أ.م. د. علي شمران الشمري
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
آذار/ 2024
يبدو أنَّ ما يحدث في غزة بدأ يوجع الضمير العالمي، فمشاهد الموت والجوع لم تعد تجد لها تسويغًا مقنعا، وبالذات للداعمين الرئيسين للكيان الصهيوني، بل إنَّ موجة غضب عارمة تجتاح شعوب العالم، وهي تشاهد مناظر الموت الناجم عن الجوع وسوء التغذية، وطوابير الأطفال والنساء والشيوخ، التي تقف ساعات في ظروف جوية قاسية، حتى تحصل على رغيف خبز، أو كمية من الطحين، تسد بها رمق جوعهم. والأدهى من ذلك أنَّ هذه الطوابير، لم تسلم من نيران العدو، إذ تنهال عليهم الصواريخ ورشقات المدفعية، وتدكهم الطائرات، ليصبحوا هدفاً سهلاً للقتل. لقد أيقن العالم أنَّ هذه الحرب حرب وجود، وليس حرب الغاية منها القضاء على حماس كما يدعون، وبدأت الدعوات تتصاعد من المعسكر الداعم التقليدي لإسرائيل، بضرورة وقف فوري للقتال، وتقديم الدعم لهذا الشعب الذي يموت موتًا جماعيًا. فكانت مبادرة فتح ميناء على ساحل غزة، بوشر به ووصلت أول باخرة، لكن لم تسد رمق مليون ونيف من الجائعين، يعتاشوا على المساعدات الدولية، بعدما تم تدمير كل شيء، المعامل والمصانع والمزارع والأسواق. وعلى الرغم من اسقاط أطنان من المساعدات الدولية من دول عدة، لكن لم تضع حلًا للجوع . لذا أيقنت الدول التي تتحكم بمجلس الأمن، أنَّ الاصرار على استخدام الفيتو في مجلس الأمن، لن يحل المشكلة، وأنَّ الحلَّ العسكري أصبح مكلفًا، وقد تنتج عنه كارثة انسانية حقيقية، مما استوجب أن تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية، بقرار إلى مجلس الأمن لغرض وقف إطلاق النار، مقترن بالإفراج عن المختطفين، وتقديم المساعدات من المنافذ كافة. وعلى الرغم من تقييده بزمن محدد، لكن هو بداية انفراج لهذه الأزمة، التي أكلت أكثر من (٣٢) ألف شهيد و(٧٠) ألف جريح، وتدمير لكل شيء في غزة، بما يقدر بـ (٧٠٪) من مبانيها وأسواقها، ومستشفياتها، ومدارسها، وبناها التحتية، ولم تعد هناك حياة ممكنة في هذه المدن. إنَّها الحروب التي تدفع ثمنها الشعوب. وإنَّها ثمن الاحتلال، وعقلية الانتقام، والاستيلاء على أرض الغير، بالقوة وفكر متطرف. إسرائيل تنتهك كل المواثيق الدولية، وكل ما شيع عن ديمقراطية، ودولة عصرية، وحقوق انسان، عرَّتها غزة، ليعرف العالم كله شعوبًا وحكومات، طبيعة هذا النظام المستبد.