الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
آذار/ 2024
يزخر تاريخ الولايات المتحدة بعدد كبير من الحروب الداخلية والخارجية، ثُبِّتت فيها ركائز النظام الأمريكي، حسب ما يرى قادته، وإن ساء وجهتهم مقاومة الشعوب وتصديها الشجاع، ومن أبرز تلك الشعوب التي واجهت الطغيان الأمريكي في بداياته، شعب الهنود الحمر في الأراضي الأمريكية نفسها، بوصفهم السكان الأصليين الذين تفاجئوا بغزاة أوربيين، يحملون فكرًا وسلاحًا غريبين.
حصلت العديد من المواجهات بين المستوطنين البيض وسكان الأرض الأصليين، بعد أن أسس المهاجرون مستوطنات أصبحت تنمو وتتزايد أعدادها، على حساب وجود الهنود الحمر وحياتهم، وكانت الغلبة فيها، في نهاية المطاف، للقادمين الجدد.
إنَّ الصدام بين المجموعتين، كان لأسباب عديدة، منها: ما يتعلق بوسائل العيش، إذ اعتمد الهنود على الصيد، والوافدون على الزراعة، وهذا يعني تجريد الغابات لأجل زراعتها، مما وضع السكان بين خيارين، أمّا الاشتباك مع الأقوام الغازية، أو النزوح لأراضٍ أخرى، قد تكون سكنًا لقبائل أخرى، فيحصل صراع داخلي بين الهنود. فضلا عن أسباب أخرى منها ما هو ثقافي، حيث كانت نظرة الأوربي الأبيض إلى الهندي، بأنَّه متوحش لا يستحق الحياة.
ومن المعارك التي جرت بين المستعمرين الغزاة والسكان الهنود:
1-مذبحة جيمستاون 22 آذار 1622: وهي جزء من حروب استمرت لعقود من الزمن، قاد زعيم الهنود بوهاتان هجومًا أسفر عن مقتل ما يقارب (350) من حوالي (1200) مستعمر. فرد الإنجليز بمهاجمة قرى الأمريكيين الأصليين، ومداهمة المحاصيل وتدميرها، وإجبارهم على ترك أراضيهم.
2-حرب بيكوت عام 1636: مع تنافس البريطانيين للسيطرة على تجارة الفراء في ولاية كونيتيكت الاستعمارية، أدت التوترات إلى سلسلة من الصراعات، بما في ذلك هجوم شنته الميليشيات الإنجليزية ضد قبيلة بيكوت الهندية في ميستيك، وانتهى الأمر بمئات من وفيات بيكوت، وكثير منهم من الأطفال والنساء. خوفًا من المزيد من الهجمات، غادر العديد منهم أراضيهم وانتهت الحرب.
3-حروب القندس 1640-1701: كانت جلود القندس المرغوبة، التي تم تداولها مع الإنجليز مقابل الأسلحة النارية والأدوات والإمدادات الأخرى، هي محور معركة تجارة الفراء الدموية التي استمرت (60) عامًا، وراح ضحيتها الآلاف من الطرفين.
4-حرب الملك فيليب من تموز 1675 إلى آب 1676: أدى التعدي المتزايد على أراضي الأمريكيين الأصليين، إلى إثارة واحدة من أكثر الصراعات دموية للفرد في التاريخ الأمريكي. وقعت معركة ميتاكوم، التي أطلق عليها الإنجليز اسم الملك فيليب، والتي تُعرف أيضًا باسم حرب ناراجانسيت الكبرى، في رود آيلاند وماساتشوستس وكونيتيكت وساحل ماين.
5-ثورة بويبلو من آب إلى أيلول 1680: مع تصاعد التوترات بين الإسبان وهنود بويبلو في نيو مكسيكو، حاصر بويبلو، بقيادة بو باي، سانتافي، ودمروا المستوطنات الإسبانية، وأجبروا المستعمرين على التراجع لمدة (12) عامًا.
6-حرب الملك وليام 1689-1697: في ما يسمى أيضًا بالحرب الفرنسية والهندية الأولى، قاتلت إنجلترا، المتحالفة مع كونفدرالية الإيروكوا، فرنسا، بدعم من كونفدرالية واباناكي، من أجل تجارة الفراء والسيطرة على الأراضي في كونيتيكت الاستعمارية وماساتشوستس ونيو هامبشاير ونيويورك.
7-مذبحة شنيكتادي شباط 1690: ردًا على هجوم سابق شنه الإيروكوا في فرنسا الجديدة، هاجمت الميليشيات الفرنسية، مع أعضاء من قبائل الموهوك والألغونكوين، المستوطنة الهولندية والإنجليزية في نيويورك المستعمرة، مما أسفر عن مقتل (60) شخصًا، وأسر ما يقرب من (30) آخرين.
8-حرب الملكة آن 1702-1713: يُعرف هذا الصراع باسم حرب الخلافة الإسبانية في أوروبا، وقد اندلع الصراع أيضًا في أمريكا الشمالية، إذ قاتل المستعمرون الإنجليز الفرنسيين، وكلا الجانبين مع حلفاء هنود، من أجل الأراضي في نيو إنجلاند، ومستعمرة كارولينا الجنوبية وفلوريدا الإسبانية.
9-حرب توسكارورا 1711-1715: في ما يسمى بالحرب الأكثر دموية في ولاية كارولينا الشمالية الاستعمارية، حارب شعب توسكارورا الناطق باللغة الإيروكوا وحلفاؤه المستعمرين الإنجليز، في حين سعى المستوطنون إلى توسيع أراضيهم. في النهاية، انتصر الإنجليز، حيث قُتل (200) مستعمر و(1000) هندي، وتم بيع حوالي (1000) من التوسكارورا الذين تم أسرهم كعبيد.
