أ.م. علي مراد النصراوي/ قسم إدارة الأزمات
منذ سنوات، والتصعيد ما بين الكيان الصهيوني وإيران، يأخذ منحنًى تصاعديًا، سواء عبر التصريحات المتبادلة، أو حتى عبر الاستهداف غير المباشر. طالما استهدف إسرائيل قادة كبارًا في سوريا ولبنان، وحتى خارج تلك المناطق، في حين تعمل طهران على الرد، عبر ما يعرف بفصائل المقاومة التي تدعمها إيران، والتي يطلق عليها الغرب أذرع إيران أو وكلائها في المنطقة، فضلا عن ذلك فإنَّ الفصائل الفلسطينية لاسيّما حماس والجهاد الإسلامي، لا تخفي تلقيها دعم متواصل من إيران، وما حصل في (7) اكتوبر من هجوم مباغت لحركة حماس، على البلدات الإسرائيلية، وأسر وقتل العديد من الإسرائيليين، بينهم جنود وحتى قادة، الأمر الذي قاد الكيان الصهيوني، نحو شنه هجود دموي نحو غزة، تخللته حرب برية ما زالت مستمرة، منذ ستة أشهر، راح ضحيتها قرابة المائة ما بين شهيد وجريح، في حين دخل حزب الله اللبناني على خط الحرب، عبر الاشتباك المباشر على طول الحدود ما بين لبنان وإسرائيل، إلى جنب شروع حركة أنصار الله الحوثيين، لشن هجمات متكرر بالصواريخ، وحتى الطائرات المسيرة نحو الكيان الصهيوني، فضلا عن استهداف السفن التابعة أو المتوجهة نحو اسرائيل، الأمر الذي استدعى من الولايات المتحدة، إرسال بوارجها الحربية للبحر الاحمر لحماية السفن، مما أدى للدخول في مواجهة مباشرة مع الحوثيين في اليمن، عبر تبادل الهجمات، في حين قامت بعض الفصائل العراقية، بفتح جبهة جديدة مع القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والأردن، قبل أن تقدم القوات الأمريكية على استهداف بعض القيادات في داخل العراق، ممن تتهم واشنطن بتدبير تلك الهجمات نحو قواعدها.
أمّا ما حصل مؤخرًا، فيعود سببه إلى قيام طائرات إسرائيلية، بقصف مقر الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، الذي راح ضحيته خمسة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي عدَّته إيران تجاوزاً على كل قواعد الاشتباك، وتجاوزًا على الخطوط الحمراء، الأمر الذي وضع إيران أمام حتمية الرد، للحفاظ على عامل الردع اولاً، ومن ثمَّ وضع خطوط اشتباك جديدة، فضلا عن رد اعتبارها أمام الرأي العام الداخلي وحتى الخارجي، لذلك شنت إيران الهجوم الذي وصفته أوساط عدة، بأنَّه الأكبر إذا استخدمت به أكثر من مائة طائرة مسيرة، بما تعرف بالشاهد، وهي طائرة انتحارية، فضلا عن صواريخ كروز وأرض أرض خيبر. وبالرغم من حجم الإعلان والدعاية التي رافقت تلك الهجمة، إلا أنَّ البعض يرى بأنَّ الهدف قد تحقق من تلك الضربة، بالرغم من أنَّ طائرات أمريكية وفرنسية وبريطانية، قد عملت على إسقاط الجزء الأكبر منها. وبالرغم من كل ذلك الاستنفار من تلك الدول لحماية اسرائيل، وبالرغم من وجود أربعة خطوط دفاع جوي إسرائيلي، إلا أنَّ بعضًا من تلك الصواريخ، كانت قد اخترقت تلك الدفاعات فعلاً، وأصابت أهداف معينة. أمّا الولايات المتحدة فقد دعت اسرائيل لعدم الرد، في محاولة لاحتواء الأزمة. أمّا إسرائيل فترى أنَّ الرد ضروري لها، للحفاظ على عامل الردع، كما أنَّ عدم الرد سيصعب على إسرائيل استهداف قادة ايرانيين في أي مكان. والسيناريو الاقرب هنا هو أنَّ إسرائيل سوف لا ترد بصورة مباشرة على إيران، بل ربما في أماكن أخرى كسوريا ولبنان، وربما العراق، وبهذا عملت على خطوتين: الأولى التوافق مع العالم الأمريكي، وعدم الاستهداف المباشر، والحفاظ على عدم التصعيد. ومن جهة أخرى فإنَّها أوصلت رسالة لإيران والعالم، بأنَّها قد ردت على الهجوم. أمّا السيناريو القادم فالحذر سيكون سيد الموقف، مع استمرار التفاوض بشأن غزة، واستمرار محور المقاومة، على الوتيرة السابقة نفسها، بشن بعض الهجمات التي دائما ما ترد عليها إسرائيل. أمّا إيران فإنَّها بطبيعة الحال، سوف ترد إذا ما جرى استهدافها في الداخل.