م. م. سندس عمران الطريحي
مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء
آذار/ 2024
إلغاء بعض أحكام الدستور أو إضافة أحكام متطورة جديدة، لتغيير مضمون بعض مواد الدستور، أمر في غاية الأهمية، مع التأكيد على إبقاء الدستور بوثيقة الدستور نفسها، وعلى أسس وضع الدستور نفسها، وإلاّ يصبح تأسيسًا لتغيير الدستور، وهذان أمران مختلفان، فالتعديل يختلف عن الوضع الجديد الذي يعني إنشاء دستور جديد، فتبرز أهمية التعديل في الدساتير، لأنَّ التعديل إجراء يفرض نفسه، وإن كان قانونًا ساميًا فهذا لا يعني أنَّه خالد ثابت، بل إنَّ مستجدات الظروف المحيطة بالمجتمع، تقتضي تعديل الدستور، من أجل تكيفه وملاءمته مع ذلك المستجد، أو الظروف التي توجب تعديل الدساتير، فلا بدَّ أن تكون فعّالة، أن تساير التطور، وتغير الظروف، ولا يمكن ذلك إلاّ بتضمينها نصوصًا تسمح بمراجعتها من حين لآخر، لأنَّ الجمود يؤدي إلى تغييرها بالعنف، وهي السبب الأعظم في قيام الثورات، حيث تتطور الأمم وتظل الدساتير ثابتة. والتعديل هو مرحلة وسط بين الإنشاء (الوضع) والإنهاء، وهو لا يقتصر على التعديل بل قد يمتد إلى إلغاء بعض الأحكام، أو إضافة أحكام، على الرغم من صعوبة التفرقة بين التعديل والإنهاء. وهناك ثلاثة أنواع من الدساتير، وهي:
- دساتير ترفض التعديل كليًا، مثل: الثورة الفرنسية التي عكست حقائق أسستها الثورة، وهي حقائق خلود الدستور وعالميته، فإنَّ الدساتير التي تترجم هذه الحقائق، هي دساتير صالحة لكل زمان ومكان، وهي غير قابلة للمساس أو التبديل، فهي ليست في حاجة إلى المراجعة.
- دساتير تشير إلى طريقة تعديلها، وفي هذه الحالة يجب الالتزام بالطريقة المذكورة، ولا يجوز العمل بغير طريقة، لأنَّها تعدّ غير قانونية، فهي تعني الدساتير (الجامدة وليست المرنة)، مثل: دستور الجزائر لسنة 1963. إذ نلاحظ أنَّ هناك تعديلات خطرة للدساتير، مثل: تعديل دستور الجزائر الثالث بتاريخ 3 نوفمبر 1988، إذ قضى بإعادة تنظيم العلاقة بين التشريعية والتنفيذية، وكذلك أنشأ مركزه رئيس الحكومة. وقد تنص الدساتير على تعديل آلي بفترات متباعدة، منها: دستور البرتغال 1933 كل (10) سنوات، والدستور البولوني الذي يشترط تعديله بعد مرور (20) سنة…. الخ. أمّا عملية التعديل فقد تختص بها الهيئة التشريعية العادية، أو هيئة خاصة، أو الشعب عن طريق الاستفتاء.
- دساتير لا تشير إلى طريقة تعديلها، ويعتقد أنَّ الحق في تعديلها يعود إلى الجهة الواضعة لها، أمّا الرأي الآخر يعود هذا الحق إلى الشعب، بوصفه صاحب سيادة ولا يمكن فرض قيود على حقوقه، وتفسيره أنَّ هناك إرادة شعبية جماعية تعبرّ عن الدستور، أعلى من الإدارة التي تعبر عن القانون. أما شروط تعديله لابد من اشتراط إجراءات خاصة ومحددة مسبقاً في الدستور نفسه، وكل ذلك للمحافظة على سمو منزلته وعلوها، وعلى جموده، لكي لا يعدّله الحكّام حسب مشيئتهم ورغباتهم وأهوائهم، ويكون التعديل وفقاً لظروف وأساليب معينة، تختلف حسب الأنظمة السياسية، وكذا درجة الجمود التي يراد إعطاؤها للدستور. وهناك قيود ترد على التعديل، لا تعطي الحرية المطلقة للسلطة المكلفة لتعديله حسب مشيئتها، بل قيدتها السلطة التأسيسية الأصلية بجملة من القيود، وتكون واردة من قبل في الدستور المراد تعديله، قيود تسمح بضمان عدم التلاعب بالدستور من قبل السلطة الحاكمة، وهي تختلف من دستور لآخر، ومن بلد إلى آخر، ومن القيود، هي: منع التعديل بصفة مطلقة، وهي طريقة قديمة نادى بها الفلاسفة، ورجال الثورة الفرنسية، وهذا تقديس للدستور، وجعله كاملاً لا يشوبه نقص أو عيب، وهو أمر غير واقعي على الرغم من وجود مبادئ لا يمكن تعديلها، وإنَّ عدم التعديل ينتج عنه ثورة حقيقية على الدستور، سواء بحذفه أو تجاوزه، لأنَّه لا يمكن تجميد حركة المجتمع وتطوره. أمّا القيد الثاني فكان بمنع إلغاء دستور عن طريق تعديله، كما حدث في دستور الجزائر 1976، الذي عدَّ مجرد تعديل دستور، لكنَّه في الحقيقة كان إلغاءً، لأنَّ دستور 1989 كان مختلفًا كليًا عن دستور 1976، لذا فإنَّه إلغاء وليس تعديلًا للدستور. أمّا القيد الثالث فكان باشتراط قراءة ثانية للدستور، أمام البرلمان لمشروع التعديل، مع المصادقة على المشروع من قبل النواب للبرلمان بنسبة موصوفة ثلثي أو ثلاثة أرباع أعضائه، ويجب الفصل بين القراءتين مدة زمنية. أمّا القيد الرابع فهو منع تعديل الدستور بعد وضعه لفترة زمنية معينة، من أجل تدعيم استقراره وتكريس العمل، ويكون هذا المنع لمدة تتراوح بين 5-10 سنوات، أو أي مدة يحددها الدستور. والقيد الخامس كان يمنع تعديل الدستور، إلا بعد تحقق شرط معين، مثل: دستور الأردن الذي اشترط بلوغ ولي العهد سن الرشد، حتى يتم التفكير في التعديل. أمّا القيد السادس والأخير فهو منع التعديل في الظروف الطارئة، مثل: الحرب أو عدوان خارجي أو مساس بأرض الوطن، ومن ثّمَّ لتعديل الدستور مراحل، منها: مرحلة الاقتراع، ومرحلة قبول التعديل، ومرحلة الإعداد، ومرحلة الإقرار (النهائية). لذا فيمكن إلغاء الدستور أو إنهاؤه، سواء بالطرق القانونية أم بغير القانونية، كالثورات والانقلابات. ويمكن القول: إنَّ أي إلغاء أو إنهاء لأي دستور، لا يمس وجود الدولة بالرغم من تغير النظام السياسي، ولكن يؤثر في شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، كما في العراق بعد عام 2003، وإنَّ إلغاء الدستور يؤدي إلى سقوط المؤسسات القائمة، حسب النظام السياسي، ونظام الحكم السائد في الدولة نفسها، ومن أجل ضمان الاستقرار الأمني للبلاد، تجنب إلغاء الدستور أو تعديله، واللجوء إلى طرق وقائية أخرى، للمحافظة على دستورية القوانين، والمحافظة على هذه الطرق الوقائية، التي تحفظ سلامة الدولة واستقرارها.