م.د. بلسم عباس حمودي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية.
كانون الثاني/ 2024
تعد اللغة إحدى أهم وسائل التفاهم بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي. وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطًا وثيقًا، فأفكار الإنسان تصاغ دائمًا في قالب لغوي، وعن طريق اللغة تحصل الفكرة فقط على وجودها الواقعي.
تكمن أهمية اللغة في أنَّها أهم مميزات الجنس البشري، فهو الوحيد القادر على ترجمة أفكاره إلى ألفاظ وعبارات مفهومة عند أبناء مجتمعه، فاللغة وعاء الفكر، وإنَّ وظيفتها هي التعبير عن الفكر البشري بكل جوانبه. وتساعد اللغة على فهم الثقافة والتقاليد والعادات الأخرى، وهي تعزز المشاركة الفاعلة في المجتمعات، وتسهم في التطور الاجتماعي والثقافي. وهي أساس الحضارة ووعاؤها، والوسيلة الرئيسة التي تتواصل بها الأجيال، وعن طريقها تنتقل الخبرات والمعارف والمنجزات الحضارية بمختلف صورها، وعن طريقها أيضا لا ينقطع الإنسان عن الحياة بموته، ذلك أنَّ اللغة تعينه على الامتداد تاريخيًا، ليسهم في تشكيل فكر الأجيال القادمة وثقافتهم وحياتهم.
ويرى العالم السويسري (دي سوسير) إنّ ما نسميه لغة يتخذ مظهرين مختلفين، أحدهما: واقعي، والآخر: ذهني، وقد أطلق على الأول (الكلام) وعلى الثاني (اللغة). فـ (الكلام) عنده هو: (ما يحدث فعلا من أصوات لغوية صادرة عن الإنسان). أمّا (اللغة) فهي: (مجموعة الصور الذهنية التي توجد في عقل جماعة من الجماعات، والتي يمكن أن تخرج إلى الوجود على شكل كلام).
وعلى الرغم من أهمية اللغة، إلا أنَّ العلماء القدامى منهم والمحدثين، اختلفوا في تعريفها، ومعرفة ماهيتها، وليس هناك اتفاق شامل على مفهوم محدد لها. ويرجع سبب كثرة التعريفات وتعددها، إلى ارتباط اللغة بكثير من العلوم. ومن أبرز تعريفاتها تعريف (أرسطو) بأنَّها: نظام لفظي محدد نشأ نتيجة اتفاق بين أفراد المجموعة البشرية في مكان ما، فهو يرى أنَّ اللغة نشأت بالتدريج شيئًا فشيئًا، وإنَّها لا تقع مرة واحدة، وإنَّ اللغة تنمو وتتسع باتساع الحاجة والإدراك. كما عرَّفها ابن الحاجب فقال: (إنَّها كل لفظ وضع لمعنى). أمَّا المحدثون فقد عرفوها بأنَّها: نظام صوتي ذو مضامين محدودة تتفق عليه جماعة معينة، ويستخدمه أفرادها في التفكير والتعبير والاتصال فيما بينهم.
ومن تعاريف اللغة تعريف ابن جني في كتابه الخصائص، وهو أنَّها: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. ويرى البعض أنَّه تعريف متكامل، لأنَّه يشمل جوانب عديدة، هي:
- إنَّ اللغة أصوات، فهو يوضح طبيعة اللغة.
- إنَّ اللغة تعبير يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، فهو يوضح أنَّ للغة وظيفة اجتماعية هي التعبير، وأنَّ لها إطارًا اجتماعيًا، ومن ثَمَّ فهي تختلف باختلاف الجماعات الإنسانية.
ومن بين اللغات الكثيرة والمختلفة، تميزت اللغة العربية عن غيرها من اللغات، بخصائص منحتها مزيدًا من الأهمية، فهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم للناس كافة، والذي يعدّ ركيزة أساسية في الحفاظ على اللغة العربية، كما أسهم في صقلها وتطويرها عبر العصور، فضلا عن اكسابها مكانة دينية وروحية خاصة.
واللغة العربية تتميز بقواعد لغوية دقيقة، ونظام كتابة فريد، كما أنَّها لغة غنية بمفرداتها وتعابيرها التي تعبر بعمق عن جوانب متعددة من الحياة والثقافة، مما يتيح للأدباء والشعراء التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل متميز، ومن ثمَّ يسهم في إثراء التراث الثقافي. وهي لغة تحمل تاريخًا ثقافيًا وأدبيًا غنيًا، وتراثًا حضاريًا عريقًا. وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تشكيل الثقافة ونقلها، وتطور العلوم المختلفة. لذا حري بنا أن نعتز ونفخر بها، فلا لغة تنافسها أو تماثلها، وهي عنوان الحضارة، فما اضمحلت حضارتنا إلا بإهمالنا لها وابتعادنا عنها، واستخفافنا بعقول أبنائها