10-حرب ياماسي 1715-1718: تمردت قبيلة ياماسي ضد حلفائها السابقين، المتحالفة مع كاتاوبا وآخرين، وهاجمت الإنجليز في مستعمرات كارولينا الجنوبية، بسبب انتهاكات المعاهدات والتعديات ومعارك تجارة الفراء. بمجرد هزيمتهم، انسحب العديد من الهنود إلى فلوريدا، وشكلوا فيما بعد قبيلة سيمينول.
11-الحرب الفرنسية والهندية 1754-1763: المعروف أيضًا باسم حرب السنوات السبع، حرَّض الصراع الإمبراطوري فرنسا وحلفاءها الأمريكيين الأصليين ضد بريطانيا العظمى، المتحالفة مع كونفدرالية الإيروكوا. وبينما كانت إنجلترا تسيطر على المستعمرات الثلاث عشرة، طالبت فرنسا بأراضٍ من لويزيانا وخارجها. على الرغم من الانتصارات الفرنسية المبكرة، أسفرت الحرب عن مكاسب إقليمية ضخمة لبريطانيا، وانتهت بمعاهدة باريس عام 1763، منهية الحرب الثورية.
12-حرب الشيروكي 1759-1761: تزايدت التوترات بين الهنود الشيروكي وحلفائهم البريطانيين السابقين في كارولينا الشمالية، بسبب هجمات المستوطنين والخيانات والتعدي على الأراضي. ردت قبيلة الشيروكي بمهاجمة المستوطنات، لكن جيوشًا كبيرة من القوات البريطانية تغلبت على القبيلة.
13-تمرد بونتياك 1763-1765: بدءًا من وادي نهر أوهايو والبحيرات الكبرى وانتشارها شرقًا حتى فرجينيا، اشتبكت القوات البريطانية مع أفراد من قبائل ألجونكويان وإيروكويان وموسكوجيان وسيوان الناطقة باللغة، بسبب القيود التجارية والتعدي على الأراضي. كانت هجمات الهنود الأمريكيين ضد الحصون البريطانية ناجحة إلى حد كبير، وأدت إلى استسلام إنجلترا لمطالب الأمريكيين الأصليين. لكن الصراع جلب أيضًا استياءً جديدًا، وأعمالًا عدائية ضد الهنود من قبل المستعمرين.
14-حرب اللورد دنمور 1774: هاجمت ميليشيا فيرجينيا، التي سُميت على اسم حاكم فرجينيا الملكي، هنود شاوني في كنتاكي، الذين كانوا يدافعون عن أراضيهم. كان الصراع الرئيس في الحرب هو معركة بوينت بليزانت في تشرين الاول 1774، حيث هزمت الميليشيا قبيلة شاوني في ولاية فرجينيا الغربية الحالية. أدت المعاهدة التي تلت ذلك إلى التنازل عن الأراضي الواقعة جنوب نهر أوهايو للبريطانيين.
في النهاية، حسمت المعارك لصالح العنصر الأبيض، والتي يذكر تقرير صدر عن المكتب الأمريكي للإحصاء، أنَّ عدد تلك المعارك بلغ ما يزيد على (40) حربًا، بفعل عدة عوامل منها:
- الكثرة العديدة، فالموجات البشرية القادمة من أوربا صوب سواحل أمريكا، كانت كبيرة ومتوالية، وامتلاك المهاجرين التقنية التي مكنتهم من التغلب على الخصم، بفعل السلاح الناري الذي كان مفتقدًا لدى الهنود، ومن ثم دخول المكننة في استثمار الأراضي، مما تسبب في طرد المزيد من السكان الأصليين، بفعل إبادة الكثير من الغابات والحيوانات التي يعتاش عليها السكان الأصليين.
- الأمراض الفتاكة التي جاءت مع الجنس الأبيض، والتي لم يألفها الجهاز المناعي للهنود الحمر، حيث الحياة في الغابات ومع الطبيعة، والتي لا تعلم شيئا عن أمراض التجمعات البشرية في أوربا، كالطاعون والملاريا وباقي الآفات والحشرات المؤذية. فإلى جانب الحروب العدوانية التي خاضها المستوطنون الجدد ضد الهنود الحمر، يذكر من بين أسباب التناقص الحاد في تعداد السكان الأصليين، الأمراض المعدية التي وفدت عليهم مع القادمين الأوربيين، والتي لم تكن لدى الأمريكيين الأصليين أي مناعة مكتسبة ضدها. وقد قدرت بعض الدراسات نسبة الوفيات الناجمة عن أوبئة الجدري بين السكان الأصليين لأمريكا بحوالي (80 – 90%).
- عادات الطعام الحضرية، التي دخلت إلى مائدة السكان الأصليين، وأدت إلى مشكلات صحية خطيرة، ومنها السكر الأبيض والخمور، وافرزت توجهات اجتماعية وسلوكية لا تتناسب مع ما اعتاد عليه الهنود، الذين كانوا يعتمدون بشكل كامل، أمّا على الصيد أو ما تدره الطبيعة لهم.
وحاليا لم يتبقَ من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، سوى أربع ملايين نسمة، موزعين على مئات القبائل، وهم في كفاح مستمر لنيل المزيد من حقوقهم التي كفلها الدستور الأمريكي لجميع المواطنين الأمريكيين.