استقرارها السياسي والأمني. كما خلفت الحرب آثارًا كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، حيث تحول إلى مجتمع مضطرب وغير آمن، يعاني من انقسامات داخلية خطيرة، فقد أجبرت أكثر من (500) ألف مواطن على مغادرة إسرائيل منذ بداية النزاع، ونزوح أكثر من (400) ألف مواطن من مساكنهم إلى مناطق يعدّونها آمنة، مما أدى إلى تحول سكاني يشكل خطرًا على مجتمعهم. أمّا السكان المتبقين فيعيشون في تهديد مستمر من هجمات الفلسطينيين والصواريخ، مما يؤثر في صحتهم النفسية، وحياتهم اليومية، وجودة حياتهم العامة. وشهد المجتمع الإسرائيلي انهيارات بسبب التأثيرات النفسية والصحية على أفراده.
اقتصاديًا، يبدو أنَّ الازدهار الاقتصادي الذي احتفت به إسرائيل في السنوات الأخيرة، بدعم من صادرات التكنولوجيا والغاز، وتحسين مستويات المعيشة، قد انقضت بفعل تأثيرات الحرب الحالية. كما يتعرض الاقتصاد الإسرائيلي لاضطرابات إضافية، ومن المتوقع أن تستمر تأثيرات الأحداث التي بدأت في السابع من أكتوبر، في الأداء المالي الإسرائيلي في السنوات القادمة، نظرًا للتكاليف المالية للعمليات العسكرية، ونفقات الدفاع وإعادة الإعمار، وتعويض المتضررين، والخسائر الاقتصادية اليومية التي تجاوزت ثلاثة مليارات دولار شهريًا، وفقًا للبيانات الإسرائيلية، فضلا عن غياب أكثر من (1.3) مليون شخص عن عملهم خلال هذه الفترة. وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي بشكل سلبي بانخفاض النشاط الاقتصادي، وتراجع الاستثمارات على مختلف القطاعات، مثل: السياحة والتجارة والاستثمارات والبنوك وسوق الأسهم، بسبب العمليات العسكرية، ونقص الأمان، والتي تعدّ أكبر من أي نقص في رؤوس الأموال الواردة في النصوص الاقتصادية.
فيما يتعلق بتكاليف الحرب العسكرية، وصلت التكلفة الإجمالية حتى الآن إلى أكثر من (40) مليار دولار كتكلفة مباشرة، هذه التكلفة تشمل تمويل القوات المسلحة، وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، وتدريب الجنود، والدعم اللوجستي، وتسوية تكاليف أكثر من (28,000) فرد في القوات القتالية، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الميزانية العامة للدولة، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى عجز مالي كبير في الميزانية، نتيجة لهذه الإنفاقات العسكرية الضخمة، وستضطر الحكومة إلى تمويل هذا العجز، أمّا بالاقتراض المكلف أو بفرض ضرائب جديدة على المجتمع، مما سيؤثر في أداء الاقتصاد ومعدلات النمو بشكل عام.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت العملة المحلية (الشيكل) ضغوطًا كبيرة، إذ فقدت حوالي (6%) من قيمتها، لتصل إلى أدنى مستوى لها في ثماني سنوات. وكان على البنك المركزي التدخل عن طريق حقن حوالي (45) مليار دولار من احتياطاته المالية، لدعم العملة المحلية ومنع انهيارها. وكانت احتياطات العملات الأجنبية لإسرائيل حوالي (198.5) مليار دولار في نهاية سبتمبر 2023. فضلا عن ذلك، قامت وزارة الطاقة الإسرائيلية بتعليق إنتاج الغاز من حقول تمار وليفياثان في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية النزاع، مما أضاف عبئًا إضافيًا على الموارد المالية للحكومة، ونتيجة لذلك، ارتفعت تكلفة التأمين على ديون إسرائيل السيادية، بسبب المخاوف من عدم السداد، مما يشير إلى توقعات سلبية للآفاق الاقتصادية المستقبلية.
كما تشهد الأسواق الإسرائيلية حاليًا، انخفاضًا كبيرًا في أنشطتها، مما يؤدي إلى ظهور أنماط اقتصادية جديدة، وفقدان وظائف العمل في بعض القطاعات، حيث تأثرت الشركات بشكل كبير، بسبب تعطيل سلاسل التوريد والتجارة، فوفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، تراجعت الاستثمارات بنسبة تزيد عن (63%)، وتم تأجيل العديد من المشاريع الاقتصادية والاستراتيجية، مما يتوقع انخفاض في نمو الاقتصاد بنسبة (1.8%) مقارنة بنسبة (5.6%) العام الماضي. وأثرت الظروف الجديدة في أنماط استهلاك الإسرائيليين، إذ شهدوا نقصًا في بعض اللوازم، مثل: الخضروات والفواكه، التي كانوا يحصلون عليها من المناطق الزراعية في قطاع غزة، وتجاوزت نسبة النقص (75%). وتشير تلك الأوضاع أيضًا إلى نقص حاد في منتجات يومية أخرى، مما اضطرت الحكومة إلى استيرادها من مصادر أخرى بتكاليف عالية لتعويض العجز.
أمّا قطاع السياحة في إسرائيل، فقد تأثر تأثرًا كبيرًا خلال الحرب، حيث شهد انخفاضًا كبيرًا في السياحة العامة، بسبب التوترات الأمنية وتحذيرات السفر. وتشير أرقام البنك المركزي إلى أنَّه كان من المتوقع أن تسهم السياحة بحوالي (6.5) مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام، ولكن حتى نهاية الربع الثالث تم تحقيق فقط (3.1) مليار دولار. كما أنَّ قطاع النقل والطيران تأثر أيضًا تأثرًا كبيرًا، بسبب قيود السفر، وانخفاض الطلب على السفر الجوي إلى إسرائيل، حيث شهد قطاع الطيران الإسرائيلي انكماشًا أو إلغاء رحلات، مما أدى إلى انخفاض النشاط في مطار بن غوريون، إذ ألغت العديد من شركات الطيران الدولية رحلاتها حتى 30 مارس 2024.
التحليل:
ركزت المقالة في النتائج الابتدائية للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للحرب الحالية، وتوسعها في إسرائيل. ومع استمرار التوتر وتصاعد الأزمة، يمكن أن تتفاقم تلك التأثيرات، ويتسع نطاقها على الدول المعنية والاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، الأحداث في اليمن، لاسيما استهداف الحوثيين للسفن التجارية، ورد الولايات المتحدة على ذلك، تبرز خطورة الوضع وتأثيراته الاقتصادية والجيوسياسية.
يظهر تأثير التوتر المستمر، وتصاعد الأزمة، في الساحة العالمية بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، استهداف الحوثيين للسفن التجارية، يُثير اضطرابات في الأسواق العالمية، وتأثيراته تتسع لتشمل أسواق السلع والطاقة والعملات. ترتفع تكلفة النقل البحري بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وضرورة تأمين السفن، مما ينعكس سلبًا على اقتصاديات الدول المعنية. ارتفاع أسعار الطاقة يؤثر في تكاليف الإنتاج، ويؤدي إلى تقليل الطلب عليها.
فضلا عن ذلك، تفاقم حالة عدم اليقين الحالية، وتراجع الاستثمارات، وفقدان الثقة، مما يتسبب في تأثير سلبي، ينعكس على نمو الاقتصاد في العديد من الاقتصادات العال