الكاتب: أ.م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
آذار/ 2024
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:21)
أعتى ما قد تواجهه المجتمعات، قديمًا وحديثًا، والتي تعد تهديدًا وجوديًا لها، هي حالة سقوط القدوة، التي يقتدي بها باقي أفراد المجتمع، ويشيرون لها بالبنان، وهذا ما تم تشخيصه في المجتمع العراقي، لاسيّما بعد التحولات الجذرية التي ألمت بالدولة والمجتمع بعد عام 2003.
فاقم التأثير السلبي لتلك الظاهرة، وجود فضاء مفتوح لانتقال الأخبار، وبسرعة كبيرة، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي تروج لأجندات متنوعة، واشاعات وأكاذيب كثيرة.
ومن أمثلة إسقاط القدوة، إنَّ السياسي الذي تصدى لخدمة المجتمع، وجاء بأصوات الشعب، يتمتع بمستوًى معاشي أفضل من جميع من انتخبه. فلا يواجه ما يواجهون من صعوبات الحياة اليومية، كنقص الخدمات الأساسية، كالماء الصالح للشرب، والكهرباء، والرعاية الصحية.
والمسؤول الذي يمثل الدولة ومؤتمن عليها، هو موضع شك وريبة فيما يخص المال العام، وأدان القضاء بعضهم بتهم فساد، وإهدار لمليارات الدولارات من خزينة الدولة، وتلاعب بها.
وكذلك طبقة الأطباء التي أصبح الرأي السائد، أن أغلبهم طبقة متفردة ومنعزلة عن باقي طبقات المجتمع، يتصاهرون من بعض، وإنَّ مهنتهم ليست مقدسة، وإنَّ همَّهم الوحيد الربح المادي السريع. ولأجل ذلك تقدم الآلاف من الطلبة لدراسة الطب، لأنَّه اختصاص يثري صاحبه.
وأيضا بعض رجال الدين الذين يعتاشون طائفيًا على الاختلاف، وماديا على عقول البسطاء قبل جيوبهم، يمكن أن يرتكبوا الموبقات حتى داخل دور العبادة.
وأخيرًا، اهتزت مكانة المعلم، الذي يقدم العلم في المدارس والكليات، على حد سواء، الذي كانت مكانته (كاد المعلم أن يكون رسولا)، مع انخفاض العطاء العلمي، وارتفاع المصالح الشخصية، على سمو المهنة التعليمية، واحتكاكها بمصير الأجيال القادمة، وصولًا إلى فضائح اخلاقية تلاحق المعلم هنا وهناك، لترديه إلى أسفل السافلين.
اسقاط القدوة، وانهيار المثل القيمة في مجتمع يعتد بها، يدفع أفراده إلى الوغول أكثر وأكثر في وحول الخطيئة، حيث الغش، والسرقة، والقتل، والزنا، والخيانة الزوجية، وجميع الأمراض المجتمعية المستعصية الأخرى، هاوية لا قعر لها، ومكان لا يمكن أن يحيا فيه الإنسان الشريف، إذ الإيمان فيه نفاق، وحب الوطن أكذوبة تجلب السخرية.
ولهذا يجب أن ينتبه عموم المجتمع من غفلته، ولاسيما ذوي اللب الراجح، ويعي لتلك الإرادات التي تريد أن تعدم الشعوب، من قدوات يسيرون على هداهم، ويأخذون علمهم وعزيمتهم منهم، وفي ذلك تهديد خطير، وحرب خفية سلاحها جهل الضحايا، وغاياتها تعميم العنصر السلبي على جميع العناصر الأخرى، ليدمر المجتمع نفسه بنفسه.