أ.م. علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
شباط/ 2024
على أثر الاحتجاجات الشعبية الكبيرة، التي انطلقت في تشرين من العام 2019، والتي سميت بتظاهرات تشرين، والتي كان أحد أبرز مطالبها، إلغاء عمل مجالس المحافظات والأقضية والنواحي، لما كانت تمثله من حلقة يشوبها الكثير من الملاحظات على عملها وأدائها، وكثيراً ما كانت تشهد صراعات، وتعطيل متبادل للمصالح، وكثرة تبديل منصب المحافظ، وغيرها من العراقيل. على أثر تلك الضغوط، صوَّت مجلس النواب العراقي في 28 تشرين الأول 2019، على حل مجالس المحافظات، بما فيها مجلس محافظة كركوك، وقد واجه القرار انتقادات كبيرة، وتقديم طعن من قبل عدد من المجالس بالضد من القرار، بحجة أن البرلمان لا يمتلك صلاحية حل مجالس المحافظات بقرار، الأمر الذي أعاد البرلمان بتاريخ 26 تشرين الثاني 2019، بالتصويت على التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم 12 لعام 2018، وقرر تعليق عمل جميع مجالس المحافظات، فيما تم عودة العمل بها بعد انتخابات مجالس المحافظات، التي أجريت في 18/ 12/ 2023.
أمّا عن انتخاب تلك المجالس، وطبيعة عملها ودورها، فقدد حدد ذلك قانون الإدارة المحلية رقم 21 لسنة 2008. ينظم القانون تشكيل مجالس المحافظات وعملها في العراق، ويحدد الصلاحيات والمسؤوليات والإجراءات الإدارية، التي يجب اتباعها في تشكيل المجالس، واختيار أعضائها، وانتخاب رئيس المجلس وأعضاء مجالس المحافظات العراقية، ومن ثم المادة الدستورية لعمل مجالس المحافظات في العراق، هي المادة (122) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، التي نصت على:
أولاً: تُشكل في كل محافظة هيئة إدارية محلية تُسمى مجلس المحافظة، ينتخب أعضاؤه من قبل أهالي المحافظة بالاقتراع السري المباشر، ويكون عدد أعضائه متناسباً مع عدد سكان المحافظة.
ثانياً: يُناط بمجلس المحافظة ممارسة الصلاحيات الإدارية والمالية ضمن حدود المحافظة، وفقاً لأحكام هذا الدستور والقانون.
ثالثاً: يُحدد قانون مجالس المحافظات صلاحيات مجلس المحافظة وواجباته، وآلية عمله، ونظام انتخاب أعضائه، وشروط عضويتهم، وتشكيلته، ونظامه الداخلي.
رابعاً: يُنظّم بقانون انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحياتهما.
أمّا عن الانتخابات الأخيرة التي وصلت نسبة المشاركة فيها، حسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق إلى (41%)، فقد رسمت نتائجها خارطة مجالس المحافظات، باستثناء التيار الصدري الذي قرر عدم المشاركة بها. وقد أفرزت نتائج الانتخابات صورة مشابهة لما موجود في تحالفات مجلس النواب، أي: الكتل السياسية ذاتها، إلا أنَّ اللافت للنظر هو محافظات واسط والبصرة وكربلاء، إذ حقَّق محافظو تلك المحافظات تقدماً بفارق عن أقرب المنافسين، ومن ثمَّ تمكنوا من الحفاظ على منصب المحافظ، بالرغم من حجم الاعتراض من قوى الإطار، الذين تمكنوا من السيطرة على بقية المحافظات في الوسط والجنوب، في حين تمكن تقدم بزعامة الحلبوسي من الحفاظ على منصب المحافظ في الانبار، وتمكن أبو مازن من شغل منصب المحافظ في صلاح الدين، فيما تبقى مسألة كركوك وديالى في طور الحل.
والأهم في كل ما تقدم، هل تتمكن مجالس المحافظات الجديدة من تغيير الصورة والنظرة حول عملها ودورها، لاسيَّما أنَّ الكثير ينتظر عمل تلك المجالس، من رقابة، وتشريع، ورسم للخطط داخل المحافظة، ومن ثمَّ تحقيق رضا مجتمعي، حتى إن كان بالحد البسيط، وهو ممكن باعتبار أنَّ تجربة عدد من المحافظات، قد غيّرت نوعًا ما تلك النظرة، كون أنَّ الحكومة المحلية هي الاقرب للمواطن، والأكثر احتكاكًا مع متطلباته، وتقديم الخدمات، ورسم خارطة بما يرتقي بمستوى المحافظة ككل، لاسيّما أنَّ الخطط والمشاريع هي من تقوم بها، فيما يقابل ذلك تحديات عدة، منها: أنَّ المحاصصة في توزيع المناصب، والصراعات ما بين الكتل الفائزة، وغياب الرؤية الموحدة للنهوض بواقع المحافظة، كل ذلك قد يفقد تلك الحكومات ثقة الجمهور مجددًا، وهو أمر في غاية الخطورة، لذلك إنَّ الادراك، والاستعداد، والعمل الدؤوب، وحده يفضي للمضي قدمًا.