أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
آذار/ 2024
تعود الأحداث في اليمن وسيطرة الحوثيين على السلطة فيها، إلى بداية ثورات الربيع العربي عام 2011، إذ اندلعت مظاهرات في اليمن تطالب بالإصلاح، وإسقاط نظام الرئيس السابق (علي عبد الله صالح)، الذي تم اغتياله لاحقًا عام 2017، وهنا أصبحت معظم اليمن، محافظات اليمن الشمالية بما فيها العاصمة صنعاء، تحت سيطرة الحوثيين. وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية، بدفع دول الخليج العربية بما سميت حينها عاصفة الحزب، وتشكيل تحالف عربي ضدهم، واستمرار الحرب معهم لمدة تزيد على سبع سنوات، إلا أنّها لم تحقق أي تقدم يذكر، بل أصبحت القواعد الأمريكية والمنشآت النفطية، تحت مرمى نيران الحوثيين، لهذا شكَّل الحوثيون معضلة حقيقية للولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، لاسيَّما أنَّهم مدعومون من قوة مناهضة لأمريكا، وهي إيران. وعلى مدى سنوات فشلت كل المحاولات، سواء بالتفاوض أو بالقوة، أن تفك تحالفهم مع إيران. بعدها جاءت حرب غزة في 6 تشرين الاول 2024، وما تلاها من أحداث دموية، بعد أن شنت اسرائيل عدوانًا واسعًا، سبَّب استشهاد عشرات الآلاف من أهالي غزة، جلّهم من الاطفال والنساء والشيوخ، ودمار البنية التحتية والمباني والمستشفيات والمدارس، وحسب تقارير الوكالات الدولية والصور، فإنَّ غزة أصبحت عبارة عن انقاض وأشلاء بشرية. ومنذ اللحظة الأولى للهجوم الصهيوني على غزة، وقفت أمريكا بكل ثقلها مع الكيان الغاصب، ودعمته بالسلاح والأموال والدعم العسكري المباشر، عن طريق إرسال حاملات طائرات إلى المنطقة، لوقف أي دعم لأبناء غزة. وعلى الرغم من الصمت العربي والإسلامي المطبق، إلا أنَّ الحوثيين، وبالرغم من امكاناتهم المتواضعة، دخلوا في المواجهة ضد العدو الصهيوني، عن طريق إطلاق الصواريخ والمسيرات ضد مدن الكيان المحتل، والتي أغلبها لم تصل إلى أهدافها، بسبب اعتراضها من قبل البوارج الأمريكية والبريطانية.
وقد لجأ الحوثيون إلى استراتيجية عسكرية جديدة، وهي استهداف الشريان الحيوي لتجارة الكيان الصهيوني، القادمة من دول الخليج العربي وآسيا، المارة عبر مضيق عدن والبحر الأحمر، باستهداف السفن الاسرائيلية أو التي تتعاون معه، وتم استهداف بعضها واحتجاز أخرى أو إغراقها، وهو ما سبَّب شللًا في التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، وتحويل مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على السفن، وتضرر العديد من الدول التي تعتمد في نقل تجارتها على البحر الأحمر، فضلا عن تضرر مصر التي تعتمد ايضا على مورد مهم، وهو الايرادات من السفن المارة عبر قناة السويس. وعلى الرغم من انطلاق عمليات عسكرية أمريكية بريطانية، وقصف جوي ضد أهداف يمنية في عدة مدن شمالية، يوجد فيها الحوثيون، وتشكيل تحالف بحري ضمَّ عددًا من الدول الاوربية، وبعض الدول العربية ومنها البحرين، تحت مسمى تحالف (حارس الازدهار)، وبالرغم من القصف الجوي الغربي الأمريكي ضد الحوثيين، إلا أنَّ العمليات مستمرة وبوتيرة عالية، وأنَّ الاستهداف توسع ليشمل السفن البريطانية والأمريكية، التي تقدم الدعم والإسناد للكيان الصهيوني. والسؤال المهم الذي يُطرح هنا، هو: على الرغم من كل الامكانات العسكرية الأمريكية، والبريطانية، والتحالف البحري الدولي، مقارنة بالحوثيين، والدعاوى الأمريكية من أنَّ هدف تدخلها، هو لحماية التجارة الدولية، ومنع توقف امدادات الطاقة، إلا أنَّ الملاحظ أنَّ استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية، والمرتبطة بها لم يتوقف، وشمل أيضا الدول الداعمة للكيان الصهيوني. كذلك، على الرغم من كل الامكانات العسكرية الأمريكية والدول المتحالفة معها، فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في توسيع المواجهة العسكرية مع الحوثيين؟
إنَّ اتساع حرب غزة، والخسائر البشرية بين الفلسطينيين، وارتكاب المجازر ولاسيَّما ضد الأطفال والنساء، ومنع الغذاء والمساعدات عنهم، والصور التي تنشر يوميا، جعل العديد من شعوب العالم تقف وتتعاطف معهم، وأصبح هذا الموقف عامل إحراج للولايات المتحدة الأمريكية، والدول الداعمة لإسرائيل، كذلك إنَّ رفع جنوب افريقيا دعوى ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية، وتقديم الأدلة بارتكاب مجازر، وحرب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، أضعف الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، لاسيّما أنَّ الأخيرة من الموقعين على ميثاق محكمة العدل الدولية، لهذا فإنَّ أمريكا تحاول هنا أن تخلط الأوراق، عن طريق غض الطرف جزئيًا، عن استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر، الذي يمر عبره (13%) من التجارة العالمية، ولاسيّما تجارة النفط والغاز، وهي هنا تريد تأزيم الموقف الدولي، وأن تكون هناك مساومات وضغوط دولية، بحجة حماية طرق التجارة الدولية، ومن ثَمَّ قد تضغط على دول معينة في المنطقة، من أجل رفع دعوى دولية على الحوثيين، وإصدار قرارات دولية ملزمة ضدهم، أو على الأقل خلط الأوراق من أجل الضغط على حماس، لقبول وقف اطلاق النار بشروط اسرائيلية.
إنَّ لجوء الولايات المتحدة لهذا الأسلوب غير مستبعد أو مفاجئ، فقد أكدت بعض التقارير أنَّ ما حدث في 11 ايلول 2001، وتفجير برجي التجارة الدولية، كان بتدبير مخابراتي أمريكي، من أجل اتهام جهات خارجية وضربها، وهو ما حصل بالفعل من احتلال افغانستان، وبعدها العراق عام 2003. كما أنَّ الولايات المتحدة لجأت إلى دعم المجموعات المتطرفة في المنطقة، مثل: (القاعدة وداعش)، من أجل تقليل ضغط المقاومة على قواتها في المنطقة، كذلك دعمت المجموعات الإرهابية في سوريا، حتى تحصل على موطئ قدم لها في سوريا، ووجودها في شمال سوريا وجنوبها، وعشرات الأعمال التي نفذتها المخابرات الأمريكية، من أجل إيجاد ذرائع لتدخلها العسكري. لذا فإنَّ السكوت أو بالأحرى ضعف الرد الأمريكي على أحداث البحر الأحمر، يمكن أن يكون هدفًا مستقبليًا لهم، للوصول إلى ما تصبوا إليه الإدارة الأمريكية، بعد أن عجزت آلتها العسكرية عن الوصول إليه.