الكاتب: د. عباس السلمان.
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية.
قسم الدراسات القانونية.
إنَّ القضاء الولائي آلية قرار وقتي، يصدره القاضي في الأحوال المنصوص عليها في القانون، في أمر مستعجل، بناءً على طلب يقدم إليه من أحد الخصوم، إذ إنَّ المرجعية في إصدار الأوامر الولائية، ترجع في أساسها إلى قانون المرافعات المدنية، رقم 83 لسنة 1969 النافذ والمعدل، وبالتحديد المواد: (151)، (152)، (153)، إذ نصَّ المشرع العراقي في المواد السابق ذكرها على:
- نصت المادة (151) على: (لمن له حق في الاستحصال على أمر من المحكمة، للقيام بتصرف معين بموجب القانون، أن يطلب من المحكمة المختصة، إصدار هذا الأمر حالة الاستعجال، بعريضة يقدمها إلى القاضي المختص، وتقدم نسختين من هذه العريضة، مشتملة على وقائع الطلب، وأسانيده، ويرفق بها ما يعززها بالمستندات). أمّا المادة (152)، فقد نصت على: (يصدر القاضي أمره كتابة بالقبول أو الرفض، على إحدى نسختي العريضة، في اليوم التالي لتقديمها على الأكثر، ويعطى الطالب صورة رسمية من الأمر بذيل النسخة الثانية من العريضة، ويحفظ الأصل في قلم كتاب المحكمة، ويبلغ من صدر الأمر ضده بصورة منه). المادة 153، (ف1. لمن يصدر الأمر ضده، وللطالب عند رفض طلبه، أن يتظلم لدى المحكمة التي أصدرته، خلال ثلاثة أيام من تاريخ إصدار الأمر، أو من تاريخ تبليغه، وذلك بتكليف الخصم الحضور أمام المحكمة بطريق الاستعجال. ف2ـ يجوز رفع التظلم تبعا للدعوى الأصلية، في أي حالة تكون عليها الدعوى، ولو في أثناء المرافعة بالجلسة. ف3ـ وتفصل المحكمة في المتظلم على وجه الاستعجال، بتأييد الأمر أو إلغائه أو تعديله، ويكون قرارها قابلًا للتمييز).
وإذا وقفنا عند هذه النصوص من القانون المذكور، نجد أنَّ المشرع ابتغى في هذه النصوص، تحقيق أمور ومميزات لا تتوافر في إجراءات الدعوى العادية، فالأمر الولائي يمنح القاضي دورًا إيجابيا، وسلطة واسعة، كما أنَّ الأمر الولائي يبت في نزاع وقتي ومستعجل، ولا يتعلق بأصل الحق، ولا يغرب عن الذهن أن الأمر لا يحوز حجية الأمر المقضي فيه، أضف إلى ذلك عدم تواجه الخصوم في الأمر الولائي. فمن نافلة القول، إنَّ استصدار أمرًا ولائيًا يلزم أن تتوافر شروط، هي:
1.طلب تقديم إصدار أمرًا ولائيًا من قبل أطراف النزاع أو من يمثلهم.
- أن يكون هذا الطلب مكتوبًا، وأن يكون بنسختين مع ذكر الأسباب والسند القانوني، وهو التسبيب، وإذا ما توفر هاذين الشرطين، مع بقية الإجراءات الشكلية الصحيحة، يقوم القاضي بإصدار أمرًا ولائيًا، بمقتضى ما للمحكمة من سلطة تقديرية وفقا للاختصاص.
ووفقا لما تقد ذكره بخصوص الأمر الولائي، فإنَّ إصدار الأمر الولائي هو من اختصاص محكمة الموضوع، بغض النظر عن درجة هذه المحكمة، ولكن بشرط الاختصاص. ولكن، هل إنَّ إصدار الأوامر الولائية من الهيئات القضائية العليا، كمحكمة التمييز أو المحكمة الدستورية العليا، كالمحكمة الاتحادية العليا في العراق ذاته بالنسبة لمحاكم الموضوع، أم إنَّ الأمر الولائي له تنظيم آخر من حيث المفهوم ومن حيث الأثر؟
في معرض الإجابة، نقول: إنَّ القانون العراقي شرع المواد المنظمة للأمر الولائي في متن قانون اجرائي، ولم يميز بين درجات المحاكم وأصنافها، ولا يوجد غير هذا التنظيم للأمر الولائي، كما أنَّ هذا التنظيم يكشف لنا المفهوم الأحادي للأوامر الولائية، واختصاص المحكمة التي تصدره، ولكن ما يتميز به الأمر الولائي الذي يصدر عن المحكمة الاتحادية العليا، هو عدة أمور، منها:
1.عدم جواز الطعن بقراراتها استنادا إلى المادة 94 من دستور جمهورية العراق 2005، ومن ثَمَّ لا يمكن الطعن بالأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا، وفقا للمادة 152 من قانون المرافعات لسنة 83 لسنة 1969 إلا استثناءً، وفقا لنص المادة (153)، (ف1) و(ف2) و(ف3)، وإذا ما تظلم من الأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا، تبت المحكمة فيه على وجه الاستعجال، ولكن الـ (ف3) من المادة (153) من قانون المرافعات المدنية، أجازت الطعن بقرار الأمر الولائي أمام محكمة التمييز، فهل يجوز الطعن بقرار الأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية بالتمييز؟ ونقول في الإجابة: إنَّ هذا الأمر غير متصور، لأنَّ قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة، ولا يجوز الطعن فيها، استنادًا إلى المادة 94 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وبدلالة المادة 36 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، وفي هذا تختلف الأوامر الولائية التي تصدرها المحكمة الاتحادية عن محاكم الموضوع.
- الأثر المترتب على الأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا، يتسع ليشمل السلطات في الدولة كافة، استنادا إلى نص المادة (94) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
- أضف لما تقدم، فقد نصَّ النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، لسنة2021 المادة 39 للمحكمة، (النظر في طلبات القضاء المستعجل، والأوامر على العرائض وفقا لأحكام قانون المرافعات، رقم 83 لسنة 1969، أو أي قانون يحل محله).
ومن نافلة القول، فقد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا أمراً ولائياً، بالعدد (153/ اتحادية/ أمر ولائي /2023)، بتاريخ 12/7/2023 تضمن ايقاف تنفيذ المواد الآتية: المادة ((28/ رابعاً: أ-ب) و(57/ أولاً -ج) و(65/ ثانياً) و(70/ ثانياً) و(71) و(75) من قانون رقم (13) لسنة 2023، (الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنوات المالية (2023 – 2024 – 2025)، لحين البت بالدعوى الدستورية المقامة أمام هذه المحكمة، للطعن بدستوريتها المسجلة بالعدد (153/اتحادية/2023). وهذا القرار فيه جنبة إدارية أكثر منها قضائية في إنشاء المراكز القانونية للوظيفة، وتغييرها وترتيب الآثار، مما دعانا لدراسته بشكل علمي يستلزم بيانه، لتحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله، إذ يعدّ هذا المقال دعوة أكاديمية، لدراسة موضوع الأوامر الولائية التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا، بأطروحة أو رسالة تغطي حيثيات هذا الموضوع العملي الفعال.