م.م قسمة عزيز فرج
مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم إدارة الأزمات
شباط /2024
التسول ظاهرة قديمة جدا، وكل يوم يزداد عدد المتسولين، مبتكرين طرقًا مختلفة لاستحصال الأموال، وآخرها التسول الإلكتروني، الذي يعد حالة جديدة نخشى أن تتحول في قادم الأيام إلى ظاهرة بحد ذاتها، فلا تكاد تخلو أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي من هذه الحالة. ففي أي برنامج نجد هناك من يطلب الإغاثة، ويشكي العوز تحت عدة مسميات، وأكثرها انتشارًا جمع الأموال لغرض إجراء العمليات الجراحية. يعتمد المتسول فيها على عاطفة المستخدمين لتلك البرامج، مستخدماً الآيات القرآنية التي تحث على دفع الصدقات والمساعدة، وفي الغالب يدفع الناس دون التأكد من صحة الحالة المذكورة، فقد تكون بعض تلك الحالات ليس حقيقية، ويكون الغرض منها النصب والاحتيال، لاسيما مع انتشار هذه الحالات بشكل كبير، وبذلك يكون الشخص قد وقع في فخ الاحتيال دون معرفة ذلك.
ليس كل متسول فقيرًا أو صاحب حاجة ماسة، ولكن سهولة الحصول على الأموال، دفعت الكثير إلى جعل التسول مهنة لهم، سواء كان التسول في المواقع الافتراضية أو في الطرقات، لاسيما مع صعوبة التمييز ومعرفة حقيقة تلك الحالات من قبل مستخدمي تلك البرامج، فضلا عن أنَّ استخدام الأسماء المستعارة، يشكل عائقًا آخر للجهات المختصة، للتحقق من هوية المتسولين، لذا من الصعب معرفة الحقيقة من الخداع في هذه الحالات. ولتجنب تلك الحالات يجب أن تدفع هذه الأموال مهما كان حجمها، إلى جهات معلومة وموثوقة، لكي لا تستغل تلك الأموال في دعم الجماعات المتطرفة، وتمويل الإرهاب، أو لتعاطي المخدرات، وبذلك يكون الشخص قد تجنب أمرين غاية في الأهمية، وهما: أن لا يكون قد وقع ضحية لعمليات النصب والاحتيال، أو بين الشعور بالذنب لعدم المساعدة.
فضلا عن ذلك فإنَّ مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، يلجأ أغلبهم إلى التسول بشكل غير مباشر، عن طريق جمع الأموال بحجة مساعدة الفقراء، دون الكشف عمَّن هم هؤلاء الفقراء، وهذا دليل على أنَّ هؤلاء الأشخاص موهوبون في احتيالهم، حتى أنَّ بعضهم اتخذه مهنة لصعود أول خطوات سلم الثراء، لذا فإنَّ التسول الإلكتروني لا يختلف عن التسول التقليدي، ففي النهاية هو طريقة سهلة لكسب المال والمزيد من المال، ولا يرتبط بأي شكل من الأشكال بالوضع الاقتصادي للمتسول، ففي أكثر من حالة تجد السلطات المختصة مبالغ كبيرة جدا في منازل المتسولين بعد وفاتهم، لذا في الأغلب يرتبط التسول بالاتكالية والتنشئة الخاطئة.
إنَّ الشخص المتسول يدعي عدم قدرته على توفير أجور العلاج، أو عدم إمكانية دفع إجار المنزل، أو لا يستطيع توفير الطعام، في الوقت الذي يمتلك أجهزة متطورة، واشتراك إنترنيت، لذلك يعد المتسول الإلكتروني شخصًا محترفًا في الاحتيال والنصب، فهو يعرف كيف يستغل عواطف الآخرين دون إحراج ذاته.
يجب أن تكون هناك حملات توعية على “وسائل التواصل الاجتماعي لكونها الوسيلة الأسرع في الوقت الحاضر، والأكثر انتشارًا بين مختلف الفئات”، عن مخاطر حالات التسول الإلكتروني من قبل الجهات الرسمية، وبيان المخاطر التي من الممكن أن يقع بها الأشخاص، من جهة أخرى يقع على عاتق هيئة الاتصال والإعلام، مسؤولية متابعة الصفحات التي تروج لتلك الحالات، والتأكد من مدى صحتها، لأنَّ هناك عصابات جريمة منظمة تستغل مواقع التواصل الاجتماعي لكسب الأموال، عن طريق استغلال الحالات الإنسانية لبعض الأشخاص، لاسيما أنَّ العراق يفتقر إلى قانون خاص بالجرائم الإلكترونية، وضعف الرقابة وغياب القانون يعدان حافزًا للبعض لاستغلال الناس، وفي الوقت ذاته استغل معاناة أصحاب الحاجة الحقيقية، لاسيما أنَّ منهم من يعاني من أمراض تكلفة علاجها أكثر من قدرتهم المالية. وإنَّ استخدام صور ومقاطع فيديو للأشخاص المحتاجين، يدخل في سياق الاتجار بالبشر، فضلا عن أنَّ التسول الإلكتروني يعد من وسائل الكسب غير المشروع.
وللحد من حالات التسول الإلكتروني، من الأفضل أن تذهب تلك الأموال إلى الجهات المعلومة والمعروفة بمصداقيتها، كي تصل إلى مستحقيها الفعليين، لاسيما أنَّ هناك حالات حقيقية تقدر بالآلاف، فضلا عن أنَّه يجب إبلاغ الجهات الأمنية عن رسائل طلب الأموال، لكي تتخذ الإجراءات القانونية بحق هؤلاء الأشخاص، لكون المجتمع ليس بحاجة إلى ظواهر سلبية أخرى، ويبقى الأمل بالوعي لدى فئات المجتمع، بالامتناع عن الترويج للحالات التي لا يعرف حقيقتها، لأنَّ هذه الوسيلة الأكثر فعالية في الحد من تحول هذه الحالات إلى ظاهرة سلبية في المجتمع.