م.د. حيدر مهدي حداوي
باحث في قسم الدراسات القانونية
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
ابتداءً، تعد الجامعات ذات مركز حضاري تقدمي مهم وحيوي، نظرًا لما تقوم به من دور كبير في المسيرة التعليمية، التي تهدف بالدرجة الأساسية إلى بناء الطالب فكريًا وعلميًا واجتماعيًا، ويكون كل ذلك بواسطة الأستاذ الجامعي، الذي يكرس كل خبراته العلمية ووقته، بغية تحقيق كل ذلك، وبجهد جهيد منه. بناء عليه، يكون المركز القانوني للأستاذ الجامعي، إذ هم موظفون يخضعون بشكل تلقائي لقوانين الوظيفة العامة المختلفة والمتنوعة، بما فيها قانون انضباط موظفي الدولة، والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل , إذ إنَّ وقوع المخالفة المهنية الوظيفية من الأمور الواردة بها، وهي سلوك منحرف خارج إطار المألوف، مما يتطلب الأمر من الإدارة التصدي له, حماية للمصلحة العامة في المؤسسة التعليمية، من أي انحراف غير مشروع قد يطرأ عليها, ولكن مع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار، المكانة العلمية والاجتماعية، وحساسية المهام الملقاة على عاتقه، والتي يمارسها في العملية التعليمية ضمن الإطار الأكاديمي، عند إجراء التحقيق الإداري معه، مما يحفظ لهم تلكم المكانة التي يتمتعون بها, لذا يتعين مراعاة ذلك في الجانبين الشكلي والموضوعي، لتوفير الضمانات اللازمة لحمايتهم، من احتمال وقوع الإساءة إليهم من اللجنة التحقيقية، سواء كانت بصورة عمدية لاعتبارات شخصية، أم بصورة غير عمدية وبما يتعارض مع قاعدة الجهل بالقانون ليس بعذر لها.
أولا- السلطة المختصة بإجراء التحقيق الإداري: نصت المادة العاشرة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام، المرقم (14) لسنة 1991 المعدل، على: (أولا: على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة، على أن يكون أحدهم حاصلًا على شهادة جامعة أولية في القانون. ثانيا: تتولى اللجنة التحقيق تحريريا مع الموظف المخالف المحال عليها، ولها في سبيل أداء مهمتها، سماع أقوال الموظف والشهود وتدوينها، والاطلاع على جميع المستندات والبيانات التي ترى ضرورة الاطلاع عليها مع توصياتها المسببة …). إذ إنَّ تشكيل اللجنة التحقيقية يتم من ثلاثة أعضاء، أحدهم يكون رئيسًا لهذه اللجنة، والأعضاء الآخرين من ذوي الخبرة والدراية، بشرط أن يكون أحدهما حاصلًا على شهادة أولية في القانون (عضو قانوني)، ويعدّ شكل اللجنة من النظام العام الذي يترتب على مخالفته، بطلان الاجراءات التحقيقية التي تتخذها هذه اللجنة.
ولكن التساؤل الذي يتبادر إلى الذهن، ماذا يقصد المشرع من ذكر عبارة “ذوي الخبرة ” للأعضاء فيها؟ نعتقد جازمين أنَّ المشرع قد ذكر هذه العبارة لوجود الخبرة للأعضاء الثلاثة من الموظفين أو من التدريسيين كأعضاء لدى اللجان التحقيقية؟
لكن من جانب آخر لا يجوز تولي التحقيق الإداري من قبل الذين تم تعيينهم حديثًا، من الموظفين أو التدريسيين ولم تمضِ مدة طويلة على تولي العمل الوظيفي والإداري لهم، “أي فقدان العنصر الزمني في تولي العمل الوظيفي والإداري من قبلهم”.
عليه، ما الحل في حالة أن أصدرت الجهة الإدارية، أمرًا إداريًا بتولي أحد هؤلاء الأعضاء، التحقيق في لجنة انضباطية، ممن هم لم تمضِ مدة بعد على تعيينه، بالتحقيق مع أستاذ جامعي مثلا، بسبب وقوع مخالفة منه يعتقد أنَّها مخالفة للأنظمة أو التعليمات أو القانون؟
هاهنا تكون جميع إجراءات التحقيق والتوصيات الصادرة عن اللجنة التحقيقية معه، معيبة موضوعيًا غير سليمة وتتعارض بشكل صريح، بما لا يقبل الشك، مع نص المادة العاشرة فقرة أولا- من قانون الانضباط النافذ، الذي ينص على توافر عنصر الخبرة الفنية والإدارية والعلمية فيه، وهي أصلا غير متوفرة فيه، تطبيقا لقاعدة “فاقد الشيء لا يعطيه”.
والعلة في ذلك تكمن في أنَّ التحقيق، يكون مبنيًا أصلًا على وجود الخبرة لجميع أعضاء اللجنة التحقيقية، وإنَّ عدم توافرها لعضو واحد منهم، يجعل منها غير مشروعية ومخالفة للقانون، لأنَّ الأساس من وجود اللجنة التحقيقية هو حماية المصلحة العامة للمرفق المحلي المؤسسة التعليمية الجامعية، بناءً عليه ندعو من يقوم بتشكيل اللجان التحقيقية، توخي الدقة والحذر في اختيار الأعضاء فيها، وبما ينسجم مع روح القانون ونصه.
ثانيا- عمل اللجنة التحقيقية: التحقيق مع الموظف المخالف، ويشترط في هذا التحقيق أن يكون تحريريًا، فالكتابة شرط جوهري لا يمكن اغفاله في تحقيق هذه اللجان، بموجب نص المادة العاشرة أعلاه، لما للكتابة من فوائد جمة، منها، إنَّها تحفظ الاجراءات التحقيقية، وما تتوصل إليه اللجنة من الضياع والنسيان، كما أنَّها تمثل سندًا مهمًا لإثبات شرعية عمل اللجنة، إذا ما طعن بهذه الشرعية، وللجنة التحقيقية في سبيل أداء مهمتها، الاستماع إلى أقوال الموظف المخالف المحال عليها والشهود، بعد تحليفهم القسم القانوني، وحسب ما ينص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ، بعدّه قانون الإجراءات الذي يعول عليه في التحقيق الإداري، وتدوين شهاداتهم، ولها أن تتطلع على جميع المستندات والبيانات، التي ترى أنه من الضروري الاطلاع عليها، وبعد أن تنتهي اللجنة من عملها، تحرر محضرًا تثبت فيه الاجراءات التي اتخذتها، وأقوال الموظف ودفاعه، وشهود الاثبات والنفي، مع توصياتها المسببة. ومما تجدر ملاحظته، أنَّ النتيجة التي تتوصل إليها اللجنة التحقيقية، لا تخرج عن كونها توصية غير ملزمة للجهة التي احالت الموظف إليها (الوزير أو رئيس الدائرة).