م.م. زينب محمد ياسين/ كلية التربية للعلوم الإنسانية
انطلاقًا من مقولة: “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء”، التي حملت كل المعاني العميقة، والدروس الجهادية في رفض الاستبداد، والظلم، والطغيان، بتجاوز الزمان والمكان، وبما توحيه ملحمة الطف الأليمة، من أجل تحقيق أهداف الحرية والعدالة والكرامة والأمن.
عند العودة إلى التاريخ الإسلامي وتحديدا سنة (61هـ)، ومتابعة مجريات الأحداث، يلاحظ وجود صراع في البعد السياسي من الشريعة، بين محورين:
– الأول محور الحق الذي مثله الإمام الحسين (عليه السلام).
– المحور الثاني محور الشر الذي جسّده يزيد بن معاوية.
لم ينتهِ الصراع بين الحسين (عليه السلام) ويزيد، بل ما زال قائمًا وساحاته مفتوحة؛ وما غزة إلا إحدى هذه الساحات، والممارسات العدوانية الصهيونية والأمريكية، ضد أبناء الشعب الفلسطيني، الذي يعيش يوم عاشوراء منذ ما يقارب ستة أشهر. فعلى الرغم من اختلاف الجغرافية بين المدينتين، إلا أنَّ هناك تشابهًا كبيرًا في تفاصيل الأحداث الجارية بينهما، من الإبادة والعنف، والاحتلال، والاجتياح للمدن، وانتهاك الحقوق.
نقول: إنَّ غزة اضحت مثل كربلاء بالعديد من الصور:
– أولًا: إنَّ سنابك خيل عبيد الله بن زياد، التي داست صدر إمام الثائرين، وسبط النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تعود اليوم من جديد على شكل آليات عسكرية صهيونية، لتجتاح قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية.
– ثانيًا: سياسة الحصار الاقتصادي، فكما حوصر معسكر الإمام الحسين – عليه السلام – وسُدّ عنهم باب الورود، بأمر من السلطة الحاكمة آنذاك، بمنع الماء من قبل عمر بن سعد. ها هم الصهاينة يعيدون السيرة بمنع الماء عن قطاع غزة، يؤكد ذلك ما جاء على لسان وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس: إنَّ تل أبيب لن تعيد الماء والكهرباء والوقود، إلا بعودة الأسرى الإسرائيليين، الذين تم احتجازهم من قبل حركة حماس، الذين أطلقوا عملية طوفان الأقصى في 3/10/2023.
ثالثًا: كثرة المرتزقة. إنَّ سنان بن أنس وهو أحد مرتزقة جيش عمر بن سعد، كان يقول:
املأ ركابي فضة وذهبا أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا وخيرهم إذ ينسبون نسبا
على الشاكلة ذاتها، هناك في الدول نفط يملأ ركاب المرتزقة بالأموال.
رابعًا: قلة المؤازرة العربية، فكما امتنع كثير من القبائل العربية، عن مناصرة الإمام في ثورة الحق ضد الباطل؛ كذلك امتنعت بعض من دول الجوار الجغرافي العربي، عن مناصرة حركة حماس في طوفانه ضد الكيان الصهيوني؛ لا بل امتنعت حتى عن فتح المنافذ الحدودية، لإيصال المساعدات الغذائية والإنسانية، كما هو الحال مع (معبررفح)، الذي يقع بين قطاع غزة في فلسطين، وشبه جزيرة سيناء في جمهورية مصر العربية. كنوع من سياسة التجويع الذي أقره مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة 2018 ضمن جرائم الحرب.
خامسا: وكما شكل اليمنيون (67%) من أنصار الحسين (عليه السلام) في كربلاء، اليوم نرى أنَّ اليمنيين حاضرون وبقوة في دعم غزة ونصرة أهلها، وهم يقومون بسلسلة من العمليات العسكرية، انطلاقا من موقعهم الجغرافي الفريد على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وعرقلة حركات السفن البحرية الصهيونية والداعمين لها ؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن والتأمين، مع تحول حركة المرور البحرية إلى طريق ” رأس الرجاء الصالح ” جنوب أفريقيا، تفاد للخطر؛ مما سبب اضطراب بمجالات الاقتصاد الحيوي عالميا.
نذكر هنا، قوله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾(الأحزاب:23)، فإنَّ حركة حماسة، ومنظومات المقاومة في العالم الإسلامي، أمام مواجهة قوى الاستكبار، والاستبداد في كل مكان وزمان، لا ترعبهم قوة العدوان، بنفس قائدهم الحسين الثائر الأكبر، وبالعبارات نفسها التي كان يرددها: ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة. وهيهات منا الذلة، من أجل الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وهم يعلمون أنَّ الموت يتربص بهم، وأنَّ الصهاينة لا يتورعون عن قتلهم؛ لكن هذا القتل لم يكن مانعا لهم أن يقفوا في وجه الصهاينة. يعلمون قطعَّا أنَّ الموت حياة لقضيتهم، والشهادة طريقهم، ولا استسلام في قاموسهم، لأنَّ قضاياهم عادلة وقضيتهم قضية دين وأمة، وهم تعلموا من كربلاء الحسين -عليه السلام- أنَّ دماءهم لا تسيل هدرًا، وأنَّ هذه الدماء دماء شرف ستمزق الأقنعة؛ غزة ستنتصر إذ ينبئنا اللطيف الخبير، بمصداق قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج:40).
فما اشبه اليوم بالبارحة، فغزة هي كربلاء وستنتصر؛ لأنَّها امتداد للطفوف، وسيخلدون في كل الميادين حسينا، وستبقى فلسطين وتبقى كرامتها، وستسقط الكيانات اليزيدية المعتدية، وتمحى من خريطة العالم السياسية، ولا يذكرون إلا على سبيل الدم، كما هو حال يزيد وابن زياد، فسلام على حسين غزة وحسين كربلاء، والنصر لكل من كان شعاره هيهات منا الذلة.